الرئيسة \  واحة اللقاء  \  قمة العشرين: "محاربة الإرهاب"… والاستراتيجية الغائبة

قمة العشرين: "محاربة الإرهاب"… والاستراتيجية الغائبة

18.11.2015
رأي القدس
رأي القدس



القدس العربي
الثلاثاء 17/11/2015
وعد زعماء قمة العشرين التي اختتمت اعمالها في تركيا أمس، بـ "تشديد السيطرة على الحدود وزيادة تبادل معلومات المخابرات والتضييق على تمويل الإرهابيين لكن لم يظهر مؤشر يذكر على تحول كبير في إستراتيجية مكافحة تنظيم الدولة في سوريا" كما قال تقرير لوكالة رويترز.
ومن جهته أكد الرئيس الامريكي باراك اوباما على هامش القمة "انه لن يحدث تغيير في الاستراتيجية الامريكية في محاربة تنظيم "الدولة" بسبب الهجمات الاخيرة"، (دون ان يذكر ماهية تلك الاستراتيجية ان كانت موجودة اصلا).
اما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فقال "إن تمويل تنظيم الدولة يأتي من مصادر في أربعين دولة، من بينها العديد من أعضاء مجموعة العشرين"(..). واضاف إن هذه الدول التي لم يتم الكشف عنها "تحتاج إلى بذل المزيد من الجهود لمنع هذا التمويل وكذلك وقف بيع تنظيم الدولة للنفط والموارد الأخرى."
اما تنظيم "الدولة" نفسه والذي كان الغائب الحاضر في القمة، فكان موقفه واضحا باعتماد استراتيجية جديدة، هي نقل المعركة الى ساحات جديدة اثر الهزائم التي مني بها مؤخرا في سوريا والعراق. ففي غضون الاسبوعين الماضيين فقط، اعلن التنظيم مسؤوليته عن ثلاث عمليات ارهابية كبرى في ثلاث قارات، بلغت حصيلتها نحو اربعمئة قتيل وخمسمئة جريح.
وكان واضحا من البيانات التي اصدرها انه يشن حملة انتقامية بسبب قسوة الهزائم والضربات التي تعرض لها برا وجوا مؤخرا، ما دفعه لاطلاق تهديدات غاضبة منها قيامه بـ "احتلال الكرملين".
ومن غير شك فان هجمات باريس اثبتت ان التنظيم يستطيع الاستفادة من قدرات استخباراتية مهمة مكنته من اختراق منظومة الامن الفرنسية الي كان يفترض انها تعلمت الدرس بعد الهجوم الارهابي الصادم على مجلة "شارلي ايبدو" في صباح السابع من كانون الثاني / يناير الماضي.
ولم تكشف المخابرات الامريكية "سرا امنيا" امس عندما اصدرت تحذيرا من ان التنظيم ربما يحضر لهجمات جديدة في انحاء مختلفة من العالم. لكن الا يتعارض هذا مع تصريحات الرئيس الامريكي ووزير خارجيته الاسبوع الماضي، التي اكدا فيها ان التنظيم "تم احتواؤه" و"ان ايامه اصبحت معدودة"؟
الواقع اننا امام خليط مسموم من الفشل والارتباك والتواطؤ الدولي يسمح للتنظيم باستمرار امتلاك القدرة على المناورة، واختيار الوقت والمكان المناسبين للحركة، فيما يكتفي اغلب المتشدقين بشعار "مكافحة الارهاب" بردود افعال اما مؤقتة او غير فعالة او مسيسة على جرائمه. اذ لا يمكن ان يكون المسؤولون الامريكيون جادين وهم يقولون ان اقوى اجهزة الاستخبارات الدولية تقف عاجزة عن اخذ زمام المبادرة واستباق مثل تلك العمليات الارهابية، ناهيك عن توجيه ضربات عسكرية مركزة تشل التنظيم خلال فترة وجيزة.
ويمكن رؤية هذا الفشل والتواطؤ جليا بفحص الحملة الجوية الامريكية التي دخلت شهرها الخامس عشر، وشنت خلالها أكثر من ستين الف طلعة جوية الا ان ستة آلاف منها فقط شهدت قصفا لاهداف تابعة للتنظيم (..)، بينما كانت عشرون يوما كافية لاحتلال العراق بأسره في العام 2003(وهو الذي افرز الجماعات الارهابية لاحقا).
وحتى بعد توسيع الحملة الجوية بانضمام دول اخرى اليها، ومع الاقرار بحدوث بعض النتائج المهمة على الارض مؤخرا، الا ان تصاعد العمليات الارهابية وتوسعها يظهران بوضوح ان المجتمع الدولي ما زال يفتقر الى استراتيجية شاملة لكسب الحرب ضد الارهاب الذي ينتشر كالسرطان في انحاء عديدة من العالم، بدلا من التركيز على جبهة واحدة في معركة واحدة ضد عدو واحد.
ومن غير شك فان هذه الاستراتيجية لا يمكن ان تكون امنية او عسكرية فقط بل يجب ان تكون ثقافية ايديولوجية سياسية اقتصادية واجتماعية ايضا. ولا يعني هذا التقليل من اهمية الشق الاستخباراتي – العسكري في الحرب على الارهاب، لكن بشرط ان يتحول الى عمل حقيقي على الارض وليس مجرد بيانات صارت "مستهلكة" مع كثرة ترديدها.
والى حين يتسنى بناء هكذا استراتيجية حقيقية متماسكة شاملة لمحاربة الارهاب حقا، وليس "تحجيمه" او "احتواءه" او "توظيفه"، وبمعزل عن اي ظاهرة او ازمة سياسية، سيكون من الصعب رؤية ضوء في نهاية هذا النفق.