الرئيسة \  واحة اللقاء  \  دي ميستورا والأسد: الثمن الدموي للدبلوماسية

دي ميستورا والأسد: الثمن الدموي للدبلوماسية

19.02.2015
رأي القدس
رأي القدس



القدس العربي
الاربعاء 18-2-2015
من الفريق أول محمد الدابي، كبير مراقبي الجامعة إلى سوريا، إلى الأخضر الإبراهيمي الذي جمع فضيلتي المبعوثية العربية إلى الأممية، وصولاً إلى ستيفان دي ميستورا، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى سوريا، تصاعدت المأساة السورية إلى ذرى غير مسبوقة، عربيّاً، وعالمياً، في معادلة تصاعد طردي للعنف والقتل والتهجير وتدمير البشر والحجر مع انخراط هذه المبعوثيات الجليلة الشأن في القضية السورية.
ففيما كان دي ميستورا (الموظّف الأممي الخطير الذي بدأ سيرته المهنية في السودان مروراً بعدد كبير من البلدان بينها البوسنة والعراق) يقدّم تقريرا لمجلس الأمن الدولي أمس يتحدث فيه عن الجهود التي بذلها لتجميد القتال في مدينة حلب وضواحيها، كانت قوات للنظام السوري مدعومة بأخرى من "حزب الله" وميليشيات شيعية عراقية وأفغانية، تتقدّم في ريف حلب وتقوم بما اعتادت عليه من جرائم وانتهاكات.
وإذا كان استمرار المعارك بلا هوادة في حلب، التي اختارها كنموذج أمثل لخطته لـ"تجميد القتال"، أحد "إنجازات" دي ميستورا العديدة، فإن أكثرها تأثيراً تصريحه الخطير بأن الرئيس السوري بشار الأسد هو "جزء من الحل الرامي لوقف العنف في سوريا"، وهي المعلومة التي اكتشفها دي ميستورا بعد لقائه الأسد في 11 شباط/فبراير الجاري، وزيارته للسفارة الإيرانية في دمشق للتهنئة بذكرى قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979.
غير أن نسبة التصريح المهم إلى دي ميستورا نفسه، يفترض في الدبلوماسي الأممي مساحة من الصلاحيات أكبر منه، ورغم فظاعة ما قاله، وتعارضه الصريح مع واقع الحال السوريّ، الذي يلعب نظام الأسد فيه دور الصاعق المستمرّ المفجّر للعنف، والراعي الأول له، فإن الإعلان عنه لا يكشف غير العقم الهائل في دور المنظمة الدولية، والذي هو في الحقيقة، ملخّص لعقم المنظومة الدولية، التي أدّت صراعاتها (وكذلك تقاطعات مصالحها وأغراضها السياسية) إلى صناعة المشهد المأساوي السوري، وعبثية الموت الدائرة فيه.
وفيما تدور طاحونة البلاغة الدبلوماسية (دي ميستورا يتكلم العربية الفصحى إضافة إلى نصف دزينة من اللغات العالمية) تستمرّ البراميل المتفجرة السورية تهبط على رؤوس المدنيين في ريف دمشق ودرعا وإدلب وحلب ودير الزور والرقة، ويتزايد أعداد المقاتلين الأجانب المندفعين لـ"الجهاد" المتعاكس على الجبهتين السنّية والشيعية، وتتزايد غارات "التحالف الدولي" على "الدولة الإسلامية"، ويتقدّم الأكراد (الذين سعدوا بالغطاء الجوّي وبغرام الغرب المفاجئ بتنظيم ما زال يعتبر "إرهابياً" في عرف الناتو) بخريطة تقارب ثلث مساحة سوريا لـ"كوردستان" السورية، وتعلو ملامح الأجندة الإيرانية فوق ملامح الأجندة السورية للنظام.
في هذا التعقيد الهائل للمشهد السوري قد يتفهّم كثير من السوريين طوباوية دي ميستورا وأحلامه عن "تجميد القتال" وإيصال المساعدات الإنسانية إلى حلب، وقد يجد بعضهم في تصريحه عن "الأسد جزء من الحلّ" دبلوماسيّة مقبولة لو تمكّنت من إنقاذ طفل واحد من الموت أو أوصلت قافلة غذاء إلى جوعى مخيم اليرموك وداريا ودوما، غير أن الحقيقة التي يعرفها السوريون أكثر من غيرهم هي أن تصريحات من هذا القبيل هي في عرف النظام ليست إلا بطاقة خضراء لمزيد من حرث سوريا بالموت والخراب والمجازر.