الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا على عتبة إتفاق طائف جديد

سوريا على عتبة إتفاق طائف جديد

23.08.2015
سامر ياسر



القدس العربي
السبت 22/8/2015
تتبلور أو يبدو واضحا توجه القوى الدولية والإقليمية لإنهاء الاقتتال الأهلي في سوريا، بعد أربع سنوات من صراع دموي أريد له أن يطول و يتعمق، فيما إذا تحقق هكذا اتفاق يقود لحل سياسي سلمي، يلم شمل الأطراف السورية المتصارعة، قد يبدو شبيهاً في شكله و ظروفه لاتفاق الطائف اللبناني، الذي عقد في مدينة الطائف السعودية، وانتهت من خلاله حالة الحرب الأهلية اللبنانية التي امتدت عبر خمس عشرة سنة.
المتتبع لنتائج اتفاقية الطائف اللبنانية يجد أنها أنهت الحرب الأهلية في ذلك البلد الصغير المتعدد الطوائف، لكنها لم تنجز دوله حديثة بمؤسسات و سلطات قوية أو ذات تأثير.
ظل لبنان يخضع لنظام طائفي يسيطر فيه قادة الطوائف (أمراء الحرب الأهلية) على مجريات السلطة، التي تم تقاسمها على أساس المحاصصة الطائفية، فظلت الدولة اللبنانية نموذجا ناجحا للدولة الفاشلة، أو ما يسمى بجمهوريات الموز.
من دون شك أصبح من الأهمية تحقيق سلم أهلي يعيد الأمل للشعب السوري الذي عانى من القتل و الدمار و التشريد عبر الحرب الشرسة التي اجتاحت أرضه، و أوفدت عليه ما هب و دب من ميليشيات القتل و الاغتصاب و التنكيل، سواء من تنظيمات كتنظيم الدولة، أو ميليشيات النظام السوري و حلفائها من فصائل مسلحة توافدت على سوريا لمؤازرة النظام في البقاء، كحزب الله اللبناني وأبو الفضل العباس العراقي و غيرهم من آلاف المرتزقة الأفغان و الإيرانيين.
مطلب الحياة و حفظ النفس من القتل والأذى من أسمى الأهداف التي تحققها الدولة لمواطنيها، وفيما عكس نظام الأسد هذه القاعدة و حول جيش الدولة و كل ثرواتها من الدفاع عن السوريين لماكينة قتل فتكت بعشرات الآلاف منهم وشردت الملايين في المنافي ومخيمات اللجوء، بات من المنطقي خروج بشار وأركان نظامه بعد كم المجازر التي ارتكبوها من الصورة، و تفهم روسيا و إيران اللتان تدعمان الأسد هذه الحقيقه، و تستوعبان ضرورة خروجه و زمرته الحاكمة من مستقبل سياسي جديد، تفرزه الاتفاقية المقبلة في حال تم إنجازها، لإنقاذ الوطن السوري وما بقي من مؤسساته.
لكن تبقى أهمية هذا الاتفاق خاضعة لتساؤلات عن النوايا الحقيقية لدى الدول الراعية له، والتفاصيل والآليات التي ستطبق من خلاله، وسط ظروف سياسية وعسكرية معقدة تحيط بسوريا، عبر انهيار مؤسستها العسكرية الرسمية، و حلول دور الميليشيات الخاضعة في معظمها لإرادة القوى الإقليميه التي تخوض صراعها داخلها.
أفرز اتفاق الطائف اللبناني أو أريد له أن يفرز دوله ضعيفة و جيشا هزيلا لا يمتلك السلاح الفعّال و الدعم اللوجستي، و برز بعد سقوط بعض الدول والأنظمة العربية المستبدة انفلات أمني وغابة بنادق ميليشيوية حلت مكان جيوش تلك الأنظمة مثل ليبيا، و حتى العراق الذي صرف المليارات على جيشه الجديد، و الذي ظهر واضحاً أنه جيش مفكك و طائفي و فاقد للعقيدة القتالية، عندما انسحب عشرات الآلاف من جنوده امام عشرات من مقاتلي داعش الذين اجتاحوا الموصل و احتلوها خلال ساعات، لذلك يبدو لزاماً على تلك الدول الراعية لاتفاق سياسي سلمي في سوريا تحمل مسؤوليتها في بناء جيش نظامي وطني سوري يخضع لكل أطياف السوريين و لا تتحكم فيه قيادات الميليشيات، بل تديره حكومة مدنية ديمقراطية ينتخبها السوريون في انتخابات حرة و نزيهة لا يتدخل فيها أي طرف دولي، وهنا تكمن المصداقية و مفصل الحقيقة فيما اذا امتلكت تلك الأطراف الدولية الراعية للاتفاق النية الصادقة في إنجاز دولة سورية حديثة مبنية على المؤسساتية و المدنية و الاختيار الديمقراطي الحر النابع من توجه الشعب السوري، أو أرادت لأهداف مبيتة وأجندات خاصة إبقاء سوريا كنموذج دولة فاشلة مفككة على غرار دولة اتفاق الطائف اللبنانية، و باقي النماذج الفاشلة من الدول العربية عبر العراق وليبيا و اليمن.
الدولة الديمقراطية المدنية ليست حالة ناشئة في النظام السياسي السوري، فقد شهدت الجمهورية في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، حكومات ديمقراطية انتخبها السوريون من بين كيانات سياسية وطنية متنوعة، أبرز هذا المناخ السياسي الحر شخصيات وطنية مثل الرئيس محمد علي العابد أول رئيس جمهورية سوري منتخب بعد الاستقلال، و هاشم الأتاسي و خالد العظم و شكري القوتلي، و قد استمرت هذه الحالة السياسية النموذجية (نوعاً ما) لفترة، حتى ضربتها سلسلة الانقلابات العسكرية، و أنهاها بشكل كلي و مؤلم نظام البعث الذي أفرز نظام عسكري مسخ، تحكم بمفاصل البلد عبر أربعة عقود من حكم عصاباتي مافيوي أدى لتدمير الدولة وتفككها، ومن هذا المنطلق يحق للسوريين الذين عانوا و كابدوا مآسي و جرائم الأسد الأب و الإبن، أن ينتهوا من كل ذلك و ينعموا بدولة مدنية ديمقراطية حديثة تجمع كل الأطياف الوطنية السورية المختلفة، عبر اتفاق سلمي جديد يشبه اتفاق الطائف شكلاً و يختلف عنه مضموناً، كماً ونوعاً.