الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حول مأزق التوافق على الحل السياسي في سوريا

حول مأزق التوافق على الحل السياسي في سوريا

14.01.2016
العربي بجيجة



القدس العربي
الاربعاء 13/1/2016
بعدما اقتنع أطراف الصراع في الدولة السورية بعدم جدوائية الحل العسكري في إنهاء فتيله الدائر على أرض الشام منذ سنة 2011، فتح المجال مجددا أمام الحل السياسي لعله يشكل المخرج النهائي لهذه الأزمة، التي دخلت نصف عقدها الأول من دون أن تميل كفة الانتصار لصالح أحد أطرافها، مخلفة تركة ثقيلة من معاناة الشعب السوري وضياع مستقبل الدولة وإنهيار أمنها العام، بعدما أصبحت الأرض السورية قبلة لاستقبال المقاتلين المعارضين للنظام، وميدانا خصبا لتفريخ الجماعات المسلحة وتكاثرها، سواء عبر الدعم أو التوجيه.
أمام صعوبة الحسم العسكري لهذا النزاع، فرض على الأطراف المتنازعة الشرعية نظاما ومعارضة إعادة النظر في حساباتهم التكتيكية منها والاستراتيجية، اقتنعت معه باقي الأطراف بمعية المتدخلين والفاعلين الدوليين، بأن الحل السياسي هو المخرج الأساسي الذي من شأنه أن يضمن السلم والأمن للمنطقة، ويقدم مخرجات حقيقية تنهي شبح الفوضى وانعدام الاستقرار، وتفرض في المقابل التعايش السلمي بين أبناء الوطن والشعب الواحد.
يجد الحل السياسي أساسه من خلال تضافر مجهودات العديد من القوى الفاعلة في الأزمة السورية، والمتدخلة أيضا في نسج قرارات وتوجهات أطرافها سواء الداعمة للنظام أو تلك الداعمة للمعارضة، أمام غياب أفق في الحل العسكري الذي اختير عن وعي خلال سنة 2012 كوسيلة للإطاحة بنظام بشار الأسد، غير أن العكس ما قد حصل (قويت شوكته بدخول روسيا على الخط الميداني عسكريا والسياسي دبلوماسيا)، كما يجد الحل السياسي أساسه في البحث عن مخرجات توافقية بين الأطراف المتحاربة أو المتصارعة على حد سواء، تضمن لكل طرف حقه في المشاركة السياسية وفي تدبير أمور الدولة من الموقع الذي يقرره الشعب السوري عبر أرقى وسيلة للتعبير الديمقراطي عن الإرداة الشعبية الديمقراطية المتعارف عليها دوليا (الانتخابات).
وإن كان من السابق لأوانه التوقف عند أهم الإشكالات التي قد تعيق تنزيل الحل السياسي، غير أن هناك مجموعة من المؤشرات تشكل قواعد أساسية من شأنها تسهيل المهمة أو إعاقة تفعيلها. يمكن حصرها في عاملين أساسيين أحدهما داعم للاستقرار وآخر معيق له:
فالبنسبة للعوامل الداعمة للاستقرار، فتجد أساسها في وجود إرادة حقيقية لدى القوى الدولية الفاعلة الداعمة لكل الأطراف من معارضة ونظام على حد سواء، قصد إيجاد حل حقيقي يضمن تعايش أبناء الشعب السوري داخل الوطن الواحد، بالإضافة إلى قبول الأطراف الجلوس على طاولة الحوار لأجل التفاوض على مرتكزات العملية السياسية، وطرق الدخول في تدبير مرحلة الانتقال السياسي المزمع الانخراط في تبنيها بداية حزيران/يونيو المقبل، إذا ما تم الالتزام بالبرنامج المحدد لهذه العملية.
أما بالنسبة للأمور التي من شأنها أن تثير إشكاليات كبيرة في هذا الشأن، فترتبط أولا بالهيئة الممثلة للمعارضة وقدرتها على إدارة مرحلة المفاوضات بالشكل المطلوب من جهة، وكذا قدرتها على الحفاظ على وحدتها بعيدا عن التجاذبات السياسية والايديولوجية والعقائدية التي تحكمها، ينضاف إلى ذلك التخوف من إفراز تركيبة سياسية هجينة تخضع للوصاية الخارجية بعيدا عن حسابات المصلحة الوطنية الداخلية، من شأنها المساهمة في التدخل في الشؤون الداخلية للدولة السورية، وفرض الوصاية عليها مستقبلا.
وإن كان الواقع الإقليمي والجهوي والدولي على حد سواء، يفرض الاعتراف بكون المشهد السياسي السوري على غرار نظرائه المشمولين بالتأثيرات السلبية لأحداث الخريف/الربيع العربي، يتواجد في حالة هشاشة تتطلب المرور من مرحلة انتقالية صعبة، تأهله لبلوغ المستوى الذي يمكنه من خلق تسوية حقيقية ومستدامة بين أطراف الأزمة في سوريا بشقيها النظام ومعارضيه، تضع حدا لمسلسل الصراع الدائر على أرض الشام، الذي من شأنه التأثير بشكل مباشر على الأزمة اليمنية، خصوصا إذا كان المعيار المتخذ في توجيه هذه "الحروب" أو "الصراعات الداخلية" يتخذ بعدا عقائديا أكثر منه اعتمادا على الايديولوجية السياسية سواء على مستوى إشعال فتيلها أو إخماده.
وتبقى مدخلات التسوية السياسية للأزمة السورية الفيصل الأساس في إنهاء العديد من الصراعات في الدول المجاورة، بحيث من شأنها أن تكون لها إسقاطات أفقية وعمودية على مختلف القضايا الشائكة في منطقة الشرق الأوسط سواء من تلك القديمة (القضية الفلسطينية/العراق) أو المستحدثة (اليمن)، بمختلف أصنافها سواء منها الصراعات الأمنية أو السياسية أو العسكرية أو الاقتصادية. لأجل ذلك، فإن البحث الجدي عن حل حقيقي ومستدام للأزمة السورية، وله مصداقية لدى كافة الأطراف، يمثل صمام أمان لمختلف القضايا التي تعرفها المنطقة الشرق أوسطية، تحقن بها دماء الشعوب وتصان بها كرامتهم. خصوصا أن نجاح العملية السياسية يخضع في معظم أبعاده إلى ضرورة الحفاظ على وحدة الصف والهدف بين الأطراف المكونة للمعارضة خلال مرحلة التفاوض مع وفد النظام، بعيدا عن الحسابات السياسية والتوجهات العقائدية التي تحكمها، إضافة إلى ضرورة انخراط النظام بشكل جدي في التوصل إلى حل سياسي يضمن التعايش السلمي في سوريا يماثل مرحلة ما قبل 2011، مع السعي لإحداث تغيير شامل في منظومة الحقوق والحريات، من خلال التركيز بشكل كبير على الشق السياسي منها.
ولو أن الزمن السياسي للعملية السياسية الداعم لحصول توافق للوصول إلى حل مقرون بتسوية نهائية لهذا الملف، قد توفرت أرضيته الخصبة لاشتغال الأطراف بشكل جدي وواقعي، لأجل التقدم في مسار المفاوضات الممهدة لإيجاد صيغ من شأنها الحد من مظاهر فتيل الصراع، ومن ثم التأسيس لترتيب ـ أولويات من شأنها إنهائه، مصحوبة بتصور شامل ممهد لخلق مناخ مصالحة وطنية شاملة مع كافة الأطراف بشقيها الداخلي والخارجي.
٭ كاتب من المغرب