الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ثلاثي الحريري ـ عون ـ نصر الله… زواج بالإكراه

ثلاثي الحريري ـ عون ـ نصر الله… زواج بالإكراه

08.11.2017
ميسرة بكور


القدس العربي
الثلاثاء 7/11/2017
لم تُفاجئني قطّ استقالة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري من الرياض بقدر ما فجأني الحريري حينما قرر الانحناء لتيار عون نصر الله المنضوين تحت عباءة خامنئي إيران وبشار دمشق، وتخليه عن حليفه سمير جعجع وخسارته للتعاطف الشعبي السوري واللبناني.
ولست استغرب من اعلان انفصال الحريري من هذا التحالف الثلاثي الذي لم يؤسس ويبن على أسس صحيحة إنما كان زواجا بالإكراه، وتعلق الغريق بالقشة والغريق كان الحريري الذي وجد نفسه خارج نطاق التغطية السياسية وخارج حسابات الرياض بعد إفلاس شركاته في السعودية وعجز مجموعته الاقتصادية عن تغطية نفقات ومرتبات موظفي تلفزيون المستقبل خاصته. فلم يجد بدا من التعلق بالقشة "عون، نصرالله" ومصافحة من قتل ابيه وهو يعلم.
الأسباب والمسوغات التي تجعل الحريري يبتعد عن المحور الإيراني كثيرة جداً ليس أولها علمه اليقين أن هذا المحور هو من قام بقتل والده رئيس الحكومة الأسبق "رفيق الحريري" وليس آخرها اعلان سعد أنه تعرض لمحاولة اغتيال منذ أيام وهو يشير باصبع الاتهام لحزب نصرالله إيران. بل يمكننا أن نشير إلى أمور كثيرة في معرض بحثنا عن أسباب استقالة الحريري، ومما يمكن ذكره أن الحريري كان بادئ الأمر مكرها على التنازل والقبول بميشيل عون مرشح حزب الله لقصر بعبدة والمدعوم من طهران ودمشق لما يكنه من عداء للثورة السورية ولوجود اللاجئين في لبنان ومن قبلهم الفلسطينيون.
الأمر الآخر الذي يمكن التطرق له عدم التزام شركاء الضرورة القصوى بالحياد الذي اتفقت عليه كل الأطراف اللبنانية ولا يخفى على متابع كيف وقف الرئيس ميشيل عون وصهره وزير خارجيته "جبران باسيل" بكل شراسة إلى جانب نظام بشار الاسد وحزب الله ضاربين عرض الحائط بما تم التوافق عليه من قبل، ولم يتسن لنا ولغيرنا أن ننسى آخر تصريحات جبران باسيل وميشيل عون منذ أسابيع بحق اللاجئين السوريين وإعادتهم لسوريا رغم ما يترتب على ذلك التصرف من نتائج.
أمر ثالث اضطرار الحريري تسويغ عمليات حزب الله في عرسال، واجترار مرارة انتقادات أقرب المقربين له والشرخ الذي أصاب علاقته بالوزير أشرف ريفي. وآخرها إجبار الحريري على الموافقة على تعيين سفير للبنان في دمشق في خطوة تشير دون لبس للإذعان العلني لطروحات ميشيل عون وحسن نصر الله وجبران باسيل حول ضرورة تطبيع العلاقات مع نظام دمشق، الذي حاول الحريري على استحياء تجنبه.
والأمر الرابع ربما تحدثت عنه في مقابلة مع قناة "سكاي نيوز" حين تم تسريب أن امريكا تعد مشروعاً لفرض عقوبات سياسية واقتصادية على داعمي حزب الله وتساءلت حينها إلى أين يسير الساسة اللبنانيون في لبنان ألا يوجد رجل رشيد، وقد فرضت ادارة ترامب أخيرا عقوبات على أشخاص ومؤسسات داعمة لحزب الله، الأمر الذي يجعل سعد الحريري نفسه معرضاً للعقوبات الأمريكية كونه يرأس حكومة فيها وزراء من حزب الله الإرهابي حسب التوصيف الأمريكي رغم أن ترامب في لقائه مع الرئيس سعد الحريري أبلغه أنه سيدعم لبنان في مواجهة التحديات.
على المقلــــب الآخر فقـــــد قام الكيان الصهيوني بأكبر مناورات وتدريبات على حدود فلســطين الشمالية جنوب سوريا ولبنان لم يرتبها منذ عشرين عاما فيما يشير إلى نوع من الاستعداد الجاد لمواجهة محتومة.
