الرئيسة \  واحة اللقاء  \  صفقة جرود عرسال… النتائج والدلالات؟

صفقة جرود عرسال… النتائج والدلالات؟

08.12.2015
الطاهر إبراهيم



القدس العربي
الاثنين 7/12/2015
التبادل الذي تم على أرض قاحلة جرداء في جرود عرسال وضعت جبهة النصرة بصمتها عليه فلا يحق لأي كان غيرها أن يدعي فضلا فيه. لندع عملية التبادل تتكلم عن نفسها بما أفاد عنه الفاعلون الحقيقيون في تلك الصفقة وفي ذلك الموقع الصعب.
أول ما يلحظه المتابع لتلك الصفقة أن صوت حزب الله كان خافتا، وهذا ناجم عن كون الحزب فقد كثيرا من زخمه في جبهات القتال في ريف حلب الجنوبي وفي ريف حماة الشمالي وحتى في الجبهة الجنوبية وفي هضبة الجولان. حفلت الأشهر القليلة الماضية بهزائم لحقت بجنوده، وبتوابيت قتلاه شيعهم الحزب ومنهم قياديون منه. حتى أن قتيلا جاء الموكلون بواجب التعزية في الحزب إلى البقاع، فقال المسؤول معزيا: نهنئك باستشهاد ابنك. أجابته الأم المكلومة على الفور: "على اقبال أولادك"، فهرب المسؤول لا يلوي على شيء. ومع انحسار هيمنة الحزب استطاع الموكلون بخلية الأزمة من الحكومة اللبنانية إمضاء الصفقة، بحيث أن كل شيء تم في ساعات الصباح الأولى في الأول من كانون الأول/ديسمبر، وجرى التسليم والاستلام.
إذا كان يسجل لبعض اللبنانيين أنهم أنصفوا جبهة النصرة،لكن القضاء اللبناني كان سيئا. المعتقلون الذين أطلقهم لبنان احتجزوا من دون محاكمة. والأسوأ من ذلك هو اعتقال نساء لم يعهد أنهن اقترفن جريمة، ومنهن مطلقة أبو بكر البغدادي التي تم فداؤها مرتين: كانت الأولى يوم اعتقلها نظام بشار أسد المجرم وتم تحريرها يوم حررت راهبات معلولا.
للأسف كان المسؤولون اللبنانيون يفتخرون أن المعتقلين الذين بادلوهم على 16 من معتقلي الجيش اللبناني لم يكن أحد منهم قد حكم عليه بل كلهم كانوا محتجزين من دون محاكمة. فبأي حق احتجزوا إذن؟ وإذا كان هذا جائزا في عرف حزب الله وفريق 8 آذار، فما بال فريق 14 آذار وعلى رأسهم وزير الداخلية نهاد المشنوق ووزير العدل أشرف ريفي. وكيف أجازوا لأنفسهم اعتقالهم وإبقاءهم رهائن لديهم، وهما الوزيران اللذان بيدهما الاعتقال والمحاكمة؟
جبهة النصرة التي توصم بأنها إرهابية، كان الرهائن عندها معززين مكرمين، يقوم أهلوهم بزيارتهم بين الفينة والأخرى. وفي اليوم الذي أطلق سراحهم سمعنا بعض المعتقلين يمتدح المعاملة التي عاملتهم بها جبهة النصرة.
في قراءة أولية لنتائج عملية التبادل يتضح سوء الحالة الإنسانية لـ 15 ألف نازح سوري نزحوا عن ديارهم إلى الجرود السوري، يعيشون داخل الجرود بحالة سيئة، يقتلهم البرد ويميتهم الجوع والمرض. لذلك أصرت جبهة النصرة على فتح طريق آمن لهؤلاء لكي يتطببوا، وأن يكون من ضمن الصفقة إعطاؤهم عدة شاحنات محملة بالأغذية.
كما تضمن الاتفاق فتح ممر إنساني آمن دائم للنازحين السوريين في عرسال وأن تتأمن المواد الإغاثية والطبية وأن يتم تجهيز مستشفى عرسال لعدد من الجرحى المدنيين المتواجدين في سوريا. كما تعهدت الحكومة اللبنانية تسوية الأوضاع القانونية للمفرج عنهم من السجون، والذين سيختارون البقاء في لبنان أو يودون السفر إلى دولة أخرى.
لمع في الأسماء الذين تركوا بصمتهم في عملية التبادل اسم قائد جبهة النصرة"أبو مالك التلي" الذي أصر أن تنفذ طلبات الجبهة بحذافيرها. وقد أشادت الحكومة اللبنانية بدولة قطر الذي واكب مندوبها عملية التبادل في جميع مراحلها. هذه ليست أول مرة تشارك جبهة النصرة في عمليات التبادل، فقد سبقتها عدة عمليات تبادل تمت بنجاح مثل العملية التي تم فيها الإفراج عن راهبات "معلولا". ومعظم عمليات التبادل كانت تواكبها حكومة قطر.
مع رفضنا للأيديولوجيا التي يتمسك بها أبو محمد الجولاني، يجب أن نقر بأن جبهة النصرة تعتبر ركيزة ضخمة للقتال ضد نظام بشار الأسد وكل من يعاونه من ميليشيات إيران وحزب الله والحشد الشعبي الذي يقاتل في سوريا. وعندما وضعت واشنطن جبهة النصرة على لائحة الإرهاب، لم يكن هناك أي إرهاب في سوريا، إلا ما كان من إرهاب حزب الله وبشار الأسد.