الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حرب باردة بين إسرائيل وحزب الله وواشنطن وإيران

حرب باردة بين إسرائيل وحزب الله وواشنطن وإيران

08.11.2017
د. حسين مجدوبي


القدس العربي
الثلاثاء 7/11/2017
يتحدث، منذ سنوات، الكثير من مراكز التفكير الاستراتيجي في العالم ومنها الغربي والعربي عن الحرب بين حزب الله وإسرائيل من جهة، وإيران والولايات المتحدة من جهة أخرى، لكن هذه الحرب لم تقع، وكل المؤشرات تدل على عدم وقوعها، رغم الاضطرابات النارية التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط.
وعمليا، بعد نهاية حرب صيف 2006 بين إسرائيل وحزب الله، بدأت الدراسات الاستراتيجية تتناسل عند كل حدث، وعند كل ذكرى سنوية للحرب عن وقوع الحرب المقبلة، ومرت 11 سنة ولم تقع المواجهة. وهذا معطى لافت للنظر، لأنه قبل هذا التاريخ كانت إسرائيل تشن كل ثلاث أو أربع سنوات هجمات قاتلة ضد لبنان، ولم تعد تفعل منذ 2006. في الوقت ذاته، كانت طبول الحرب تدق، ولكن في المنابر الإعلامية، عند كل اختلاف أمريكي – إيراني حول الملف النووي الإيراني، وتمر الشهور والسنوات ولم تقع الحرب، ومن المستبعد جدا وقوعها مستقبلا، علما أنه في الماضي وقعت اصطدامات في مياه الخليج العربي، ولم تتطور إلى مواجهات عسكرية بسبب سعي الطرفين لتفادي ذلك.
صاحب هذا المقال كان من الذين يستبعدون وقوع حرب جديدة سواء بين حزب الله وإسرائيل أو بين إيران والولايات المتحدة. وعلى صفحات "القدس العربي" نشرنا مقالا بتاريخ 3 أغسطس 2006 بعنوان "توازن الرعب بين سلاح الجو الإسرائيلي وصواريخ حزب الله وبروز جيل لن يؤمن بالسلام مستقبلا مع إسرائيل". وآخر مقال حول استبعاد الحرب ضد إيران كان يوم 28 فبراير 2017، وفي كلا المقالين قدمنا العوامل العسكرية أكثر منها سياسية التي تستبعد، إن لم تؤكد عدم وقوع الحرب. وعموما، استبعاد وقوع الحرب يعود الى ثلاثة عوامل رئيسية وهي:
*في المقام الأول، علاقة بحزب الله وإسرائيل، والأخيرة تعتبر قوة عسكرية هائلة ومرعبة، استطاعت حسم معظم الحروب التي خاضتها، باستثناء حرب 2006، والسر في هذا هو نجاح حزب الله، حسب مقالنا 2006، في تحقيق توازن مع سلاح الجو الإسرائيلي، من خلال اعتماد استراتيجية الصواريخ. لقد كانت إسرائيل تعتقد قبل حرب 2006 أن حزب الله يتوفر فقط على صواريخ كاتيوشا محدودة المفعول، ولكنها تفاجأت بصواريخ ذات تقنية عالية، حيث خلق توازنا مع سلاح الجو الإسرائيلي، والآن كيف سيكون الوضع وحزب الله يوجد وسط سوريا رفقة إيران. إن صواريخ حزب الله تغطي كل إسرائيل، وإذا كانت هذه الصواريخ سنة 2006 قد جعلت 25% من ساكنة إسرائيل تختبئ في الملاجئ، فكيف سيكون عليه الحال بصواريخ أكثر تطورا عشر مرات في قوة التدمير والمسافة الجغرافية لضرب الأهداف. نعم، إسرائيل قوة مرعبة، قادرة على محو حزب الله من الوجود، ولكن ستبقى معطوبة جسديا الى الأبد، مثل ذلك الجندي الذي يعود من حرب فاز فيها وقد فقد أطرافه، ولم ينفعه الانتصار في العيش. وطالما تستمر إسرائيل متأكدة من عدم شن حزب الله الحرب عليها، فلن تقترب منه. إن أكبر تطور عسكري يعيشه الشرق الأوسط هو الرهان على سلاح الصواريخ، حيث سيؤثر على تطور الأحداث في هذا الاتجاه أو الآخر، ومن يمتلك صناعة الصواريخ سيكون قد أّمّن أمنه القومي.
