الرئيسة \  واحة اللقاء  \  خطط جديدة لتقسيم المنطقة

خطط جديدة لتقسيم المنطقة

01.03.2018
أ. د. جاسم يونس الحريري


القدس العربي
الاربعاء 28/2/2018
نقل عن وزير الدفاع الصهيوني موشي ديان مقولة أطلقها قبل حرب عام 1967 مفادها أن "العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يصدقون، وإذا صدقوا لا يفعلون شيئا". وتذكرت تلك المقولة أثناء اطلاعي على مقال خطير ومثير لـ جيم جونسون، رئيس مجموعة الدراسات الأمنية في القوات الخاصة الأمريكية بعنوان "لإحلال السلام في سوريا والعراق اسمحوا لهم بالتفكك" نشرته شبكة فوكس نيوز الأمريكية مؤخرا. يطرح جونسون في المقال خطة جديدة لتقسيم المنطقة، وعليه نحن نقرأ ما يصدر من غيرنا سواء الأعداء أو الخصوم، وحتى الأصدقاء على خلاف مقولة ديان السابقة. ونريد أن نحلل أبعاد هذا المخطط الجديد وانعكاساته على الأمن القومي العربي في حدود المستقبل المنظور على أقل تقدير.
في البدء لابد من القول إن المتربصين بالوطن العربي عموما وبالعراق خصوصا لم يتوقفوا يوما واحدا عن طرح سيناريوهات لتقسيم المقسم وتجزئة المجزأ بعد اتفاقية سايكس بيكو 1916 سيئة الصيت وهم ماضون في استهداف الجسد والكيان العربي، بالرغم من الأزمات التي مرت به، وخسر فيها العرب خسائر مادية وبشرية جسيمة جراء تنفيذ مخططاتهم. ولنأخذ، على سبيل المثال، مخطط خلق وزرع تنظيم "الدولة" (داعش) الإرهابي في سوريا والعراق حيث إنه بمجرد إعلان انتصار العراق على ذلك التنظيم الإجرامي في تموز/يوليو2017 يطرح علينا جونسون ملفا جديدا يستهدف وحدة العراق شعبا وأرضا، وكأن الدماء الزكية التي سالت على أرضه الطاهرة للدفاع عن الوطن والمقدسات بسبب مطاردة فلول "داعش" في العراق وإبعادها عن الأراضي العراقية ليس لها قيمة بنظر الأمريكان وغيرهم.
المهم بنظرهم خلق حروب داخلية جديدة يعتقد الأمريكان أنها يمكن أن تفتت الجسد الجغرافي العراقي إلى كانتونات عرقية وطائفية لإبقائه منهكا، خاويا، إزاء المخططات الصهيونية للسيطرة والهيمنة على المنطقة العربية لتبرير وجودها الهجين فيه.
ولم يخش جونسون من التأكيد أن هذا المخطط هو بديل مخطط سابق تم فيه خلق، وزرع تنظيم "داعش" التكفيري في العراق وسوريا لجلب المتطرفين والمرتزقة إلى داخل تلك الدولتين، ومن ثم القضاء على الوحدة الوطنية فيهما.
يقول: "نقترح الاستقلالية وتقرير المصير في نهاية المطاف للمناطق السنية في العراق وسوريا والحكومة الإقليمية الكردية في العراق بعد هزيمة داعش وإزالة نظام الأسد في سوريا". وتدعو الخطة إلى "حماية دولية لمدة 10 أعوام في الأجزاء السنية من العراق وسوريا التي تسيطر عليها قوات من دول كثيرة بما فيها الولايات المتحدة لفصل الفصائل المتحاربة وإنهاء القتال".
ويقترح جونسون ثلاثة خيارات لكل كانتون عرقي أو طائفي أو كما يسميها "محمية" سيظهر جراء التقسيم والتفتيت بعد نهاية 10 سنوات وهي كما يأتي:
1- تحويل غرب العراق وشرق سوريا إلى مناطق مستقلة داخل الدول القائمة.
2 – حويل المحمية إلى جمهورية مستقلة ليست جزءا من العراق ولا سوريا.
3 – تحويل المحمية إلى جمهوريتين مستقلتين واحدة في الأراضي التي هي الآن جزء من العراق، والآخر في الأراضي التي هي جزء من سوريا.
وبعد هذا الاستعراض الموجز لخطة جونسون لتقسيم وتفتيت العراق وسوريا علينا أن ندرك أن المخططات الأمريكية والإسرائيلية ليست وليدة اليوم بل تمتد جذورها التاريخية إلى عقد الأربعينيات من القرن المنصرم منها مخطط بن غوريون لتفتيت الدول العربية، ومخطط بن غوريون لتفتيت لبنان، ومخطط عوديد ينون لتفتيت الوطن العربي في ثمانينيات ذلك القرن، ومخطط يحزقيل درور لتفتيت الدول العربية. ومخطط برنارد لويس لتفتيت المنطقة العربية ، والمخطط الذي طرحه البنتاغون من خلال مجلته الخاصة المعروفة باسم "المشروع البحثي للمخابرات التنفيذية"، حيث توصل المخطط إلى "أن الفوضى ستعم العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وإنهاء الحرب الباردة".
ونتيجة لذلك فإن مخططات التقسيم والتجزئة التي تصورها لويس "ستشمل كل منطقة الشرق الأوسط ماعدا إسرائيل التي ستتوسع في الأردن في الشرق إلى البحر المتوسط في الغرب، وسيتم تفتيت سوريا إلى دويلة شيعية علوية على طول الساحل، ودويلة سنية في منطقة حلب، وأخرى سنية في دمشق، ودولة رابعة سيقيمها الدروز على أرضنا في هضبة الجولان، وربما تمتد إلى حوران وشمال الأردن".
أما بصدد تقسيم وتفتيت العراق فقد ظهرت بعد الغزو والاحتلال الأمريكي في التاسع من نيسان/أبريل 2003 العديد من المخططات منها المخطط الصهيوني لإيهود أولمرت عام2006 لتقسيم العراق طائفيا، ومخطط آفي ديخيتر وزير الأمن الصهيوني في الثامن عشر من آذار/ مارس2013 لتفتيت العراق خلال محاضرة القاها في أحد مراكز الأبحاث الاستراتيجية الصهيونية، وغيرها من المخططات الأمريكية والصهيونية.
والآن نطرح التساؤل التالي: ما العمل؟ والإجابة على ذلك تتمحور في تأسيس سبل مواجهة لتلك المخططات من خلال تعميق الحس الوطني الذي هو جزء من المشاعر الجماعية بين أفراد الشعب العراقي بجميع قومياته وأعراقه وطوائفه لإضعاف أثر تلك المخططات وتداعياتها على أمن وسلامة العراق والمنطقة العربية.
ضرورة إقامة ندوات وحلقات دراسية لتحليل أبعاد وأهداف تلك المخططات وأثرها على الأمن العربي ثم إدامة سبل التواصل والمشورة على المستوى الرسمي والأمني والشعبي من أجل الوصول إلى صيغ مواجهة رسمية وشعبية مشتركة، وهي فرصة غير مباشرة لقيام "تحالف عربي" تجاه تلك المخططات عبر تفاعل الإمكانيات والطاقات العربية وليس تشتيتها في حروب عربية – عربية، وعربية – إقليمية.
 
بروفيسور في العلوم السياسية والعلاقات الدولية – العراق