الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كامب ديفيد بين إعلان حرب واتفاقية سلام

كامب ديفيد بين إعلان حرب واتفاقية سلام

13.05.2015
أمل عبد العزيز الهزاني


الشرق الاوسط
الثلاثاء 12-5-2015
 ضرب الرئيس الأميركي أوباما موعد لقائه مع قادة دول الخليج في منتجع كامب ديفيد، خلال فترة توقيع إطار الاتفاق النووي لدول "5الثلاثاء 12-5-20151" مع إيران، مما يدلل على أنه يبذل جهدا في تحقيق توازن قوى في المنطقة، دون أن يشعر أي طرف أن واشنطن تميل إلى كفته، فضلا عن أن هذا اللقاء سيطمئن أعضاء الكونغرس المعارضين للاتفاق بأن تحقيق هذا التوازن من شأنه تعزيز الدور القيادي لأميركا في العالم سياسيا واقتصاديا، والمنتجع في انتظار ضيوفه، مستذكرا أنه كان منطلقا لبدء الحرب العالمية الثانية، ولكنه كذلك ضم متصالحين ينشدون السلام، وبين الحالتين يذهب الخليجيون بشعور مسبق بعدم الارتياح.
والمرجح أن يتحاور أوباما مع الخليجيين بالطريقة نفسها التي استخدمها مع الإيرانيين، أي الوصول إلى اتفاق تخرج بعده كل الأطراف وهي تشعر بأنها هي الرابحة. أما الحقيقة، فإن الإيرانيين والخليجيين انتهوا إلى مزيد من الشقاق واحتمال أعلى للتصادم، لأن إيران تشعر بأن الأبواب لا تزال مفتوحة لها للقيام بدورها التوسعي، وأن الخليجيين مستنفرون وغاضبون من اليد المرتخية لأوباما، في اعتقادهم أن في السياسة اليد التي تمسك العصا من المنتصف تقوم بمغامرة غير محسوبة العواقب.
في 2003، أعلن محمد البرادعي رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد صمت غريب، أن إيران لديها المعرفة الكافية لاستخراج اليورانيوم وتحويله وتخصيبه وإنتاج المياه الثقيلة والخفيفة، كما أن لديها منشآت تطوير ومراكز بحوث، في خرق صريح لمعاهدة الانتشار النووي التي وقّعت عليها، حيث لم تعلم الوكالة بهذه الأنشطة، ومع ذلك، والكلام للبرادعي، لا دليل على أن إيران تمتلك كل ذلك بهدف تصنيع أسلحة! البرادعي يقول لنا إنك قد تخلط الدقيق والسكر والبيض والزبد في إناء، لكن هذا لا يعني أنك ستصنع كعكا..! أقل ما قيل عن هذا التقرير إنه كان سخيفا ومثيرا للسخرية، لأنه أظهر الوكالة الدولية وكأنها تعيش في عالم آخر.
بعد تقرير البرادعي لم تستطع أميركا أخذ الموضوع على محمل الجد، أو أنها لم ترد ذلك، لأن الإدارة الأميركية كانت محرجة أمام الرأي العام الدولي بعد كشف حقيقة أن صدام حسين لم يكن يملك سلاحا مدمرا، السبب الذي من أجله دخلت العراق، وبالتالي لم تكن بصدد نقاش الموضوع الإيراني رغم التقارير الواضحة، فدخل الأوروبيون (بريطانيا وألمانيا وفرنسا) على خط التفاوض مع إيران، وتعهدت لهم إيران بتعليق التخصيب لمدة خمس سنوات على أن يقدم الأوروبيون لها المساعدات التقنية لتطوير قدراتها النووية لإنتاج الطاقة، والحماية السياسية بمنع واشنطن من إحالة ملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن.
استمات الأوروبيون لحماية الاتفاق رغم عدم الرضا الأميركي، ثم جاء أحمدي نجاد للسلطة، وخلع الأقفال من بوابات المنشآت النووية، واستأنف العمل غير عابئ بالأوروبيين ولا بغيرهم.
