الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حسابات الربح والخسارة بعد معركة عفرين

حسابات الربح والخسارة بعد معركة عفرين

25.03.2018
وائل عصام


القدس العربي
السبت 24/3/2018
بعد سيطرة تركيا على عفرين أعلن الساسة الأتراك أن عملياتهم العسكرية انتهت ولن يتقدموا بالتالي إلى مدينة تل رفعت العربية المحتلة من القوات الكردية، مما شكل خيبة أمل لدى قسم كبير من أبناء الفصائل المعارضة في تلك المنطقة، الذين كانوا يأملون باستعادة مدينتهم العربية بدعم تركي، كما في عفرين.
ما حصل في تل رفعت يعيد التذكير بأزمة المعارضة السورية وارتهان فصائلها لغير أولوياتها، وينطبق الأمر ذاته على عفرين، فعند بدء العمليات العسكرية للسيطرة على عفرين كان واضحا ومعلنا، ومن خلال قراءة توازنات القوى في سوريا وعلاقات أطراف النزاع، بأن هذه العملية تتم وفق منظور استراتيجي يصب في مصلحة طرفين، وهما تركيا، التي ستتخلص من خصومها الأكراد على حدودها، والطرف الثاني هو النظام وحلفاؤه روسيا وإيران، الذين يريدون الاستفادة من أي قوة عسكرية تحقق لهم تحطيم مشروع الحكم الذاتي الكردي المهدد للهيمنة الإقليمية لحلفهم في شمالي العراق وسوريا، بتحالفات الأكراد الغربية، والمستقوية بحليف أمريكي ينازع النفوذ الروسي كقوة دولية في سوريا. أما الطرف الثالث، المعارضة السورية فهي لم تحقق أيا من أهدافها ولم تتمكن من تحرير مناطقها العربية السنية المحتلة من القوى الكردية أو النظام.
واستنادا لحقيقة أن الروس هم من أعطى الضوء الأخضر بعملية عفرين، وحقيقة أن استراتيجية الروس الفعلية في سوريا، ترتكز على إعادة الأراضي السورية لسيطرة النظام، فقد توقعنا حينها أن تركيا قد لا تصل إلى السيطرة على عفرين، قبل أن تؤول للنظام، على اعتبار أن الأكراد سيفضلون دخول قوات دمشق، وهو ما يتفق أيضا مع رغبة الطرف الإيراني ذي النفوذ الكبير، بأن لا يتمدد الحضور التركي في سوريا والعراق، ليتجاوز الحد الموافق للمصالح المتطابقة بين انقرة وطهران ودمشق، وهو تهشيم الطموح الكردي شمالي سوريا والعراق، ولكن بسيطرة تركيا على عفرين، تبين أن استبعاد سيطرة تركيا على عفرين، كان تقييما خاطئا على المستوى التكتيكي. لكن على المستوى الاستراتيجي فإنه لا يزال صحيحا بتقديري، اذ أن التوازنات السياسية والحسابات ترجح أن الأتراك سينسحبون من عفرين لتعود إلى سيطرة النظام بعد الانتهاء من معارك الغوطة الشرقية وادلب، وسيتم هذا بتنسيق مع روسيا. وهكذا فإن قائمة المستفيدين من عملية عفرين، لن تضم لا حاليا ولا لاحقا، بأي حال من الأحوال فصائل الثورة السورية، بل إنهم الطرف الوحيد الذي يخسر كل معاركه في الغوطة الشرقية وادلب، على التوالي، دون أن يكون لداعميه أي قدرة على وقف نزفه المتواصل، بل إن كل اتفاقيات خفض التصعيد ونقاط المراقبة، لم تحقق أي مردود إيجابي، ورغم ذلك تجد أن الفصائل المعارضة المحاصرة اليوم في حرستا والغوطة، والتي أبعدت من حلب، تشارك بمعارك لا ناقة لها فيها ولا جمل، وفق منظور مصلحتها الصلبة  في الصراع السوري ضد نظام الأسد.
إن الدول الراعية للتسوية في سوريا، إيران ورسيا وتركيا، متفقة صراحة وعلنا، أقوالا وأفعالا على إعادة تأهيل النظام ودعمه في استعادة كل أراضيه، وإنْ كانت تركيا الوحيدة من بين هذه الدول التي لا تشترك بجهد حربي لدعم النظام، ولا بجهد حربي ضده، إلا أنها صرحت على لسان كبار مسؤوليها أكثر من مرة، أنها ترحب باستعادة قوات النظام للسيطرة على كل أراضيه. وبالأخذ بهذا الموقف الرمادي من النظام مع موقف انقرة الرافض تماما للسيطرة الكردية على حدودها الجنوبية، فإن المحصلة كما يبدو ستنتهي لتغليب الإرادة الروسية والإيرانية وعدم الممانعة التركية، في عودة النظام للمناطق التي سيطرت عليها تركيا شمال سوريا، منطقتي درع الفرات وعفرين. ولا يبدو أن شيئا يمنع تحقيق ذلك، سوى الانشغال العسكري واللوجستي للدول الراعية للنظام في معركتي الغوطة وادلب.
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"