الرئيسة \  واحة اللقاء  \  عن أي ممانعة يتحدثون؟

عن أي ممانعة يتحدثون؟

10.03.2015
أيمن أبولبن



القدس العربي
الاثنين 9-3-2015
تبنّى النظام السوري نظرية المؤامرة لبناء خطة دفاعية استراتيجية في وجه المظاهرات الشعبية والمطالبات بالعدل والمساواة والحرية. وتعتمد هذه النظرية على فرضيّة قيام المعسكر الغربي باستهداف حلف (إيران، حزب الله، سوريا) بسبب وقوفه ضد المخطط الأمريكي الاستعماري في المنطقة، وعدائه لإسرائيل وللإمبريالية الأمريكية، لا سيما مع تصاعد الطموح الإيراني في امتلاك السلاح النووي.
تطورت هذه النظرية سريعاً لتحمل اسم "المؤامرة الكونيّة" حيث ادّعى الرئيس بشار الأسد أن سوريا تتعرض لمؤامرة كونيّة تستهدف إسقاط آخر معاقل المقاومة والممانعة في المنطقة، وسرعان ما تلقفت وسائل الإعلام الموالية للنظام السوري هذا المصطلح ليصبح مادة إعلاميّة دسمة.
وتفترض هذه النظرية أن الصحوة العربية والمظاهرات الشعبية الحاشدة التي شهدها العالم العربي وأدّت إلى قلب نظم الحكم في عواصم عربية عدة، ما هي إلا نتاج مؤامرة أمريكية وتواطؤ من بعض أحزاب المعارضة وعلى رأسها "الإخوان المسلمون" لتمهيد الطريق أمام أعوان أمريكا للوصول إلى الحكم وترسيخ سيادة أمريكا وإسرائيل في المنطقة.
لن أجادل كثيراً في تفنيد نظرية المؤامرة، خصوصاً أن المنطقة العربية قد تعرّضت لمؤامرات خارجية، وباتت الشعوب العربيّة تنام وتصحو على أحاديث المؤامرات والخيانات. ولكني سأفترض جدلاً أن كل ما يقال عن المؤامرة الأمريكية الامبريالية في المنطقة هو صحيح، وسأتحدث عن ادعاءات النظام السوري بما يخص حلف المقاومة والممانعة.
بالعودة إلى تاريخ الحروب التي شهدتها المنطقة في نهاية القرن الماضي نجد أن إيران تسبّبت بالحرب مع العراق نتيجة تهديدها المستمر له وإعتداءاتها على الحدود المشتركة بينهما، مما نتج عنه صراع امتد ثمانية أعوام كانت نتائجه كارثية على البلدين وعلى المنطقة. وخلال هذه الحرب قامت إيران بالتعاون مع الدولة الصهيونية لتوريد الأسلحة والعتاد العسكري لها، وهو ما يعرف بفضيحة "إيران غيت".
وتسبّبت حرب الخليج الأولى بنشوء نزاع عراقي كويتي على آبار النفط الحدودية خلال فترة الحرب نتجت عنها "حرب الخليج الثانية"، التي أسفرت عن تدمير القدرات والمُقدّرات العراقية ومعاناة البلاد من حصار اقتصادي طويل الأمد أدى إلى مجاعة عامة وأمراض وأوبئة، ثم اكتملت حلقة التآمر الإيراني بالتواطؤ مع أمريكا لإحتلال العراق وإسقاط نظام صدّام حسين، وإغراقه في مستنقع الطائفيّة والقتل على الهويّة.
تاريخ إيران في المنطقة يشهد أنها تعاونت مع الدولة الصهيونية، وتعاونت مع أجهزة الاستخبارات المركزية، ثم تعاونت عسكريّا مع أمريكا، وأنها الحاكم الفعلي للعراق الآن، والداعمة للحوثيين الانقلابيين في اليمن، وهي من أشعل الفتنة الطائفية في البـحرين بصبغة سياسيّة، وهي التي تحتل الجزر الإماراتية الواقعة على مضيق هرمز، وبرغم كل هذه الحقائق ما زلنا مقتنعين بأن إيران متحالفة معنا نحن العرب!
