الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كفيل سعودي لجنود أمريكا الأكراد (والعرب) في سوريا!

كفيل سعودي لجنود أمريكا الأكراد (والعرب) في سوريا!

03.06.2018
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
السبت 2/6/2018
انصاعت السعودية لتهديدات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي طالبها فيها بتحمّل الأعباء المالية التي تدفعها واشنطن للميليشيات الكردية الموالية لها وإلا قام بسحب قوّاته.
وسواء اقتنع السعوديون فعلاً بأن ترامب يريد سحب قوّاته تاركاً الساحة السورية لخصم المملكة اللدود: إيران، ولروسيا وتركيا (والنظام طبعا)، أم أنهم يعرفون أن الأمر ابتزاز ماليّ مكشوف وأن عليهم التجاوب معه صاغرين، فقد شهدنا بدايات فعلية لتدخّل سعودي (وإماراتي) بدأ بلقاء بعض قادة الأكراد الذين تموّلهم وتسلحهم الولايات المتحدة، في الرقة، والواضح أن ذلك أثمر اتفاقاً هجينا لا يُفهم منه إن كان التمويل الأمريكي للأكراد وحلفاء عشائريين عرب معهم صار من مسؤولية السعودية أم أن المطلوب من أولئك الكرد والعرب أن يعملوا كمقاولي أنفار للتنظيم السعودي الجديد الذي سيتكفّل مهمة "حراسة" الحدود لمنع دخول الإيرانيين، وربما لصد الأتراك أيضاً أو إشغالهم بهذه المعادلة العسكرية ـ السياسية المستحدثة.
اشتهر لدى أكراد العراق في سبعينيات القرن الماضي مصطلح "الجحوش"، والذي أطلقه الأكراد على الذين يقاتلونهم من أبناء شعبهم لصالح قوميّة أخرى، وكانت المعادلة في تلك الأيام تنوس بين نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، والسلطات الإيرانية، وهو أمر ظل ثابتا اثناء حكم الشاه وبعد سقوطه وتأسيس الجمهورية الإسلامية.
بعد انطلاق الثورة السورية عام 2011 انحاز أكراد حزب العمال الكردستاني التركي، لصالح النظام السوري، وفتكوا بخصومهم السياسيين من الأكراد، ولكنّ اللقب العراقيّ الشهير لم يطلق عليهم لأن "الغلّة" كانت وافرة، كما كانت التبريرات الأيديولوجية جاهزة، فالحزب الذي كبار قادته أتراك، اعتبروا أن الصراع الأكبر هو مع الدولة التركية وليس مع النظام السوري الذي سلّمهم مناطق كبيرة في الحسكة والقامشلي ليكونوا "حراس الحدود" مع تركيا، وليبعدوا الأكراد السوريين عن أشقائهم الثائرين على النظام. لقد استعملهم نظام الأسد لكنّهم راهنوا أيضاً على جريان الرياح العالمية لصالحهم عاملين بقوة على تأسيس دولة كرديّة وتوطيد أركانها في سوريا لتكون عونهم وقاعدتهم في كردستان تركيا والعراق، وبعد فشل الخطط الأمريكية الخجولة لدعم أقسام من المعارضة السورية صار الأكراد خيار أمريكا المفضّل وأداتهم لتنفيذ أجندتهم في مقاتلة تنظيم "الدولة" ولو كان ذلك على حساب العلاقة الاستراتيجية مع تركيا، أو مصالح السوريين أنفسهم.
حدث التدخّل السعودي يبدو تكبيراً لكاريكاتور غير معقول، فالمملكة تنوء تحت أعباء مالية وعسكرية طائلة، وهي تخوض حرباً دموية باهظة الأكلاف المادية والبشرية في اليمن، وإلزام ترامب لها بـ"الدفع" للقوات الكردية يجعل منها كفيلاً بغير إرادتها لتنظيمات لا تأتمر بأمرها بل بأوامر الأمريكيين رغم أنها ستدفع رواتب جنودها، أما القوات الكردية (ورديفها العربيّ الهزيل) فستكون (ظاهريا على الأقل) في حالة تابع التابع ومأمور المأمور، وستضطر، سواء لحفظ راتب جنودها المتواضع، أو لمجاراة الكفيل السعودي، للتحول إلى حرس حدود، وهو مآل بائس لتنظيم ماركسي لينيني تموّله "الامبريالية الأمريكية"، ودول عربية تدور في فلكها، على جاري مجرى السرديّات الأيديولوجية اليسارية التي صارت مهزلة ما بعدها مهزلة.