الرئيسة \  واحة اللقاء  \  صعود اليمين المتطرف في الغرب

صعود اليمين المتطرف في الغرب

29.03.2016
بشار عمر الجوباسي


القدس العربي
الاثنين 28-3-2016
عندما تكرر نفس التجربة و ترجى نتائج مغايرة فإن ذلك هو الحمق بعينه لكنه ليس كذلك في عالم السياسة، فقد يكون فاتورة تدفع لنيل مبتغى أسمى خاصة إذا كانت لا ترجى نتائج مغايرة من تكرار نفس حذافير التجارب على الأقل هذا ما يقتضيه المنطق، فالدهاة من يحكمون دول الغرب وليس الحمقى، شهدت مدريد ولندن وهما من الدول التي شاركت في احتلال العراق عام 2003 هجمات إرهابية انتقامية لموقفها ذاك والآن ترك سوريا وشعبها يسحق تحت براثن نظام الأسد الإرهابي و ما استدعى لذبح السوريين من شذاذ الآفاق من إيران والعراق ولبنان وروسيا و…. ولا تقتصر المآسي على سورية فقط بل تتعداه إلى العراق وحصريا المناطق السنية منه. وهذا ليس صدفه فالغرب لا يسمي الاعمال الارهابية إرهابا الا اذا كان منفذها سنيا ومن هذا المنطلق لم يدينوا تفجيرات أنقرة لأن منفذتها شيوعية في حين سارع الجميع لإدانة تفجير اسطنبول لأن منفذها سني لا يوجد غير هذا التفسير ففي معايير الغرب الديمقراطي يوجد ارهاب محمود مسكوت عنه و آخر مذموم مدان.
الكثير من عناصر داعش خرجوا من تونس موطن شرارة الربيع العربي الأولى البلد الذي خلقت فيه أزمات إقتصادية دفعت ثورته إلى الانتكاس وأعادت الحرس القديم للحكم وترك شبابه تحت براثن اليأس والفقر وغياب أي أمل بالمستقبل لينتهي كثيرون منهم في أحضان داعش. لقد خان الغرب ثورات الربيع العربي و عملوا على تقويضها و عملوا على إما إعادت الأنظمة القديمة كما في مصر وتونس أو تحويلها إلى بلدان فاشل كما في ليبيا التي تتخذ حكومة ما يسمى الوفاق الوطني من تونس العاصمة مقرا لها لا ريب أنها تمسك بزمام الأمور في بلدها بحزم!
وهذا ما حدث في العراق سابقا الذي احتل بدعوى جلب الديمقراطية لينتهي به الامر الى بلد فاشل تحكمه الميليشيات الشيعية التي تبتلع الدولة و تنكل بالسنة تطهيرا وتهجيرا و قتلا كما وصل به الفساد الى درجة لا يستطيع دفع رواتب موظفيه رغم جمعه تريليون دولار من عائدات النفط منذ احتلاله والى الآن؛ كل ذلك ساهم في دفع الشباب اليائس نحو التطرف وهذا ما يجب أن لا يخفى عن حكومات العالم التي من المفترض أن تحارب الأعراض خير لها من الإضطرار إلى معالجة المرض.
بنى الغرب صروح حضارته وتفوقه الاقتصادي على أنقاض الدول النامية وأشلاء أبنائها وعمليا لم تتغير الامور كثيرا بعد النصف الثاني من القرن العشرين فقد تحررت دول العالم الثالث من المحتل الأوروبي لتسقط في هاوية المحتل المحلي فأخذ الدكتاتور وكالة حصرية من دولة الاستعمار ليحكم بلده وينفذ أجندة المحتل بحذافيرها وبقوة محلية لا تكلف المستعمر شيئا الذي يقطف الثمار دون أن يتعب في الزراعة؛ ولا يخفى عن أحد أن الحكومات الدكتاتورية وسياساتها هي أكبر سبب لدفع الشباب نحو التطرف ليس هذا فقط بل قد تساهم في صناعته بشكل مباشر أيضا.
الغريب في أمر داعش أنها لم تنفذ عمليات ضد إيران أو إسرائيل أو حتى أمريكا نفسها تجاريه في الغرابة الاحتياطات الأمنية الأوروبية المواكبة لتدفق اللاجئين إليها منذ حزيران/يونيو الماضي وإلى ما قبل عدة أسابيع فأي شخص كان يستطيع أن يحمل قنبلة نووية لو شاء ويركب قاربا من تركيا إلى اليونان ويتابع عبر طريق البلقان إلى أي مكان في أوروبا دون أن يتعرض لتفتيش إلا عندما يسلم نفسه للشرطة وهذا أيضا لا يحدث دائما وعلى كل حال من كان يحمل هكذا شيئا يستطيع تدبر أمره بعد قطعه للحدود و مع ذلك لم تخترق داعش هكذا ثغرة وتستفيد منها الأمر يثير كل أنواع الشكوك؛ خاصة أن منفذ اعتداءات بروكسل الأخيرة كان قد ضبط بتركيا وسلم إلى هولندا على أنه عنصر من داعش فكيف اطلق سراحه؟
