الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كم سنة إضافية يلزم لميشال سماحة؟

كم سنة إضافية يلزم لميشال سماحة؟

19.01.2016
وسام سعادة



القدس العربي
الاثنين 18/1/2016
التناسب بين الجريمة والعقاب هو في أساس التفريق بين العقاب وبين الجريمة. العدالة مسألة مقلقة بالفعل، أو هكذا وجب لها أن تكون، ما دام التناسب بين الجريمة والعقاب أمرا لا يتحقق تلقائياً، ولا يتحقّق أبداً من دون هذا القلق نفسه.
الإفراج عن الوزير السابق ميشال سماحة من قبل القضاء العسكري اللبناني في مقابل كفالة، وقبل انتهاء مدة محكوميته، ورغم طلب وزير العدل التمييز في الحكم، ومع كون جرمه لا يقلّ عن التحضير لهجمات إرهابية كانت تستهدف تفجير الصاعق الإسلامي (السني) ـ المسيحي في منطقة الشمال واغتيال المفتي، وربما أيضاً البطريرك الماروني، بأمر من "علي والرئيس" (بشار الأسد وعلي مملوك) هو مثال حي عن انعدام مثل هذا القلق.
انصب الغضب الشعبي والسياسي في الأيام الأخيرة على ادانة استنسابية الأحكام والسجن (بين شباب يودع فترة طويلة في السجون بلا محاكمة، وبين إرهابي دولي ينقل متفجرات من بلد إلى آخر طلباً لقتل الناس، ودفعاً للناس إلى التناحر)، وعلى شجب مطواعية المحكمة العسكرية لمشورة "حزب الله" ومنظومته، والمطالبة بحل هذه المحكمة (التي أحيل اليها قبل شهرين شباب متظاهر على خلفية أزمة النفايات من قبل الطرف نفسه الغاضب، عن وجه حق هذه المرة، على هذه المحكمة)، وعلى الاشمئزاز من سماحة المطلق سراحه، الذي أظهرته ردات فعله تجاه الصحافيين بعد الإفراج عنه، كم أنه بعيد تماماً عن أي تندّم (التقارير السابقة التي نشرتها الصحف أيام التحقيق كانت تفيد أنه أجحش بالبكاء في يقظة ضميرية مزعومة). وكلها أسباب وجيهة للغضب، يضاف اليها طبعاً ما تميز النائب نديم الجميل بالاشارة اليه، ومفاده أن انقسام الخط الاستقلالي (السابق؟ الموسمي؟ الفري لانس؟) بين يرى ترشيح حليف ميشال سماحة سليمان فرنجية، وبين من يناور بترشيح حليف سماحة الآخر ميشال عون، يوفّر الغطاء لإخلاء السبيل. وكلها أسباب وجيهة للإدانة والغضب. يبقى أنّ مشكلة اللاتناسب بين الجريمة والعقاب لا تختزل في كل هذا، وتبقى أخطر من كل هذا، لأنها تشير إلى هزالة أساسية لفكرة القانون في لبنان.
بمعنى آخر، أربع سنوات لميشال سماحة غير كافية قياساً على ما ارتكبه. ولو كانت كافية لما كان حرمانه من حقوقه المدنية بعدها وجيهاً. قضية تستلزم الحبس أربع سنوات ليس الا، لا تستأهل حرمان الشخص من حقوقه المدنية. لكن في المقابل، كم من الأعوام الإضافية لزم لسماحة، كي يعتبر الغاضبون عن حق اليوم، بأن التناسب تحقق بين الجريمة والعقاب؟ مضاعفة المدة؟ خمسة عشر عاماً؟ مؤبد؟ العقوبة القصوى؟ عندما يطالب الناس بإعادة محاكمته ما الذي يطالبون به بالتحديد؟ سيقولون لك سنتركها للقضاء؟ أم سيقولون لك أن القضية الآن لم تعد سماحة بل حل المحكمة العسكرية نفسها؟
