الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لقاء بطرسبورغ بعد معركة حلب والعيون شاخصة نحو واشنطن

لقاء بطرسبورغ بعد معركة حلب والعيون شاخصة نحو واشنطن

13.08.2016
بكر صدقي


القدس العربي
الخميس 11/8/2016
حققت الفصائل العسكرية المعارضة إنجازاً عسكرياً كبيراً بفك الحصار عن حلب، وفي زمن قياسي. وكشفت هذه المعركة مدى هشاشة قوات النظام الكيماوي في المدينة. الأمر الذي يثبت، مرةً أخرى، أن إيقاع الهزيمة به ليس بالأمر الصعب إذا توفرت الشروط الملائمة. يبقى السؤال الذي لا نعرف له جواباً هو: من هي الجهة الإقليمية أو الدولية التي "سمحت" بهذا الانتصار الكبير، إن لم نقل ساعدت عليه؟ وإلى أي مدى مسموح للفصائل المعارضة المضي قدماً نحو دحر النظام في مناطق سيطرته في المدينة؟
ربما شكل انتصار حلب ورقةً مهمة في يد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في الشق السوري من مباحثاته مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين. ما خرج إلى العلن، إلى الآن، من المباحثات السورية للرئيسين، هو الاتفاق على تشكيل آلية ثلاثية للتنسيق الميداني في سوريا: عسكرية ـ استخباراتية ـ دبلوماسية. فقد كان ضمن الوفد المرافق لأردوغان، في زيارته، ممثل عن المؤسسة العسكرية ورئيس جهاز الاستخبارات القومي هاكان فيدان. وصرح وزير الخارجية مولود شاويش أوغلو قائلاً إن الطرف الروسي طلب من تركيا تحديد المناطق التي على الطيران الروسي ألا يقصفها. وذلك استجابةً لطلب تركيا بعدم قصف المنشآت المدنية والفصائل العسكرية المعتدلة.
لا يمكن فهم هذه "المرونة" الروسية أمام الطلبات التركية إلا من منظار معركة حلب التي وضعت بوتين في موقف لا يحسد عليه. فبعدما كان وزير الدفاع الروسي شويغو يحدد المعابر لخروج المدنيين من حلب المحاصرة، ويطلب من الفصائل العسكرية الاستسلام وإلقاء السلاح، جاءت معركة فك الحصار كضربة موجعة للعنجهية الروسية، قبل النظام الكيماوي نفسه. ولا بد لروسيا من مراجعة حساباتها في سوريا بعد هذه المعركة.
النقطة الثانية هي أن أهمية السيطرة على حلب، بالنسبة لروسيا، كانت، قبل أي اعتبار آخر، بهدف إخراج الخصم التركي من معادلات الصراع في سوريا، ولي ذراع أردوغان المنشغل بتداعيات الانقلاب العسكري الفاشل ضده. أما وقد انقلبت الموازين العسكرية، بعد معركة فك الحصار، فمن المحتمل أن تتخلى موسكو عن هذا الهدف وتسعى إلى تفاهمات مع أردوغان، بعد تتويج تطبيع العلاقات بين البلدين بزيارة سان بطرسبورغ، للخروج من مأزق حلب بأقل الخسائر.
التقى الرئيسان التركي والروسي وعيون كليهما شاخصة إلى واشنطن. فليس سراً أن التفاهمات الأمريكية ـ الروسية حول سوريا عادت إلى نقطة الصفر، بعدما ضاقت واشنطن ذرعاً بمسلسل الخداع الروسي منذ بداية الاتفاق حول "وقف الأعمال العدائية" في سوريا، نهاية شهر شباط/فبراير الماضي. ولم توافق موسكو، بعد، على العرض الذي قدمه وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، قبل شهر، بصدد التعاون العسكري بين الجانبين لضرب داعش والنصرة، مقابل تخلي الروس عن ضرب الفصائل التي تعتبرها واشنطن معتدلة، وتحييد سلاح طيران النظام الكيماوي.
بعد فك الحصار عن حلب الشرقية عاد الأمريكيون إلى الحديث عن امتناع الحسم العسكري وضرورة الحل السياسي، بما يعنيه ذلك من انتهاء صلاحية السماح للمعارضة بالتمدد الميداني على حساب النظام. فمعركة فك الحصار، بالنسبة لواشنطن، لا تعدو كونها إعادة للتوازن الميداني الذي كان قائماً قبل الحصار.
بهذا المعنى يمكن القول، استناداً إلى تصريحات شاويش أوغلو، إن روسيا استجابت لبعض الشروط الأمريكية من البوابة التركية. سنعرف في الأيام القادمة كم ستنعكس التفاهمات الروسية – التركية على نظيرتها الأهم: أي الروسية ـ الأمريكية. فبالنسبة لكليهما بات الوقت داهماً بسبب اقتراب نهاية ولاية باراك أوباما وإدارته. يسعى جون كيري، في هذا الوقت الضيق، إلى تحقيق إنجاز سياسي ما، في المسألة السورية، بالتفاهم مع روسيا. وأظهرت معركة فك الحصار لموسكو أن الوقت الضيق المتبقي أمامها قبل رحيل هذه الإدارة المتعاونة لن يكفيها لتغيير المعادلات الميدانية. فالروسي أيضاً يستعجل عقد جولة جديدة من مفاوضات جنيف، في إطار القرار الأممي الذي وضع برنامجاً زمنياً للانتقال السياسي. الخيار الآخر أمام روسيا هو الغرق في مستنقع الحرب السورية إلى أمد غير منظور مع عدم وجود ضمانة لاستمرار الإدارة الأمريكية التي ستأتي بعد الانتخابات الرئاسية، على نفس منوال سياسة أوباما السورية. بل إن التوقعات الشائعة اليوم في واشنطن تتحدث عن سياسة متشددة تجاه النظام الكيماوي إذا فازت كلينتون في الانتخابات الرئاسية.
أردوغان أيضاً عينه على واشنطن، في لقائه مع بوتين. فليس خافياً تردي العلاقات الأمريكية ـ التركية، طوال العامين الماضيين، على خلفية تحالف واشنطن في سوريا مع "قوات حماية الشعب" التابعة للفرع السوري لحزب العمال الكردستاني. وازداد هذا التردي أكثر بعد الانقلاب العسكري الفاشل الذي تتهم أنقرة حركة فتح الله غولن بتدبيره، وتطالب واشنطن بتسليمها الداعية الإسلامي الموجود في ولاية بنسيلفانيا، وفتور الجانب الأمريكي في التجاوب. ويأمل الرئيس التركي في أن تشكل زيارته لروسيا نوعاً من الضغط على واشنطن، من خلال الإيحاء بوجود خيارات استراتيجية أخرى لدى تركيا، غير تحالفها التقليدي مع الغرب في إطار حلف شمال الأطلسي. ففي تصريحاته حول نتائج زيارة أردوغان إلى بطرسبورغ، قال شاويش أوغلو، أيضاً، إن من حق تركيا تطوير صناعاتها العسكرية مع روسيا، لأن شركاءها الأطلسيين رفضوا التعاون في هذا الموضوع.
لكن واشنطن لا تبدو مهتمة بهذه المحاولات التركية لابتزازها. بل لعلها تدفع تركيا، بصورة غير مباشرة، إلى التقارب مع روسيا، كما يفترض بعض المحللين الأتراك الذين حذروا القيادة التركية من لعب ورقة العلاقات مع موسكو ضد الحلفاء الأطلسيين.
 
٭ كاتب سوري