أمـا عن سوريا فمن المعروف أنها انضمت إلى الحـلف الغربي بقيادة أمريكا ضد جارتها وشقيقتها العراق في "حـرب الخليج الثانية" وشاركت بقوات برية على الأرض، وساهمت في حصار العـراق بـدور كبير وأساسي من خلال غلق الحـدود بـين البـلدين، وساهمت في فتح الباب على مصـراعيه لـتواجد القوات الأمريكية على الاراضي العربية، فأين نحن من محاربة المخطط الأمريكي الاستعماري في المنطقة!؟
وفـي مقـابل التعاون السـوري فـي الحـرب على العراق، غضّت أمريكا الطرف عن التوغّل السوري في لبنان، ولم تمانع من استمرار وجود قوات سـورية في لبنان، إلى أن انفجرت أزمة اغتيال رفيق الحريري.
والحديث عن الملـف اللبنانـي يوضح التناقـض المذهل للخطاب السوري فسـوريا، التي تنادي بالوحدة العربيـة والخروج من عبـاءة الاستعمار، قامت بممارسة الاسـتعمار الفعلـي لأرض لبنان لأكثر من ثلاثين عاماً، و دخلت في آتون الاختلافات الحزبية والعقائدية في البلد، مما زاد من حدة التوتر الداخلي، وساهم في إضعاف الدولة اللبنانية وجيشها، وتزايد قوة حزب الله المدعوم من إيران. وشهدت أيام "الاحتلال" السوري للبنان قمعاً عاماً للحريـات واعتقالاً للصـحافيين المعارضـين للوجـود السوري، وتعذيبهم، وصـولاً إلى نفيهـم خـارج البـلاد.
أما عن المقاومة الفلسطينية ودعم سوريا لها، فبالرغم من إيواء سوريا للفصائل الفلسطينية على أرضها، الا أنها دفعت هذه الفصائل جميعها للانشقاق عن "فتح"، والانضمام تحت لوائها لامتلاك أوراق ضغط مهمة تستخدمها وقت الحاجة، خاصة في المفاوضات وطرح الحلول على الطاولة، وليس أدل على ذلك من عدم قيام أي مناوشات عسكرية على الحدود السوريّة الإسرائيلية أو أي عملية تسلل أو تنفيذ لهجمات فدائية إنطلاقاً من الأراضي السورية، فعن أي مقاومة يتحدثون؟!
ولا بد من الإشارة في الملف الفلسطيني إلى أن أصابع الاتهام تشير الى تورط القوات السورية في مذبحة "تل الزعتر" التي راح ضحيتها 3000 لاجىء فلسطيني في لبنان أيام الحرب الأهلية.
أما على صعيد التعاون بين أجهزة المخابرات السورية والمخابرات الأمريكية، فقد كشفت تقارير أن المخابرات الأمريكية قد استعانت بأجهزة مخابرات "صديقة" في المنطقة من ضمنها (سوريا) بعد أحداث سبتمبر/ايلول 2001، في مجال استجواب المتهمين في قضايا الإرهاب واستخدام كل وسائل التعذيب المحظورة في سبيل الوصول إلى معلومات مفيدة، فعن أي ممانعة يتحدثون ؟!
هل هناك من شك في أن المصالح السياسية هي التي تحكم العلاقات بين الدول، وأن المبدا الوحيد الثابت في سياسة هذه الدول هو "الغاية تبرر الوسيلة" حتى لو كانت هذه الوسيلة هي التحالف مع "الشيطان الأكبر" أو مع الدولة الصهيونية نفسها، وأن استخدام شعار المقاومة والممانعة وتأجيج مشاعر الشعوب ضد الربيع العربي ودفع هذه الشعوب للتقوقع داخل إطار نظرية المؤامرة، ما هو إلا خطة استراتيجية تنتهجها هذه الأنظمة، للبقاء في سدة الحكم.