الرئيسة \  واحة اللقاء  \  داريا والمعضمية… وطوق دمشق الريفي الذي أقلق النظام

داريا والمعضمية… وطوق دمشق الريفي الذي أقلق النظام

04.09.2016
وائل عصام


القدس العربي
السبت 3/9/2016
تخلص النظام من عقبة كأداء في طريق سعيه لتأمين محيط العاصمة دمشق، ذلك المحيط الريفي الذي يشكل طوقا ريفيا سنيا احتضن بقوة الحراك السلمي الثوري، ومن ثم مجموعات التمرد المسلح المناوئة للنظام في مركز سلطته دمشق.
ورغم الكثافة السكانية الهائلة التي تتمتع بها بلدات ومناطق الريف الدمشقي، وغزارة الكتل البنائية التي تمنحها تفوقا في مقاومة واحتضان أعداد الفصائل والمقاتلين الكبيرة التي تمركزت كطوق حول العاصمة، إلا أنها لم تنجح في تنفيذ أي خرق عسكري مؤثر على مراكز السيادة الرمزية في العاصمة دمشق طوال السنوات الماضية، لأسباب باتت معروفة تتعلق بضعف أداء المجاميع المسلحة وسوء تنظيمها ونزاعاتها الدموية فيما بينها..
ولعل هذا الطوق الشامي الريفي حول العاصمة شكل قلقا بالغا طوال سنوات التمرد المسلح، ما دعا النظام في بعض الحالات لاستخدام السلاح الكيماوي في اكثر من منطقة، منها المعضمية وداريا، لكن السلاح الاهم بيد النظام كان التجويع، وصولا للتهجير، فلا يمكن لنظام اقلوي يتمركز في عاصمة، تم تحويلها لما يشبه المربع الامني، أن يضمن أمنه مستقبلا من دون تغيير البنية السكانية او خلخلتها بخلق جيوب موالية له .
ولعله حاول فعل ذلك منذ سنوات، تحسبا، فالمجمعات السكانية لضباط الحرس الجمهوري العلويين وعائلاتهم غرست في عدة مناطق بدمشق وأطرافها، فيما اطلق عليه السوريون تندرا "المستعمرات". قرب قدسيا وبرزة، وفي منطقة السومرية قرب المعضمية، وغيرها من المناطق المحيطة بمركز دمشق، كانت تلك المجمعات ثكنات عسكرية وجيوبا سكانية موالية، تهدف لموازنة داخل هذا الطوق الريفي السني الكثيف.
بالنسبة للمعضمية وداريا، فانهما شكلتا معاقل صلبة للتمرد المسلح منذ ايامه الاولى، مقاتلون أشداء ينتمون لمجموعات محلية، كثير منهم إسلاميون  وينتمي بعضهم لعائلات عانت من مجازر حماة عام 1982، كما عانى الكثير من اهالي تلك المنطقتين من حملات تهجير قام بها النظام عندما أبعدهم عن اراضيهم الزراعية في حي المزة الشهير، ليقيم مكان بيوتهم، مطار المزة العسكري، ثم يزرع في حي المزة الراقي أحد أكبر التجمعات العلوية في دمشق ، مزة 86. وينتمي الكثير من قادة المعارضة داخل المعضمية لضباط منشقين عن الجيش، كالعقيد ابو الخير العطار، الذي أصر على البقاء في ظروف صعبة داخل المعضمية، رغم سوء صحته وتقدمه بالعمر، وأوشك على فقدان بصره في الاشهر الاخيرة. ليس هذا فحسب، بل إن قسما من المعضمية نفسها، استحوذ عليه النظام وأسكن فيه عائلات من الضباط التابعة لطائفته، وكثيرا ما اتهم هذا الحي بتفضيله من قبل النظام من خلال ارسال معظم المساعدات الغذائية المقبلة من المنظمات الدولية، بحكم أنه جزء من المعضمية المحاصرة الثائرة، وهو ليس كذلك بالطبع، كما وقع الكثير من الاشتباكات والمناوشات بينه وبين الاحياء المجاورة داخل المعضمية، وقتل العشرات في تلك المواجهات الطائفية في ايام الثورة السلمية الاولى، لكنها لم تحظى بتغطية اعلامية لحساسية كانت تثيرها حينئذ تلك المواجهات، قبل أن تنفجر المواجهات الطائفية في عموم سوريا، ومنها مناطق اخرى تسكنها طوائف متنوعة كالمسيحيين الذين يقطنون منطقة جديدة عرطوس بريف دمشق والقريبة من داريا، فمنذ الايام الاولى للثورة السلمية تكفل سكان الجديدة بمواجهة بعض التظاهرات الصغيرة التي كان يقودها سكان اطراف الجديدة الذين ينتمون في معظمهم لنازحي الجولان، وكثيرا ما شهدنا هناك اشتباكات اهلية بين السكان المسلمين والمسيحيين، قبل ان يشن الجيش النظامي حملة عنيفة ويعدم العشرات من ابناء جديدة عرطوز في مجزرة دموية.
وهكذا فان النظام يدرك جيدا مدى أهمية التركيبة الديمغرافية، خصوصا حول اهم مراكز سيادته، العاصمة دمشق، ولا يبدو ان تهجير سكان داريا والمعضمية هو الخطوة الاخيرة التي سيقدم عليها النظام في اطار تحصين مستوطنته المستحدثة دمشق والعبث  بهويتها .
 
٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"