التناسب بين الجريمة والعقاب ليس أمراً يحدث من تلقائه. ليس هناك تسعيرة عقابية محددة بشكل ثابت ومسبق لكل جريمة منتزعة من سياقها. وللعقاب كذلك الأمر لحظته وسياقه. التناسب بين جريمة معينة وعقاب عليها هو جزء من منظومة تناسبية بين عدد من الجرائم ومن العقوبات عليها. التذرع بـ"تقنية" ما للدفاع عن قرار تخلية سبيل سماحة هو هزل محض. لكن اعادة التوازن للعلاقة بين الجرائم والعقوبات لا يمكن أن تحدث بـ"معالجة تقنية" أخرى، بتعديل في "الجدول".
و"حزب الله" يدعو لاحترام قرار المحكمة العسكرية. في تصوره أنها لعبة ميسر، والشخص ميشال سماحة فاز في الكازينو، ويمكنه أن يرحل بحرّ ماله، ومن خسر فعليه بفروسية اللعبة. لكن البديل لا يكون بالمطالبة بتعديل آلة القمار نفسها. البديل يبدأ من تبديد التصور "الميسري" للعدالة.
هذا التصور الميسري للعدالة هو الذي يمكنه أن يتسامح مع أنواع مختلفة من اللاتناسب بين الجرائم والعقوبات. جرائم غير معاقب عليها. عقوبات على جرائم لم ترتكب. عقوبات تزيد كثيراً عن الإرتكابات. عقوبات واهية قياساً على درجة العقوبات. في بلدان أخرى، ثمة نمط من هذه اللاتناسبات تغطي على الأخرى، أما في لبنان فتتجاور كل هذه الأنماط بشكل "متناسب" فيما بينها، وكل هذا يسمح لكل واحد بأن يقول في لحظة ما "لماذا أنا وليس هو".
انعدام التناسب بين الجريمة والعقاب هو المقلب القضائي، الجنائي، من انعدام العقد الإجتماعي. وجود كل أنماط اللاتناسب في مجتمع ما في وقت واحد يعطي الامكانية لحزب كـ"حزب الله" أن يحرّك الوشائج بين الجرائم والعقوبات كما تُحرّك الدمى.
في الأساس، ما كان ينبغي لميشال سماحة، قياسا على ما أرتكبه، أن يحال إلى القضاء العسكري، بل إلى المجلس العدلي. هذا خطأ أساسي نظرياً، لكنه عملياً غير أساسي لهذه الدرجة: للحزب المسلح قدرة التحريك نفسها في كل أنحاء منظومة اللاتناسب القضائي بين الجرائم والعقوبات. كان أصعب تهريب الملف تهريباً في المجلس العدلي، لكن الحكم كان سيكون مبرماً (المجلس العدلي في فترة الوصاية السورية تأثر بها أيما تأثر، ولو أن "كاليبر" قضاته يبقى أرفع من كاليبر قضاة "العسكرية"). في القضاء العسكري، الترجمة الفورية لمراد الحزب أسهل، لكن حجة المحكمة العسكرية كمحكمة استثنائية، وضعيفة صلاحية النظر في هذه القضية، تجعل اطلاق السراح ليس آخر المطاف. لكن لا حل بعدها للمشكلة الأساسية: كم من السنوات الاضافية يلزم لإشباع العدالة بازاء ميشال سماحة؟ خمس، عشر، عشرين، ومن يقرّر؟
ندور حول نفس النقطة، طالما أن منظومة اللاتناسب القضائي شاملة، بمستوياتها كافة، وطالما أن حزباً مسلحاً هو السباق في تحريك الدمى، علماً أن الآخرين أيضاً عندما يستطيعون تحريك محرّك، لا يقصّرون، ولكن هيهات المقارنة. مثل هذه المقارنة يحرّكها جو الحزب غالباً. بعد آخر من أبعاد "اللاتناسب".
٭ كاتب لبناني