*في المقام الثاني، تعتبر إسرائيل الأكثر استفادة من الوضع العربي الحالي المتسم بالتشرذم والفوضى، بعدما تحولت الدول العربية الملكية منها والجمهورية الى أشبه بملوك الطوائف في إسبانيا إبان القرون الوسطى، حيث كانت كل إمارة مسلمة تستنجد بحاكم مسيحي، وها نحن نرى كل دولة عربية تسعى الى كسب ود دولة عظمى للدفاع عنها، في مواجهة العدو، الذي هو دولة عربية أخرى. وإذا دخلت إسرائيل في حرب ضد حزب الله، ورغم أنه شيعي، قد تغير من خريطة التفكير للشعوب العربية وتجعل الأنظمة العربية مجددا تلتزم الحذر في تعاملها السلبي الحالي مع هذا الحزب، الذي يعتبر دولة داخل دولة في لبنان، بل لا يمكن استبعاد فرضية تسبب إسرائيل في موجة جديدة من الربيع العربي، إذا هاجمت لبنان في حرب مفتوحة. نعم ستغري إسرائيل بعض الدول العربية بجبهة مشتركة ضد إيران، وبدأت العربية السعودية والإمارات تقعان في الفخ، وستكسب إسرائيل التقارب، وربما الاعتراف ولن تطلق رصاصة واحدة للدفاع عن أمراء السعودية والإمارات.
*في المقام الثالث، وعلاقة بالولايات المتحدة، تعتبر الولايات المتحدة أكبر دولة عسكرية في تاريخ البشرية، وهذا العنوان يكفي لتخويف الأعداء والمنافسين، لكن في حالة إيران، كل مواجهة حربية ستجعل البنتاغون قادرا على تدمير إيران ولكن في المقابل قد يفقد أكثر من 15% من قواته، لأن القوة العسكرية الإيرانية لا يمكن الاستهانة بها، ولن يغامر في حرب خطيرة مثل هذه، في وقت تتقدم فيه روسيا والصين لمزاحمة واشنطن على قيادة العالم، بل تهميشها. ولا ننسى أن الولايات المتحدة لا تدخل في حرب قد تفقد فيها أسلحة استراتيجية مثل القاذفات العملاقة وحاملات الطائرات.
*في المقام الرابع، يتأثر بعض الصحافيين والمحللين بما في ذلك مراكز التفكير الاستراتيجي بالأخبار الآنية المحدودة التأثير، وعند كل تدوينة لترامب ضد إيران يعتقدون أن الصواريخ ستصب مثل المطر على طهران لإنهاء حكم آيات الله والمشروع النووي الإيراني. العقيدة العسكرية الأمريكية الحالية صادقت عليها القيادة العسكرية منذ أكثر من عقد وهي: لا يمكن شن حرب ضد دولة لم تهاجم الولايات المتحدة، ولن تخوض الولايات المتحدة حربا بالنيابة عن أي دولة"، لكن هذا لا يمنع من وقوع تدخلات عسكرية محدودة. لقد حاول الرئيس جورج بوش الابن سنة 2006 و2007 شن حرب ضد إيران، لكن قادة الجيش والاستخبارات حالوا دون ذلك، عندما قدموا له تقارير تستبعد صنع طهران للقنبلة النووية، ثم الخسائر التي قد تتعرض لها الولايات المتحدة، وهذا ما دعا أحد صقور اليمين المحافظ الجديد جون بولتون إلى القول "لقد نفذت الاستخبارات انقلابا على جورج بوش".
إن حرب الولايات المتحدة ضد إيران وحرب إسرائيل ضد حزب الله مستبعدة، لكن الحرب المباشرة تجري في منابر الإعلام وتحاليل مراكز التفكير الاستراتيجي، بينما في الواقع لن تتعدى حربا باردة قد تمتد طويلا، لأن الشرق الأوسط منطقة نزاع تاريخي بدون فترات استراحة طويلة، لكن خلال السنوات الأخيرة المتطاحنون هم العرب والمسلمون في ما بينهم.
كاتب مغربي من أسرة "القدس العربي"