الرئيسة \  واحة اللقاء  \  جنيف ثلاثة: الفصل الثالث… المشهد الثاني

جنيف ثلاثة: الفصل الثالث… المشهد الثاني

24.03.2016
ميسرة بكور


القدس العربي
الاربعاء 23/3/2016
بدأ في جنيف الجزء الثالث من المفاوضات بين ميليشيا الأسد والهيئة العليا للمفاوضات.
يأتي المشهد الثاني من الفصل الأول للمفاوضات بعد أن افشل نظام الأسد وحليفه الروسي المشهد الأول منه بتصعيدهما العسكري على مناطق الثوار السوريين بمختلف مسمياتهم وراياتهم.
ولا يتوقع من الأسد و ممثليه، في المشهد "الجنيفي" أن يبدلوا سلوكهم السياسي والعسكري العدائي تجاه الثوار السوريين و ممثليهم في المفاوضات.
قلم يزل وفد نظام دمشق التفاوضي على سيرته الأولى يبحث عن المهاترات الهامشية، محاولين عبثاً حرف المفاوضات عن مسارها الطبيعي "الانتقال السياسي".
الأمر الذي دفع السيد دي ميستورا. للطلب من هذا الوفد في ختام أسبوع من المحادثات أن يتحلوا بالجدية بقوله: "أنا أحث (الوفد الحكومي) على تقديم ورقة حول الانتقال السياسي، وسبق أن تلقيت ورقة جيدة وعميقة حول رؤية وفد الهيئة العليا للمفاوضات لهذه المسألة".
ولم يزل بشار الجعفري موفد الأسد إلى جنيف يتحدث عن الأمور الشكلية والإجرائية بهدف تمييع المفاوضات والمماطلة و إضاعة الوقت،يحذوه الأمل أن تصله ورقة قوة يمكنه من خلالها ان يستبد الطرف الآخر لتقديم تنازلات خاصةً بعد أن وجه حليفه الروسي صفعة له بإعلان انسحاب القوات الروسية الرئيسية من سوريا، رغم أن المتابع للمشهد العسكري على الأرض لم يلحظ أي تغيير حقيقي لوقف الغارات الروسية على المدنيين، لكن يظل لهذا الإعلان مدلولات سياسية ربما يفهمها الأسد أكثر من غيره.
في ظل تخبط وفد النظام في جنيف وتهربه من الاستحقاق الرئيسي الذي ينتظره الشعب السوري والمجتمع الدولي، ممثلو نظام دمشق بعد أن فشلوا في جر وفد الهيئة العليا للتفاوض لدخول في مُهَاترات جانبية تبعدهم عن الهدف، لم يترددوا في انتقاد دعوة الموفد الدولي الخاص إلى سوريا ستافان دي ميستورا الوفد الحكومي الجمعة إلى تقديم مقترحاته بشأن الانتقال السياسي الأسبوع المقبل، بالقول أنه "لا يحق له ممارسة الضغط على أحد وعليه أن ينقل الأفكار" بين طرفي المحادثات. وأضافوا: "دي ميستورا هو ميسر المحادثات ولا يمكن أن يكون طرفاً فيها". ولما فشلوا في هذا السلوك. نقلت وسائل اعلام عن بشار الجعفري : طلبنا من السيد ‏دي ميستورا تأجيل الجولة المقبلة للمباحثات وذلك لتزامنها مع الانتخابات البرلمانية في سوريا.
قد يكون من أغرب ما تم تداوله في تاريخ المفاوضات عبر العصور أن يطلب أحد الخصوم من خصمة الآخر أن يحلق لحيته كشرط للجلوس على طاولة التفاوض رغم أن هذا الشخص نفسه له نصف لحية؟
من شاهد المؤتمر الصحافي لوزير خارجية بشار الأسد وليد المعلم يدرك أن الأسد ليس في ذهنه حتى الحديث عن مفاوضات فضلاً عن عملية انتقال سياسي في سوريا.
هل بات الطريق واضح المعالم إلى جنيف، ليس من أجل التقاط الصور التذكارية والمؤتمرات الصحافية، بل من أجل عملية سياسية انتقالية في سوريا.؟
إذا كانت كل نتيجة تلزم بالضرورة عن مقدمات لها فإن مقدمات جنيف "3" برغم الزخم الدولي لها مقدمات جيدة، لكنها بناءً على تصرفات الأسد وحليفه الروسي لعدم احترام قرار مجلس الأمن بوقف الاعمال القتالية وإدخال المساعدات الإنسانية والافراج عن المعتقلين، واللعب على موضوع الفدرالية السورية. ستفضي هذه النتائج بالضرورة إلى فشل هذا المشهد من الفصل الأول لمفاوضات "جنيف3".