الحقائق التي يذهب القادة الخليجيون إلى كامب ديفيد وهم يدركونها؛ أن إيران على بعد أشهر قليلة من امتلاك قنبلة نووية، بحسب تسلسل عمليات التصنيع، هذا إن لم تكن فعلا قد امتلكتها خلال سنوات التفاوض التي ذهبت سدى. كما أن الاتفاق النووي في رأيهم يشكو من علل واضحة، أولها أنه يؤجل الطموح الإيراني ولا يحسمه، بل يسمح لإيران باسترداد أموالها وعودتها للسوق العالمية، مما يجعلها أكبر قوة للإنفاق على وجودها العسكري في المنطقة، وكذلك أكثر تمكينا حينما تنتهي الخمسة عشر عاما، مما يجعل أمر إعلان إيران نووية لن يتأخر أياما عن هذه المهلة.
لب التخوف الخليجي هو أن إيران سواء نووية أو غير نووية هي تهديد كبير لهم، هذا مختصر الرسالة التي على أوباما أن يفهمها، وعلى الخليجيين أن ينتهزوا فرصة اللقاء للحصول على ضمانات أمنية تتجاوز الموضوع النووي إلى كل ما يمس أمنهم الداخلي. وقد يمكن تذكير الرئيس الأميركي بالدعم الذي قدمته إيران للإرهابيين لخلخلة أمن السعودية والبحرين بشكل رئيسي، من تفجير استهدف مبنى يقيم فيه أميركيون في مدينة الخبر السعودية، منتصف التسعينات، وحتى قبل أيام حينما قبض الأمن على سيارة مفخخة جاهزة للتفجير على الحدود السعودية مع البحرين. لا تزال إيران هي محور الشر الرئيسي والفعال في العالم كما يراه الخليجيون.
الدرع الصاروخية التي تعهد أوباما بتقديمها للخليج هي بالتأكيد خطوة كبيرة من إدارة الرئيس أوباما تحسب له، خصوصا أن الغرب ليس من عادته تقديم مثل هذه الدفاعات النوعية، ولكن ماذا لو أطلقت إيران صاروخها ذا الرأس النووي، وقامت بتفجيره في طبقات الجو العليا، أي لم تستهدف الأرض؟ لن تستطيع هذه الدرع الصاروخية عمل شيء، لكن تفجيرا كهذا سيخلف موجات كهرومغناطيسية كفيلة بتدمير البنية التحية للاتصالات وأجهزة الكومبيوتر وإحداث خسائر اقتصادية هائلة يصعب حصرها. بمعنى آخر، الخليجيون لا يشعرون بالثقة تجاه إيران، وكل محاولات تهدئة سعارها للهيمنة على المنطقة العربية منذ قيام ثورة الخميني باءت بالفشل من جميع الأطراف العربية والغربية.
بعد التحالف العربي في "عاصفة الحزم"، ظهرت إيران عاجزة عن إنقاذ وكلائها الحوثيين، وحينما أعلنت لجنة في الكونغرس مقترح تسليح السنة والأكراد في العراق، انتفضت إيران رعبا من الفكرة رغم صعوبة تحققها، وبمجرد السماح بامتلاك المعارضة السورية سلاحا أكثر تطورا وتدريب عناصرها انهارت دفاعات حزب الله والنظام السوري. كل ذلك يؤكد أن إيران في واقعها ليست دولة قوية، بل منظمة تستقوي بميليشياتها وأفرعها العسكرية، وبمجرد التعاطي معها بالحزم تنتهي إلى السقوط.
الإيرانيون ينتظرون ما يسفر عنه اللقاء، متلهفين لرفع العقوبات الاقتصادية، خصوصا أنهم وقعوا تحت تأثير الاستعراض العسكري المهيب الذي قدمه فلاديمير بوتين قبل أيام في ذكرى عيد النصر على النازية في الحرب العالمية الثانية. الإيرانيون يطمحون لمثل هذا الاستعراض القومي بعد سنين قليلة، متباهين بحصاد عملهم خلال 35 عاما من بناء عسكري ساهم فيه الغرب أكثر مما ساهمت فيه كوريا الشمالية وروسيا، فارضين أنفسهم كقوة عالمية بالنووي ومن دونه.