الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا بين الخليفة العلماني والخليفة الإسلامي والسلاح النسائي

سوريا بين الخليفة العلماني والخليفة الإسلامي والسلاح النسائي

25.11.2014
قيس فارس



القدس العربي
الاثنين 24-11-2014
مع إعلان أبي بكر البغدادي نفسه خليفة للمسلمين، استشعر بشار الأسد، خطراً مُحدقاً، فبدأ يسعى إلى تعزيز صورته في الداخل والخارج خليفةً "علمانياً" خلَفاً أو مقابلاً للبغدادي.
الأسد، استعان بالمهرة في التسويق لنفسه وإعادة بناء صورته، فكان أن اعتمد على العنصر الأنثوي مفتاحاً لذلك.
آخر تقليعاته أغنية بكائية بعنوان "لبلادي" قدّمتها شقيقتان شابتان مقيمتان في السويد منذ عام 2003: ريحان وفايا يونان.
انتشر فيديو "لبلادي" على "يوتيوب" في 9 تشرين الأول/أكتوبر، 2014. تبعهُ تقرير على قناة OTV المملوكة لميشيل عون، حليف الأسد، ثم جريدة "الأخبار" في 11 تشرين الأول/أكتوبر، ثم تقارير على موقع التلفزيون السوري و"الفضائية السورية" و "الإخبارية السورية" العائدة ملكيتها للحكومة في 11 و 12 تشرين الأول/أكتوبر. وهكذا كرّت مسبحة إطراء الأختين بالفتح العظيم. وجرى التركيز على "الإمكانات البسيطة" التي أُنتِج العمل بها "وعفويته". تقول ريحان: "فكرة العمل نشأت خلال جلسة أمام نشرة الأخبار.. وبشكل عفوي.. لنخرج منها بفكرة عامة فقررنا بتشجيع من الأهل والأصدقاء تنفيذها بشكل مهني محترف".
تسويق الأختين يونان لم يأتِ في سياق ظاهرة اعتباطية، فقد سبق وأن اصطنع الأسد مثيلات لها لأغراض تلميع صورته. وقريباً جداً تستضيف رابعة الزيات على "الجديد" وزوجها زاهي وهبي على "الميادين" الأختين يونان في السياق نفسه.
مهّد فريق الأسد لظهور الأختين بعناية. في نيسان/أبريل 2014، زار دمشقَ وفدٌ من أبناء الجالية السورية في السويد والتقى مسؤولين. كان ذلك كافياً لأن تُقدَّم ريحان يونان في تموز/يوليو، مع سامي كليب قناة "الميادين". انتقدت ريحان يومها علاج أفرادٍ من المعارضة في إسرائيل. وقالت إن ذلك قد أضرَّ كثيراً بصورة المعارضة. كليب متزوّج من لونا الشبل، مستشارة إعلامية للأسد، وكانت عضواً في الوفد الحكومي المفاوض في مؤتمر جنيف مطلع 2014 للغرض الترويجي نفسه. اتضحت المهمة إذن، فما هي الرسالة؟
لست في وارد تحليل الفيديو البكائي، فقد أُشبِع – (راجع: "نشيد "لبلادي": أناقة التشبيح الأسدي" لنديم قطيش، و"وجه جميل.. لنظام قبيح" لديانا مقلد). إلا أنني سأنظرُ إليه في السياق العام.
رسالة الفيديو للداخل هي: "خذوا حذركم، إنهم قادمون لغزونا". والمقصود ظاهريّاً هنا "الغرب وأذنابه وأدواته وربيبته إسرائيل". أما الرسالة المبطّنة فهي موجّهة للخارج؛ أي ل"الغرب الإمبريالي" نفسه أن: "احذروا، الدواعش قادمون لسبينا، وقد يمتدُّ شرُّهم إلى دياركم". وكأنّ تنظيم "الدولة" لم يُعدِم من سنّة سوريا آلافاً، مع التأكيد هنا على الإدانة الكاملة لجرائم الحرب التي يرتكبها تنظيم "الدولة"، والتي لا فارق في بشاعتها سوى التسمية.
