الرئيسة \  واحة اللقاء  \  لماذا لا تفك الفصائل علاقتها بالولايات المتحدة؟

لماذا لا تفك الفصائل علاقتها بالولايات المتحدة؟

31.07.2016
وائل عصام


القدس العربي
السبت 30/7/2016
ثمة أسئلة جديرة بأن تطرح، فيما يتعلق بالضجة المثارة حول خطوة العلاقات العامة التي قامت بها جبهة النصرة بإعلانها فك ارتباطها ب"القاعدة".
تعالوا نبدأ بالتساؤل حول طبيعة ارتباط النصرة التنظيمي ب"القاعدة"، فمن ضمن ما جاء في بيان النصرة أنه لم يعد لديها ارتباط ب"جهة خارجية".
وبعيدا عن مناقشة توصيف الجهة الخارجية، هل يصح إطلاقها على علاقات تنظيم ديني عابر للحدود بمرجعيته، دعونا نتساءل من الناحية الحركية والتنظيمية، هل حقا كان لقيادة "القاعدة" في أفغانستان أي دور فاعل ومؤثر في قيادة النصرة داخل سوريا؟ الإجابة قطعا لا، فالنصرة تقاد كليا من إدارة محلية تتبع للجولاني، وكل محافظة لها قيادتها الخاصة، وكل القرارات العسكرية والحركية تتخذ إما من قيادات القواطع بالإمارات والمحافظات، أو من رأس الهرم في إدلب في أقصى حد، عدا عن أن نعرف أن فروعا للنصرة كالقلمون حيث ابو مالك التل، ظلت تتمتع بهامش كبير من الصلاحيات، وتتأثر بانتماءات عناصرها في كل محافظة، كما يحدث مثلا عندما تهيمن مجموعات من قبيلة الشعيطات على التنظيم في ريف حلب الجنوبي مثلا.
هل كانت النصرة تتلقى أموالا ودعما من "القاعدة" في افغانستان؟ أيضا لا، ولنكن دقيقين، فإن الأموال التي يمكن أن تكون النصرة قد حصلت عليها من خلال علاقاتها بشخصيات ثرية مرتبطة ب"القاعدة" لا تشكل سوى نسبة ضئيلة من حجم الاموال التي تحصل عليها النصرة من مواردها المحلية المختلفة في سوريا.
فإذا كان جل القرار السياسي والعسكري يتخذ داخليا، اذن ما هو الارتباط الفعلي الذي كان قائما مع "القاعدة"؟
يبدو أن هذ الارتباط لم يكن سوى غطاء شرعي يبرر للنصرة انفصالها عن تنظيم الدولة لا أكثر، وعندما خف لهيب المعركة مع تنظيم الدولة وتباعدت الجبهات، أصبح بالامكان التخلص من عباءة الشرعية القاعدية تنظيميا على الأقل، بينما ظلت المنطلقات الفكرية ل"جبهة فتح الشام"، وهو الاسم الجديد للنصرة، نفسها منطلقات القاعدة الفكرية، وهو ما أعلن بالميثاق الذي نشرته، والذي ينص على الاعتماد على فهم السلف وتحكيم الشرع، إلى آخره من ادبيات السلفية الجهادية.
التساؤل الثاني، هو عن مدى نجاعة هذه الخطوة التي لا تعدو "إعلان علاقات عامة"، فاذا كان المرتجى منها هو تجنيب النصرة عداءات في الساحة السورية، فإن الاطراف التي تقود العمل العسكري ضد المعارضة، ابتداء من النظام حتى ايران وروسيا، لا يعنيها أبدا التصنيفات الفكرية، بل تهاجم أي قوة مسلحة تقاوم سلطة النظام السوري، ومنذ بداية الثورة كانت معظم العمليات العسكرية المدمرة في مناطق لا توجد فيها النصرة، بل مجموعات توصف بالمعتدلة، أما إذا كان الهدف مخاطبة القوى الغربية والدول الحليفة لها الداعمة للمعارضة السورية كقطر والسعودية وتركيا، فماذا تملك الدول الغربية من أوراق قوة في الداخل السوري أصلا؟ إذا كانت على مدى الخمس السنوات الماضية فشلت في نصرة حلفائها من الجيش الحر وغيره من الفصائل التي تكاد تكون اندثرت امام تصاعد قوة الجماعات الجهادية غير المرتبطة بها، كالدولة والنصرة وجند الأقصى وبقايا أحرار الشام.
ومتى كان الغرب أو الولايات المتحدة يهمها الانتماء الايديولوجي، فصدام حسين هوجم واحتلت بلاده وهو ليس اسلاميا، وحماس مصنفة كمنظمة ارهابية بالنسبة لامريكا وهي ليست قاعدة ولا متطرفة، بل منتخبة ديمقراطيا، وعبد الناصر عاداه الغرب وهاجمه وهو ليس إسلاميا، والاتحاد السوفييتي الشيوعي كان العدو الأبرز للولايات المتحدة، واذا كان من يظن أن الطرح السلفي هو سبب العداء فهو مخطئ ايضا، فالسعودية تطبق كل مظاهر حكم الشرع من قطع رؤوس وجلد في الساحات العامة وتضييق حريات النساء، ومع ذلك فهي حليفة للولايات المتحدة، ببساطة القضية تتعلق بكونك مواليا للمنظومة الغربية أو لا، بغض النظر عن توجهك الايديولوجي، وكلما كانت المجموعة المسلحة أو الكيان السياسي متمردا على سياسيات الغرب والولايات المتحدة في المنطقة، سيعتبر خطرا ليس على تلك الدول، بل على حلفائهم في المنطقة، من أنظمة ومصالح، وفي جميع الأحوال، فإنه لا يمكن لثوار سوريا والعراق السنة أن يكونوا حلفاء للولايات المتحدة وينجحوا في الوقت نفسه في مجابهة إيران التي قام مشروعها أصلا على بناء قوة تحد لمشروع الولايات المتحدة ونجح بالنهاية في فرض نفسه.
وعندما تنظر للمنطقة تجد أن أكثر الدول والفصائل المسلحة السنية التي كانت مقربة من الولايات المتحدة والدول الحليفة لها، هي الخاسر الاكبر سواء في العراق أو سوريا أو اليمن، فلماذا الإصرار على ارضاء الولايات المتحدة؟ ببساطة أنها عقول محتلة، لا تستطيع التفكير بمرجعية مستقلة، من دون البحث عن مرشد كبير يقودها، ويقود تفكيرها في تحديد ما هي المصلحة وما هو الإرهاب وما هي المعايير التي يجب تحقيقها لمواجهة تحديات المرحلة.
لعل الطريف هنا، أن الجماعات المرتبطة بامريكا والانظمة العربية هي من يفترض بها فك ارتباطها بتلك الدول، بعدما تبين أن هذا الحلف خاسر في سوريا، بينما الحلف المقابل يحقق تقدما سياسيا وعسكريا، رغم أنه الحلف المعادي للغرب على مدى السنوات الماضية، ولم يفكر اعضاؤه يوما بفك الارتباط بمنظومة الولي الفقيه الايراني.
٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"