تقاسم الجميع فاتورة تدمير سوريا وكان من نصيب الأوروبيين التعامل المتأخر مع ملف اللاجئين والآن يتم أخذ كل الأسباب التي تمنع استمرار تدفقهم وربما كان ملف اللاجئين هو كلمة السر وراء التزام النظام نوعا ما بالهدنة، وهو أيضا وراء استمرار سير مفاوضات جنيف-3 لفترة قد تأتي بحل ينهي تلك المشكلة الوحيدة التي تؤرق الاوروبيين.
يلاحظ في المناطق التي تشهد صراعات وحروبا أهلية سواء في أفريقيا أو آسيا وحتى دول أمريكا الوسطى أنها كانت تحدث ثم تنقضي وقد تنهض تلك الدول و تتطور دون أن تظهر جماعات ذات خلفية دينية تقوم بعمليات إرهابية متواصلة في تلك الدول وإن حدث واستمر تواجد بعض المتمردين فإن ذلك لا يدعو لوصف دينهم بالارهاب فمثلا لم يوصف الدين المسيحي بالارهاب بسبب ما فعله الهوتو بالتوتسي في رواندا كما لم تتهم المسيحية بالإرهاب رغم ما فعله الامريكيون في فيتنام وغيرها وصولا إلى العراق.
وأيضا لم يدن أحد المسيحيين رغم مباركة راعي الكنيسة الارثوذكسية الروسية لطائرات وجنود بلاده الذين أتوا وقتلوا آلاف السوريين، من بينهم حسب أقل الإحصاءات ثلاثمئة طفل، وكذلك أول ما يؤكد عليه عند إدانة جرائم الاحتلال الإسرائيلي – من قبل العرب طبعا- هو التفريق بين الصهيونية واليهودية أما إذا قام مسلم سني حصرا بعمل إرهابي فيتعرض كل المسلمين لتهم الإرهاب ويصبحوا محل شك سواء على المستوى الرسمي أو الشعبي.
بعد خروج الاحتلال السوفييتي من أفغانستان وتحول العلاقة بين المجاهدين والذين ربما تم اختصارهم لاحقا بتنظيم القاعدة وطالبان من التحالف إلى الحرب ظهرت أعنف موجة إعلامية هدفت إلى إلصاق صفة الإرهاب بالجهاد وهذا ما جعل الجيوش تحول مهمتها من الدفاع عن الأوطان إلى محاربة الإرهاب وهذا ما أخرج الجيوش العربية من المواجهة مع إسرائيل وحصر مهامها بمحاربة الإرهاب الذي تضمن سياسة الغرب والأمريكيين استمرار بقائه وهذا ما يخطط لمستقبل ما يسمونه الجيش السوري الذي سيعملون على إنشائه بعد الإنتهاء من مرحلة الحرب على النظام.
منفذو التفجيرات الإرهابية الأخيرة في أوروبا ولدوا وتربوا على ثقافة مجتمعاتها ومن غير المتعلمين وأصحاب الجنايات والفاشلين كانوا قد مارسوا أمورا يحرمها الإسلام ثم ضاقت نفوسهم وعصف بهم الاكتئاب فأرادوا أن يدخلوا الجنة ويتخلصوا من الحياة في نفس الوقت فوجدوا خلاصهم في فكر داعش الارهابي.
يقع اللوم على الدول الاوروبية التي لم تحسن التعامل مع مثل هذه الحالات؛ أما ارتباطهم المزعوم بداعش ففيه الكثير من الشك بل ربما تتبنى داعش هذه العمليات بعدما تعلم بها من نشرات الاخبار، يذكر هنا أيضا أن الشهود في كثير من الأحيان غير موجودين فعادة ما يتم قتل المشتبه بهم أثناء القبض عليهم كما حدث بعد أحداث باريس الأخيرة.
الآن يصعد اليمين المتطرف في الولايات المتحدة وأوربا وتتأجج نيرانه على وقود دعوات مكافحة الإرهاب وإن حدث ووصل أي حزب يميني متطرف لسدة الحكم في أي من تلك البلاد فيجب أن يكون مدينا بالدرجة الأولى للاجئين أعدائه التقليديين وحملات الكراهية المثارة ضدهم و التي توحد الصفوف حول تلك الأحزاب، ربما إقترب التاريخ من إعادة حقبة الحكومات الفاشية في دول الغرب لكن حتى وإن حدث فلن يؤثر إلا على مواطنيها المنحدرين من أصول مهاجرة أما دولنا فلا فرق بين سياسة اليسار واليمين المتطرف تجاه نهبها وتدميرها وسحق شعوبها.
٭ كاتب من سوريا