الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا تراجع تنظيم "الدولة الإسلامية" في كوباني وتل أبيض؟

لماذا تراجع تنظيم "الدولة الإسلامية" في كوباني وتل أبيض؟

21.06.2015
وائل عصام



القدس العربي
 السبت 20-6-2015
إنها الديموغرافيا.. نفسها طويل! فالمدن والقرى الكردية في جيوب الشمال السوري تبقى بيئة مستعصية على "تنظيم الدولة"، وإن دخلها بالقوة فإن بقاءه لا يستمر طويلا فيها، صحيح أن التحالف لعب دورا مفصليا بالقصف الجوي، لكن تبقى للقوة المقاتلة على الارض وللحاضنة السكانية الدور الأهم..
وعلينا أن نتذكر أن قصف التحالف الذي ساهم في استعادة المقاتلين الاكراد للمدينتين، فشل حتى الان في استعادة معظم المدن والقرى السنية، وفشل في منع سقوط الرمادي، رغم حملة كثيفة شنت قبل سيطرة التنظيم على الرمادي، وحتى صمود الرمادي ومثلها الضلوعية الاشهر بوجه التنظيم، كان بفضل مقاتلين أشداء قبليين من العشائر، لكن الفارق أن كل ما يحيط بالرمادي من قرى سنية، وفر دعما هائلا لـ"تنظيم الدولة"، بينما كثير مما يحيط تل أبيض من قرى كردية وفر دعما للقوات الكردية. فخطوط الإمداد تلعب دورا فارقا في معارك كهذه تتعاضد فيها أدوار الحاضنة السكانية مع القوة العسكرية، وما ينتج عن تلاقيها يعطي محصلة المنتصر في المعركة، فالقوة العسكرية المجردة، وتلك المرتبطة بالعقيدة القتالية، والديمغرافية السكانية المرتبطة بتوجهات الحاضنة الاجتماعية، والجغرافيا من (جبال أو سهول وموانع طبيعية كالأنهار والبحار أو البناء الافقي أو العمودي) هذه عوامل تلعب دورا كبيرا في ترجيح كفة فريق على آخر.
القوة العسكرية المفرطة للقصف الجوي من الناحية النظرية يمكنها تدمير قرية معارضة بالكامل ومسحها، لتمهد لاستيلاء قوة ارضية خارجية عليها، لكن هذا سيكون انتصارا وسيطرة وقتية قصيرة العمر، لان الديمغرافية السكانية المعادية ستعيد انتاج قوة عسكرية محلية وتنجح بسهولة بطرد القوة المحتلة، التي لن تجد هذه المرة غطاء جويا يدعمها بقوة تدميرية، كما في السابق، وهذا ما حصل في الفلوجة بين اعوام 2004 إلى 2011.. والفرق مع حالة كوباني وتل أبيض أن الديمغرافية السكانية الكردية المؤيدة للقوات البرية دعمت وحافظت على مفاعيل القوة العسكرية التي مارستها قوات التحالف جويا، صحيح أن كوباني وقراها خليط بين العرب والكرد، وتل أبيض مقسومة مع قراها بين العرب والكرد، لكن الخليط يخلخل الحاضنة الشعبية للقوة البرية، وإن كانت عقائدية شرسة، ويفقدها قدرتها على التوازن مع عامل القوة العسكرية الخارجية المتمثلة بالقصف الجوي..
وهذا تماما ما حصل مع "تنظيم الدولة" في محافظة ديالى، فاختلاط قراها بين السنة والشيعة والكرد الشيعة (الفيليين) جعلها بيئة منقسمة ترجح كفة من يملك القوة العسكرية المجردة، ضد المقاتلين العقائديين الاشداء..
نعود لجيوب الكرد شمال سوريا، التي اتحدت لتمنح الكرد فرصة جديدة لتحقيق حلمهم بوطن قومي، وهو حق لهم ما دام ملتزما بحدود وجود الشعب الكردي، بدون اعتداء أو تهديد لمناطق العرب السنة المجاورة، وهو ربما اقلق "تنظيم الدولة" مبكرا ليهاجم كوباني محاولا قطع اوصال هذا الكيان، فـ"تنظيم الدولة" وهو الكيان السني الوحيد الذي يفكر بمشروع السنة العابر للحدود من العراق لسوريا استشعر مبكرا مشروع الكرد العابر للحدود بين سوريا والعراق، واعتبره خطرا يهدد خاصرة الكيان السني الشمالية، ولعله يخشى من أن يتحول مستقبلا لمنطلق لقوات تهاجمه من المناطق الكردية تمولها الولايات المتحدة والغرب والانظمة العربية، ولذلك اراد إضعاف هذا الكيان بالسيطرة على كوباني ليمنع تواصل الكيان من القامشلي والحسكة حتى عفرين.. ولكن واقع الارض مدعوما بقصف التحالف كان اقوى منه بالنهاية، إذ سيصطدم هذان العاملان غرب كوباني بعاملين مجتمعين تصعب مقاومتهما من قبل الاكراد والقصف الجوي، وهما يتجهان نحو عفرين، وهما الجغرافيا المتمثلة بسد طبيعي هو نهر الفرات الذي اوقف زحف الاكراد غرب كوباني باتجاه عفرين، والحاضنة السكانية الموالية الخالية من اي قرى كردية تقريبا غرب الفرات، حيث مدينتان باتتا من معاقل التنظيم بريف حلب الشمالي، هما منبج وجرابلس، ويستبعد أن تنجح قوات التحالف والاكراد