الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لعبة الكبار

لعبة الكبار

03.12.2015
أحمد الدثني



القدس العربي
الاربعاء 2/12/2015
قد تبدو جرأة تركيا لإسقاط المقاتلة الروسية التي تقول إنها أخترقت مجالها الجوي خطوة شجاعة لابد منها وتبعث بالحماسة عند الكثيرين.
فبالرغم من أن لتركيا حق الدفاع عن أجوائها إلا أن تكرار الاختراقات الروسية لتلك الأجواء التي اعتبرتها انقرة استفزازاً غير مقبول قد أخضع تلك الانتهاكات لمشاورات جادة مع حلف الناتو الذي يُرجح أنه قد حثها وشجعها للرد بقوة.
ولكن كتحالفات عسكرية قوية ودول لها ثقلها السياسي والاقتصادي والعسكري تستند في كثير من تصرفاتها للوائح وأعراف دولية معتَبرة لا يزال هذا التصعيد معقولاً إن لم يخف في ثناياه مؤامرة دولية خطيرة قد تغير تداعياتها خريطة العالم برمته. فالإرهاب الذي يتبناه الإعلام واقتنع الكثيرون بوجوده لم يعد هو الإرهاب الذي عهدناه، بل أن دول التصنيع العسكري على وشك توسيع مفهوم الإرهاب الذي تعتزم توحيد قوتها لمحاربته ليشمل كل مُسلم.
يأتي هذا التطور بعد أن تجاوز سقف مصالح الدول الكبرى حدود النفوذ المألوفة التي اعتادوا التنافس من أجلها ليرقى إلى مواجهة ما يظنونه عدوهم المشترك. فالإسلام اليوم في نظر دول التصنيع الحربي كافة هو الإرهاب الحقيقي الذي يتهيأ لهم استنشاق رائحة خطورته واستحسنوا بعثها بين شعوبهم لكسب تأييدهم.
فإذا صدقت هذه الرؤية فلابد أن أصحابها قد أجمعوا أمرهم ووحدوا كلمتهم ليتخذوا من الإسلام عدوٌاً مشترك لهم ومن تركيا رأسا يمثل إدارته. وما انتقادات دول الناتو للتدخل الروسي في سوريا إلّا لمضاعفة عماء المسلمين وتشتيت كلمتهم.
إن العالم اليوم أمام تكوين تحالفات جديدة تتحد فيها كل قوى الشر لمحاربة ما يعتبرونه إرهاباً يتخلى الناتو بموجبها عن تركيا التي أاتهمت بدعمها للإرهاب في بداية الأزمة السورية وستتهم اليوم رسمياً بقيادتها للإرهاب.
إن التخوّف من نظرية المؤامرة العالمية لمحاربة الإسلام ينبع من حقائق لها ارتباطات بالتطورات الدولية الراهنة. فقد كان التدخل الروسي في سوريا مفاجئا وبقوة غير مسبوقة واجهته انتقادات غربية حادة لم تغير شيئا في مساره ولا في وقوته، بل أن روسيا اظهرت عدم مبالاتها بقوة الدول التي سبقتها على الأجواء السورية مما يوحي باتفاقات مسبقة.
ومن المعروف أن تركيا التي كانت تقود العالم الإسلامي في يوم من الإيام هي الدولة الإسلامية الوحيدة بين أعضاء حلف الناتو وقد بدأت تبتعد بوضوح عن منهج دول الحلف العلماني وتقترب يوماً بعد يوم من النهج الإسلامي.
كما أن الناخب التركي أثبت للعالم بفضل النظام الديمقراطي الذي تتمتع به تركيا نبذه للأنظمة العلمانية ورغبته الجامحة في نظام إسلامي وهو ما تعتبره معظم دول العالم توجها متطرفا خطيرا يجب إخماده في المهد. وما تدخل حاملة الطائرات الفرنسية في المواجة إلا لمحاربة الإرهاب غير التقليدي المتمثل في الإسلام والدول المسلمة. لقد دعت تركيا لاجتماع طارئ لحلف الناتو لمناقشة تداعيات إسقاط الطائرة الروسية، ومن المفروض بموجب اتفاقيات الحلف أن يصدر بيان يدين الانتهاكات الروسية لأجواء الحلف ويتعهد بحمايتها.
ولكن يبدو أن المؤامرة التي تبنّى الكبار نسج خيوطها قد اكتملت وآن لهم البدء بتنفيذها، ولذلك لا عجب أن يكون بيان الحلف مخيبا لآمال تركيا وخذلانا لها. عندئذ ستضطر تركيا للدفاع عن نفسها.