من خلال تتبع مسار الاحداث على الأرض، لا نجد أن نظام الأسد وحليفه الروسي يبديان أي اهتمام أو مسؤولية لجهة تنفيذ قرارات مجلس الأمن ومطالب الهيئة العليا للتفاوض، فلم يحترم النظام ولا الروس قرار وقف الاعمال القتالية، حيث كانت عشر دقائق كافية ليتم انتهاك القرار من قبل ميليشيا الأسد والطيران الروسي، ولم يسمح نظام الأسد بعملية ادخال مساعدات حقيقية، رغم أن ما يتم إدخاله من مواد على ندرتها مهم. لكن المواد تصل لنفس المناطق التي وصلت إليها في السابق، بينما لا تزال مناطق في ريف حمص الشمالي وجنوب حماة، لا يسمح ادخال أي مساعدات لها ولم يزل القصف مسترا عليها ولم يتوقف للحظة واحدة والهدف منه هو عزل مناطق ريف حمص الشمالي "الرستن، تلبيسة. الحولة" عن بعضها البعض وجعلها كانتونات مفصولة وقطع آخر امداداتها من جهة حماة.
لا يبدو أن نظام الأسد في صدد تغيير سلوكه السياسي والعسكري المتوحش ضد الشعب السوري، وأنه لم يزل مصر على إبادة الثوار السوريين أو استسلامهم، هذا ما تشير إليه بوضوح تصرفات النظام خلال الهدنة، التي وافق عليها بشرط، استثناء تنظيم الدولة والنصرة، والتنظيمات "الأخرى" التابعة لهم.
وخير دليل على ذلك قيام طائرات سلاح الجو التابعة لنظام الأسد بإلقاء منشورات على المناطق الثائرة على حكمة دعاهم فيها إلى تسليم سلاحهم وتسوية أوضاعهم وأنه مستعد للعفو عنهم، وإلا فالموت سيكون مصيرهم.
ويمكننا الإشارة إلى إعلان بشار الأسد عن أن انتخابات مجلس شعب ستجري في 13 نيسان/أبريل المقبل.الأمر الذي وصفه مراقبون بالمضحك كما أنه يشكل التفافاً على ما جاء في قرار مجلس الامن رقم"2254" الذي تحدث عن اجراء انتخابات ذات مصداقية وبمراقبة الأمم المتحدة نهاية العملية انتقالية.
لكن الروس كما جرت العادة غردوا خارج السرب ولم يجدوا في هذا الإعلان من ضير.
أما في الحديث عن السلوك السياسي الروسي، فمازالت موسكو مستمرة بخرق قرار مجلس الأمن تحت عنوان مكافحة المنظمات الإرهابية، لكننا نستطيع قراءة أمور بين طيات التصريحات والواقع الروسي في سوريا.
نستطيع الذهاب بعيداً بالقول أن روسيا وصلت لعنق الزجاجة في سوريا، وأنها استنفدت كل أوراقها السياسية والعسكرية والتكتيكية مثل ورقة الأكراد، وورقة الضغط على الاتحاد الأوربي من خلال اللاجئين.
نلاحظ إصرار روسيا على ضرورة حضور معارضين يحسبون عليها في صفوف الوفد المفاوض كذلك حشر ممثلي ميليشيا حماية الشعب الكردي كطرف معارض أثناء التفاوض. وذلك بالقول أن عدم حضور ممثلي الكرد يؤثر على وحدة الأراضي السورية، كما قالت يتوجب على المعارضة السورية "المتشددة" التخلي عن مطلب التنحي الفوري الأسد.
ونستطيع ادراج الطرح الروسي الأخير حول سوريا فدرالية، تحت عنوان الإفلاس السياسي، بهدف الضغط على تركيا فأغضبت حليفها الإيراني وجعلته يتقارب من خصمها التركي ويتوافقان على رفض الطرح الروسي، ما شكل خيبة أمل للروس.
كما يبدو أن بوتين خسر امتحان صبر حلف الناتو، بعد اعلان الأخير عن زيادة قواته في المناطق القريبة من روسيا مما يضيق عليها الخناق. في المقابل لا يبدو أن الهيئة العليا للمفاوضات قد رضخت للدب الروسي حيث رفضت رفضاً قاطعاً الطرح الروسي حول سوريا "فدرالية" بل على العكس من ذلك رفع سقف مطالبهم في جنيف بطلب رحيل الأسد مع بداية العملية الانتقالية، ووصفه بأنه مجرم ويجب أن يحاكم على جرائمه.
وهنا نطرح تساؤل ما الذي دفع الهيئة التفاوضية إلى رفع سقفها التفاوضي، هل قرأت جيّداً المأزق الروسي. أم أن عودة المظاهرات السلمية المطالبة بإسقاط الأسد أعطاها زخماً وثقة بالنفس وحاضنه شعبيه لها.