ما إن فتحت الرياض أبوابها مجددا للرئيس الحريري وعـــــاودت احتضـــــانه لنشله مــــن زواج الإكراه مع تحالف عون نصر الله، حـــتى انطلق لسان سعد الحريري لينفس احتقان نفسه بلهـــجة رفع سقفها إلى أبعد مدى وصلت إلى حدد "قطع أيادي إيران" الذي سبق ومنذ سنوات أن استخدم مثل هذه العبارة بقول حسن نصر الله اليد التي ستمتد لسلاح المقأومة سنقطعها. السؤال اليوم من سيقطع يد الآخر في لبنان.
ما إن أعلن سعد الحريري عن استقالته حتى انبرت أقلام إيران لتوجيه اسهمها إلى الرياض واتهامها بأنها من ضغط على الحريري لتقديم استقالته، وانا كـسوري أولا وعربي ثانيا لا يمكنني إلا أن أدعم الحريري في هذا الموقف، وقد عايشتم معنا ما فعله حزب إيران بنا وبسوريا دعما لمشروع إيران ولم ننس مواقف جبران باسيل وميشيل عون بحق الثورة السورية سيما اللاجئين السوريين.
بعد استقالة الحريري علينا أن نتوقف ونطرح تساؤلات تحتاج لإجابة، كيف ستكون عليه الحسابات الروسية التركية، بعد استقالة الحريري.
هل ستستغل تركيا استقالة الحريري لمزيد من المكاسب من الطرف الإيراني أو الضغط عليها في الملف السوري مع حاجة إيران الملحة في هذا المأزق الحرج للدعم التركي خاصة في حال حصول مواجهة حقيقية سعودية إيرانية أو اتخاذ تدابير أمريكية تجاه عصابات إيران في لبنان، أو في حال قيام الكيان الصهيوني بعمل عسكري في لبنان.
ماذا عن الموقف الروسي هل ضمنت السعودية حياد موسكو في المتغير اللبناني الجدي وهل "صفقة اس 400" ستجعل موسكو تسكت عن هذا التحول خاصة أنه مدعوم من واشنطن وموجه لحلفاء موسكو إيران وحزب الله وينعكس على مجريات الأحداث في سوريا، أم أن موسكو حصلت على مباركة الرياض لاستراتيجيتها في سوريا مقابل الصمت في بيروت. رغم أن المؤشرات لا تشير إلى ذلك بنظرة سريعة نجد أن معظم فصائل المعارضة السورية المحسوبة على الرياض رفضت الخضوع لموسكو وحضور حوار سوتشي.
كيف لنا أن نتصور الموقف الروسي هل ستلعب موسكو بهذه الورقة لصالح إيران أم لصالح السعودية، وما انعكاسات الموقف الروسي على الملف السوري نعتقد أنه من البديهي أن موسكو ستستغل هذه الورقة للحصول على تنازلات إيرانية في سوريا، ليس لإيران فرصة للمناورة في هذا المأزق.
مازالت إيران منـــذ سنوات تبحـــث عن تأمـــين طريق لها مـــن طهران إلى بــــيروت. استقالة الحـــريري بهذا الخطاب " قطع الأيادي الإيرانية"، أحرقت كثيرا من أوراق طهران في بيروت، وبات على طهران تأمين بيروت أولاً قبل البحث عن طرق آمنة لها، بحركة كش ملك السعودية تقلب الطاولة على طهران في بيروت.
برغم كل الأخطاء التي ارتكبها سعد الحريري حبا أو كرها، بحق لبنان والثورة السورية وآخرها ارسال سفير إلى نظام الأسد، لكننا نرحب اليوم بالخطوة الحريرية، تجاه تصحيح المسار والابتعاد عن محور الشر الإيراني، نعتقد أن ما قام به الحريري عبر تقديم استقالته خطوة في الاتجاه الصحيح للخروج من تحت عباءة عون نصر الله المنضوين تحت عباءة خامنئي برغم خلافاتهما الايديولوجية العميقة يجمعهما بغضهما لأنتصار الثورة السورية، عون مدفوع بثقافته الفطرية الكارهة للجوار السوري وخوفه من انتصار"الاسلاميين" الذين سيبتلعون لبنان كما يتوهم، حزب الله المتخوف من انهيار المشروع الفارسي الإيراني.
في النهاية نعتقد أن اسباب الغضب السعودي على سعد الحريري كان لسببين أولهما فشله في كبح جماح حزب الله وتغوله في سوريا ولبنان. والأمر الثاني يعود للقاء الذي جمع الحريري مع مستشار المرشد الأعلى الإيراني، حيث أعلن ولايتي أن لبنان حقّق الانتصار على الإرهاب، وهو انتصار للمقاومة، يعني حزب الله، وأن بلاده ستواصل دعم لبنان.
وهذا من المحرمات التي لا تقبل بها السعودية وتشن حرباً على النفوذ الإيراني في المنطقة .
ونعتقد أن ما يفرق بين الحريري وتحالف عون نصر الله، أكثر بكثير مما يجمعهما.
كاتب وباحث سوري