الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سقوط الطائرات والاقتصاد وصعود "الجيوبوليتيك"

سقوط الطائرات والاقتصاد وصعود "الجيوبوليتيك"

29.12.2016
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
الاربعاء 28/12/2016
حسب محللين فإن سعر الدولار في روسيا في العام 2008 كان 25 روبلاً وهو يعادل الآن 62 روبلا، أي أنه ارتفع أكثر من الضعف بكثير، وهو فارق أقل مما حصل للعملة الإيرانية التي كانت بحدود عشرة آلاف ريال للدولار فأصبحت الآن بحدود 41300 أي أكثر من أربعة أضعاف، وفي سعر الدولار في سوريا، حليف البلدين الاستراتيجي كان 46 ليرة قبل اندلاع الثورة وأصبح الآن يساوي 525 ليرة، وهذا يعادل أكثر من 12 ضعفاً.
علّق البعض على هذه الأرقام مستذكرا الشعار الأمريكي الدائم: إنه الاقتصاد أيها الغبي! في إلماح إلى أن الأمور تحسب، في النهاية، اقتصادياً، وأن الرابح عسكرياً ليس بالضرورة هو الرابح اقتصادياً.
خرجت صحيفة "نيويورك تايمز" في عددها الصادر قبل أيام بتحليل معاكس لهذا الشعار في مقال عنونته "في روسيا، إنه ليس الاقتصاد، يا غبي!" فرغم أن الاقتصاد الروسي يتدهور بسبب هبوط أسعار النفط والعقوبات الدولية وكون ميزانية الحكومة تعمل بعجز كبير منذ عام 2012 وصندوق احتياطيات البلاد يقترب من النفاد في عام 2017 وأن نسبة الفقر ترتفع (وهي قضايا تنطبق بشكل كبير على حالة إيران)، فإن أسهم روسيا وتأثيرها يزدادان في العالم بشكل غير مسبوق، وهو أيضا حال إيران التي لم يعد ممكناً تجاوز نفوذها في الخليج والمشرق العربيين، وخصوصا في العراق وسوريا ولبنان.
ارتفاع شعبية بوتين رغم المشاق الكبيرة التي يتكبدها الشعب الروسي تعود (إضافة إلى نفوذ السلطات الكبير في الإعلام) إلى إلحاقه جزيرة القرم بروسيا عام 2014 فبعدها وصلت نسبة شعبية بوتين إلى حدود 80٪ واستمرت مع تدخل روسيا الكثيف في سوريا واشتباكها الاقتصادي  السياسي مع تركيا بعد إسقاط الأخيرة طائرة سوخوي مقاتلة.
استخدمت السلطات الروسية سردية كبرى اعتمدتها تقوم على تصاعد وزن روسيا المؤثر في شؤون العالم لحث الروس على تحمل المشقات الاقتصادية الكبيرة، وكانت إحدى بضائع التسويق الأساسية هي ازدهار سوق السلاح الروسية والخبرات الكبيرة للجيش الروسي وطياري قواته الجوية في سوريا، وهو أمر تفاخر به وزير الدفاع الروسي مؤخراً، مضيفاً أن روسيا تمكنت من إفشال الثورات العربية، في جمع ذي دلالة بين الدعايتين السياسية والعسكرية.
سقوط الطائرة الروسية في البحر الأسود قبل أيام ووفاة راكبيها ال92 ومجموعة أخرى من حوادث سقوط الطائرات نتيجة أعطال أو أخطاء فادحة يضع إشارات استفهام على نجاعة هذا التسويق، كما يدفع للشكّ في المآلات النهائية المتوقعة للسياسات الروسية التي نجحت، حتى الآن، في احتواء تأثير الأضرار الاقتصادية على النظام السياسي في روسيا من خلال البناء على التمدد الجغرافي  السياسي (الجيوبوليتيك)، فقد علّمنا التاريخ أن تمدد الامبراطوريات يصل إلى حدود تبدأ بعدها باستنزاف نفسها وبالتراجع الطويل الذي ينتهي، في أغلب الأحيان، بتفككها وسقوطها.