الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لاعب جديد في الحرب على الإرهاب؟

لاعب جديد في الحرب على الإرهاب؟

19.12.2015
بكر صدقي



القدس العربي
الخميس 17/12/2015
الولايات المتحدة تقود تحالفاً يضم ستين دولة لمحاربة تنظيم الدولة المسمى "داعش"، بينها دول عربية وإسلامية وقعت، البارحة، على بيان تأسيس "تحالف إسلامي" بقيادة المملكة السعودية "لمحاربة الإرهاب بكافة أشكاله"، بينها عشر دول عربية تخوض حرباً في اليمن، بقيادة السعودية أيضاً، ضد الحوثيين والقوات الموالية للمخلوع علي عبد الله صالح، منذ شهر آذار من العام الجاري. أضف إلى ذلك "تحالف رباعي" بين روسيا وإيران والحكومة العراقية ذات الثقل الشيعي ونظام البراميل والكيماوي القابع في دمشق، الذي يحارب داعش جناحُهُ الإيراني – العراقي الشيعي، فيما يقاتل جناحه الروسي ـ الكيماوي الجيشَ الحر والشعب السوري في سوريا. وفي غضون ذلك تحارب القوات التركية "إرهابها الخاص" ممثلاً بحزب العمال الكردستاني وحاضنته الاجتماعية الكردية في جنوب شرق تركيا، وامتداداتهما في كل من سوريا والعراق، وإن كان ذلك بصورة متقطعة بالنسبة لهذه الامتدادات.
صعود العامل السعودي في التوازنات الاقليمية، منذ التغيير الذي شهدته النخبة الحاكمة في الرياض، يشكل أبرز مؤشرات السعي إلى ملء الفراغ الكبير الذي نشأ من الانسحاب الأمريكي من هذه المنطقة من العالم. فقد انتهى، ربما إلى غير رجعة، زمن اعتماد "العالم العربي السني" على الحماية الأمريكية، ودخلنا مرحلة التحالفات الإقليمية الكبيرة المتركبة على الانقسام السني ـ الشيعي. وفي حين تسعى الإدارة الأمريكية إلى تنظيم انسحابها بأقل الخسائر، من زاوية نظر مصالحها القومية، يدخل العامل الروسي بزخم كبير لمصلحة المحور الشيعي بصورة غالبة، ويتفق الجميع على ضرورة مخاربة داعش ومنظمة القاعدة، ليختلفوا، بعد ذلك على كل شيء آخر.
يبدو موقف تركيا، وحدها بين الدول الإقليمية الأخرى الفاعلة، كمن يغرد خارج السرب بسبب رائزها الكردي بصورة رئيسية، في حين تم تدوير الزوايا الحادة، إلى حد كبير، بين المحور القطري ـ التركي والقيادة السعودية. ومن المحتمل أن تركيا باتت أسيرة لدى الحلف الأطلسي بسبب التوتر الروسي – التركي الذي لا يبدو أنه في طريقه إلى الانخفاض، لأن الدب الجريح بعد إسقاط تركيا لطائرة السوخوي، الشهر الماضي، يواصل تصعيد الموقف بمختلف الاستفزازات اليومية ضد تركيا. وأضيف إلى ذلك موقف الحكومة العراقية الموالية لإيران من موضوع القوات التركية المتمركزة قرب الموصل، ليزيد من ضغوط التحالف الرباعي على أنقرة التي تُرِكَت وحيدة في أزمتها العراقية، وربما انتهت أحلامها المتعلقة بالمنطقة الآمنة بين جرابلس وإعزاز شمال حلب، بصورة نهائية، بسبب خذلان واشنطن للرئيس أردوغان.
