الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حول "المهمة الإنسانية" لروسيا في حلب

حول "المهمة الإنسانية" لروسيا في حلب

04.08.2016
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
الاربعاء 3/8/2016
في تعليقها على سقوط مروحيّة لها في بلدة في محافظة إدلب السورية قالت وزارة الدفاع الروسية إن طائرتها العسكرية كانت "تشارك في العملية الإنسانية الجارية في مدينة حلب السورية".
إضافة إلى الطابع "الإنساني" لعمل المروحيّة أضاف الناطق باسم رئاسة الجمهورية الروسية ديمتري بيسكوف طابعاً بطوليّاً على الضابطين والجنود الثلاثة الذين لقوا مصرعهم إثر سقوط الطائرة بقوله إن "الذين كانوا على متن المروحية قتلوا كأبطال لأنهم كانوا يحاولون تغيير وجهة المروحية لتقليل عدد الضحايا على الأرض"!
استكمالاً للمهمة الإنسانية والعمل البطولي الذي أدّاه طاقم الطائرة الروسية هاجمت مروحيّة أخرى البلدة التي أسقطت فيها سابقتها بعد ساعات من الحادث وألقت براميل متوسطة الحجم تحوي عبوات من الغاز السام وكانت النتيجة تعرض ثلاثة وثلاثين شخصاً من سكان سراقب معظمهم من النساء والأطفال لحالات اختناق.
يمثل حدث إسقاط المروحيّة والأفعال والتصريحات التي تبعته نموذجاً تقليدياً للسياسة الروسية التي تعتمد، من جهة، القوّة الباطشة بأسوأ صورها، والدعاية الحربية (البروباغاندا) الفاقدة لأي مصداقية، من جهة أخرى.
تعود هذه المدرسة إلى الفترة السوفييتية التي كانت تجد أتباعاً لها ضمن نخب العالم اليسارية التي كانت تبرّر الجرائم الشنيعة التي تعرّض لها الروس أنفسهم وكذلك الشعوب الواقعة تحت مظلة حكم موسكو خلال فترات التطهير والتهجير القسري للشعوب والاضطهاد الديني والاثني وحملات التصنيع والمزارع الفلاحية الإجبارية.
وكان الاحتلال السوفييتي لأفغانستان وبعدها الحرب الروسية التي شنّت لإخضاع جمهورية الشيشان وانتهت بمسح عاصمتها غروزني وتعيين حاكم محلّي ينفّذ الأجندة الروسية ضد شعبه أقرب الأحداث التاريخية إلى ذاكرتنا والتي تقدّم الوحشية العسكرية وتبريرها السياسي "الإنسانيّ" و"البطولي" جنباً إلى جنب.
لقد كانت مأساة حلب الحاليّة أحد أشكال ممارسة الأسلوب الروسيّ المشهور باستهانته بحياة البشر وحقوقهم بالترافق مع "البروباغندا" التي تستهين بالعقل والمنطق، فالتحالف الروسيّ مع النظام السوري والميليشيات اللبنانية والعراقية الشيعية تعاون على حرق المشافي واستهداف الأسواق والمخابز والمدارس وخطف المدنيين وقتلهم أو سجنهم ثم ترك أعداد منهم كدليل على وجود "الممرات الآمنة" المزعومة.
لقد كان السيناريو السياسي الروسي الكامن خلف هذه الممارسات يستثمر التواطؤ الأمريكي ضد ثورة الشعب السوري والانشغال التركيّ بلملمة شؤون الجمهورية بعد محاولة الانقلاب الفاشلة للضغط على المعارضة السورية بحيث تقبل بالعودة للمفاوضات تحت بند إبقاء النظام الحالي ورئيسه بشار الأسد.
المفاجأة التي حصلت، والتي يعدّ إسقاط المروحيّة تفصيلاً صغيراً فيها، أن المعارضة السورية فتحت جبهتي ريفي حلب وحماه الجنوبيين وسيطرت خلال يومين على مناطق واسعة مستهدفة فكّ الحصار عن حلب.
لكن المفاجأة الأكبر كانت ابتكار وسائل جديدة لتحييد الطيران الروسي والسوري وكان المنفذون هم أطفال مدينة حلب الذين قاموا بحرق إطارات السيارات لخلق غطاء أسود يمنع المروحيات والطائرات من تدقيق أهدافها العسكرية، وهو ما أعاد من جديد شرارة العلاقة الحميمة بين المسلحين والحاضنة الشعبية، والتي افتقدتها الثورة السورية مع تزايد العسكرة والتطرّف والإحباط من التخاذل العربيّ والعالمي.
لقد أدخل استخدام الجمهور لـ"سلاح" الإطارات حماساً وتعليقات ربطت بين استخدام النظام لها في التعذيب، والأكراد في عيد النيروز، وأطفال حلب في التشويش على الطيران الروسي والنظاميّ، فاستعادت الثورة جزءاً من ألقها المفقود وتصاعد الأمل لدى السوريين بأن النفق ليس مغلقاً على آخره وأن ضوءاً ينتظر أطفالهم في المستقبل.