يستعمل الأسد العنصر النسائي – كأمثال الأختين ريحان – في أوقات مدروسة. وقد يكون الغرض من "استغلالهنّ" مُتناقضاً لدى كلٍّ من البغدادي والأسد – إلا أنّ العقلية الانتهازية واحتقار الأنثى لدى كلٍّ منهما هي نفسها. وتاريخ الأسد الابن في هذا الأمر ليس بجديد. فقد حرص في ختام المقال الشهير لمجلة "فوغ" الأمريكية التي تُعنى بالموضة عن زوجة الأسد عام 2011، على أن يحمل جرساً صغيراً في احتفالات أعياد الميلاد ويقرعه بمرافقة المُحتَفِلِين. ثم يلتفت إلى صحافية أمريكية ويهمس: "كل هذه الأساليب تنتمي إلى ثقافتنا. هكذا يمكنك محاربة التطرف — من خلال الفنون. هذا هو التنوع الذي تريدون أن تروه في الشرق الأوسط. بهذه الطريقة بإمكانك أن تحققي السلام".
أما اليوم، وبالتوازي مع انتشار فيديو يُظهِرُ مقاتلين تابعين لتنظيم "الدولة" يتحدّثونَ فيه عن سبايا الأيزيديات وأسعارهن، أمر عمران الزعبي، وزير إعلام الأسد، بتشكيل لجنة لتقويم عمل المذيعات "للنهوض بواقع الإعلام". وقال لي شخص يعمل في التلفزيون السوري أنّ اللجنة ركّزت على مظهر و وزن كل مذيعة. وقد سبق أن فعل الأسد الأمر ذاته في العام 2006 في ظلّ الحاجة إلى إعلام يكون على مستوى الحدث إثرَ اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق، رفيق الحريري. فأمر المذيعة المخالفة أن تأخذ اجازة "حرصاً على حسن ظهورها على الشاشة": بمعادلة الطول 160 سم، الوزن 60 كغ.
وإذا ما التفتنا إلى الفريق الإعلامي اللبناني للأسد، نرى وزير خارجية لبنان، جبران باسيل، قد أعطى في نيويورك في أيلول الماضي درساً في"استغلال" النساء في العمل الدبلوماسي. فقد ارتكب خطأً وهو يُعرِّف نظيره الإماراتي على القائمة بأعمال بعثة لبنان في الأمم المتحدة كارولين زيادة. فقال مُستفسراً: "وينا كارولاين؟"، مُرفِقاً ذلك بإشارة سوقيّة بيده في إشارة إلى جسد الدبلوماسية زيادة.
لكن ربّما تكون آلة الأسد الإعلامية أخطأت مرات في"استغلال" العامل النسائي في بناء صورة مقبولة للنظام. نذكر بعضها:
في 24 آذار 2011، خرجت مستشارة الأسد، بثينة، لتقصف الشعب الغاضب في درعا بمؤتمر صحافي بنبرة عسكرية صارمة. وكان أن أتى المؤتمرُ مفعولاً عكسياً، حاول الأسد استدراكه بخطاب 30 آذار الكارثي.
أما المرة الثانية فكانت حين خرجت رئيسة تحرير جريدة "تشرين"، سميرة المسالمة، عن طاعة الأسد، إذ تجرّأت على بكاء أهلها الذين كانوا يُذبَحُون في درعا على أيدي مخابرات الأسد. واكتفى الأسد بدوره يومها بمجرد طرد المسالمة من ملكوته.
أما المرّة الثالثة فكانت في آذار 2014 حين رفض الأسد استقبال راهباتِ معلولا لأنّهن أشدنَ بالمعاملة الحسنة لمقاتلي "جبهة النصرة" لهُنَّ أثناء فترة احتجازهنّ.
 إعلامي سوري  السويد