تتعرض المنطقة المذكورة، منذ شهر وإلى الآن، إلى ضغط عسكري متعدد الأطراف بهدف القضاء على الجيش الحر والفصائل التركمانية والإسلامية المدعومة من تركيا. فمن جهة الشرق تهاجمها قوات داعش، ومن الغرب قوات وحدات الحماية الشعبية التابعة لـ"مجلس سوريا الديمقراطية" الذي تشكل مؤخراً برئاسة هيثم مناع، ومن الجنوب قوات النظام السوري والميليشيات الشيعية الحليفة، ومن الجو الطيران الروسي.
لم تنفع زيارة رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني إلى أنقرة في رأب الصدع بين الحكومة التركية والتيار الأوجالاني، ولا في حماية الدور العسكري التركي في الموصل، فاضطرت القوات التركية المؤللة إلى الانسحاب من باشيكا إلى اقليم كردستان، في حين بدأت الحكومة التركية بحملة عسكرية واسعة ضد المدن والبلدات الكردية في جنوب شرق الأناضول، أدت، إلى الآن، إلى نزوح نحو مئتي ألف من السكان إلى مناطق أخرى أكثر أماناً. وبالنسبة للمنطقة الآمنة التي أرادت تركيا إقامتها بين جرابلس وإعزاز، فقد بدأت تركيا بإنشاء جدار عازل بارتفاع أربعة أمتار، بدءًا من المنطقة المحاذية لجرابلس، على أن يغطي حدود "المنطقة الآمنة" المأمولة سابقاً.
في ظل هذه الشروط من المحاصرة المزدوجة من المحور الروسي – الإيراني من جهة، والولايات المتحدة والناتو من جهة أخرى، ومن الانكفاء التركي إلى صراعها الداخلي مع الكرد، من المستبعد أن تلعب تركيا دوراً فاعلاً في التحالف الإسلامي ضد الإرهاب، وخاصة لجهة المشاركة في قوات برية للحلف في أي تدخل محتمل من التحالف الجديد في سوريا أو العراق. بالمقابل من المحتمل أن يتم تعويم الدور المصري عن طريق إطلاق يدها في ليبيا في الحرب على "الإقليم الجنوبي" (إذا استعرنا المصطلح الناصري التاريخي) لدولة داعش، بغطاء إسلامي ـ دولي ـ ليبي بعدما تسارعت خطوات تشكيل حكومة وحدة وطنية في ليبيا.
المفاجأة السعودية الجديدة التي تم إعلانها على لسان محمد بن سلمان بن عبد العزيز بتشكيل التحالف الإسلامي ضد الإرهاب "بكافة أشكاله"، تعززت بتصريحات وزير الخارجية عادل الجبير الذي تحدث عن احتمالات الدخول البري في الحرب على داعش. واشترط الجبير لهذا التدخل التنسيق مع الحكومة الشرعية في كلا البلدين. فإذا كان من الصعب توقع موافقة حكومة بغداد الموالية لإيران على تدخل بري تقوده السعودية، يبدو الرهان السعودي بالنسبة لتدخل بري محتمل في سوريا منوطاً بتشكيل حكومة انتقالية في دمشق وفقاً لمسار فيينا، بما أن الرياض لا تعتبر النظام الكيماوي شرعياً، ولا أحد يتوقع من هذا الأخير أن يرحب بهذا التدخل حتى لو اقتصر هدفه على قتال داعش.
التصريحات الأولية من واشنطن تبدو كأنها مرحبة بتشكيل التحالف الإسلامي الجديد، في حين يتحدث وزير الخارجية جون كيري بثقة عن تفاهم مع موسكو بشأن حل الصراع في سوريا، وبات مؤكداً حضور جميع دول مسار فيينا اجتماع نيويورك يوم الجمعة القادم.
التزاحم العسكري على المنطقة، سوريا والعراق بصورة خاصة، هو صراع كسر عظم لتحديد ملامح التسوية القادمة التي ستحدد التوازنات بين القوى الاقليمية والدولية للحقبة الجديدة. لا أحد يدري كم تتطلب هذه التسوية من الدماء والخراب.
٭ كاتب سوري