في التقدم اكثر في هذه المنطقة بعد نهر الفرات، ولو تساءل احدهم قائلا ولماذا لا تمارس الولايات المتحدة قصفا عنيفا وتدمر القرى، كما فعلت في قرى تل ابيض العربية التي هجرتها وابقت القرى الكردية، والجواب هو ان القصف الجوي كما قلنا سيكون محدود النتائج زمانيا، اذا لم يقترن بحواضن تدعم بقوات برية عقائدية كالميليشيات الكردية، وهذا الامر غير متوفر في معظم المناطق السنية في سوريا والعراق، اذ لا توجد قوة سنية عقائدية منضبطة وكفوءة عسكريا قادرة على مواجهة "تنظيم الدولة" ومهاجمته على الارض، بعد أن يقوم التحالف بالقصف العنيف جوا، وان وجدت فهي لن تحظى بحاضنة كبيرة في الوقت الراهن، كما حظيت به عام 2007 بالعراق مثلا، ولهذا ينفذ التحالف قصفه على المناطق السنية بوتيرة اقل من المناطق الكردية، ببساطة لان القصف بالمناطق الكردية مجد لوجود قوات وحاضنة يمكنها اكمال المهمة وترجمة القصف الجوي إلى واقع على الارض.
قد تبدو تكريت السنية التي نجح القصف باخضاعها خارجة عن السياق، ولكنها ليست كذلك، فرغم انها مدينة سنية الا انها تشكو من عامل البيئة السكانية المخلخلة في محيطها الذي يلعب دورا في خطوط الامداد، فجنوبا سامراء التي باتت ثكنة للقوات الحكومية والحشد الشيعي، وجنوبا ايضا بلد والدجيل البلدتان الشيعيتان اللتان تؤمنان خط امداد لسامراء وتكريت وتخنقان اي محاولة للهجوم على الضلوعية ايضا (وهي كمدن صلاح الدين تعاني من بيئة منقسمة لان جزءا من سكانها السنة موالون للصحوات الحكومية المعادية لتنظيم الدولة)، وهذه العوامل عززت من فرصة قوات عقائدية، كالحشد الشيعي في اتمام مهمته بالغزو الخارجي لمدن سنية كسامراء وتكريت، مدعوما بقوى عسكرية مفرطة ايرانية وامريكية.. ورغم ذلك فلن يستتب للحشد الاستقرار والسيطرة بأي مدينة سنية ما لم يقم بحل معضلة البيئة السنية، وهي وان لم تكن كلها معادية له بالقدر نفسه، إلا أن جزءا يسيرا منها قد يكفي لدعم قوة تمرد مناوئة له مستقبلا، ولهذا يعمد الحشد الشيعي للحل الوحيد، تغيير الديمغرافيا، فنجده يحول قصور صدام حسين في تكريت لمزارات شيعية ويحتل المناطق المجاورة لها ليشيعها رويدا رويدا، إن كان بتحويل السكان مذهبيا أو بجلب عائلات شيعية وبسيناريو الامامين الهادي والعسكري في سامراء نفسه. لذلك وبسبب انعدام القرى الشيعية كلما صعدنا شمالا، نحو بيجي والحويجة، فان مهمة الحشد الشيعي في الهجوم تزداد تعقيدا، حيث تصبح البيئة السكانية اقل انقساما، والقرى السنية توفر محيطا مؤمنا لخطوط الامداد حتى الموصل (ما عدا الشرقاط ربما التي تسكنها عشيرة الجبور المنتمين للصحوات والذين تم قمعهم بشدة من "تنظيم الدولة").. طبعا نحن تجنبنا الحديث عن القوات الحكومية وقوات الصحوات السنية المزمع تشكيلها لانهما قوتان اضعف عقائديا ومهنيا من "تنظيم الدولة" بمراحل، لذلك قد لا ينجح حتى القصف الجوي بمساندتهم حتى إن كان شرسا ومركزا.
إن النزاع المسلح الذي يدور الان يخضع لواقع وفصول الحروب الاهلية، فببساطة يسيطر المسلحون الاكراد على مناطقهم، والشيعة على مناطقهم بالعراق وسوريا، وان كانت محاصرة من قبل السنة، كما في ريف حلب وادلب، والعلويون على مناطقهم، والدروز على مناطقهم، ويسيطر المقاتلون السنة المتمثلون بتنظيمي الدولة والنصرة على معظم المناطق السنية في العراق وسوريا، وبسبب انقسامات الفصائل السنية في سوريا، تحديدا، فهم يبدون عاجزين رغم تفوقهم العددي والجغرافي عن اسقاط النظام وتحقيق نجاحات بمواجهة تماسك نظرائهم. وهكذا فان القوة العسكرية الخارجية التي تريد ادامة سيطرتها على مدينة او حيز جغرافي يعاديها سكانيا، تلجأ للحل الوحيد، وهو تغيير الديمغرافية، التطهير العرقي، ولذلك يمنع الحشد الشيعي سكان تكريت وجرف الصخر من العودة اليها.. ولهذا ايضا انسحبت اسرائيل من غزة، ومن جنوب لبنان.. لأن قوته العسكرية المفرطة فشلت في ابقاء السيطرة لوقت طويل، بينما نجحت الديمغرافيا التي لم يستطع الاسرائيليون تغييرها، استطاعت بنفسها الطويل انهاك الآلة العسكرية المتفوقة، وافقادها الهيمنة، ليبقى لرئيس الوزراء الاسرائيلي امل وحيد وهو تمني غرق غزة في البحر!
٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"