الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مؤتمر الرياض وورطة الحركات الإسلاموية

مؤتمر الرياض وورطة الحركات الإسلاموية

13.12.2015
وائل عصام



القدس العربي
السبت 12/12/2015
مأزق جديد واجهته الحركات الإسلامية السورية التي شاركت في مؤتمر الرياض، وخطاب مزدوج جديد، أحدهما إنشائي خطابي مليء بالأدبيات الدينية موجه للجمهور الداخلي، وآخر موجه للحلفاء من الحكومات العربية وتركيا، التي تدعم تلك الحركات ماليا وسياسيا، بل باتت تملك قرارها.
نتحدث هنا عن فصائل إسلامية هجينة المرجعية الفكرية، مختلطة الهوية، شحيحة التجربة السياسية والحركية، فلا هي سلفية جهادية صرفة كـ"جند الأقصى" و"النصرة" و"تنظيم الدولة"، ولا هي إخوانية صرفة، لا هي إسلامية بالكامل ولا هي وطنية قطرية، لا تتبع رسميا لحكومات ولكنها لا تستطيع الخروج على رؤيتها الاقليمية.
والأنكى أنها عاجزة عن إقناع جمهورها بالتوفيق بين المشاركة بالثورة على نظام الأسد، وبين المشاركة في مؤتمر يدعو للتحاور معه على قاعدة الاعتراف بمؤسسات النظام والجيش، التي أعلن منظمو المؤتمر والدول الراعية له عن القبول بالإبقاء عليها.
فيذهب ممثلو الفصائل للمشاركة في مؤتمر معروف ماهية مقرراته مسبقا (المتعلقة بنمط الدولة المدنية وشكل التسوية المتصالحة مع النظام)، ثم يخرجون ببيانات رفض للمؤتمر ومخرجاته تبدو وكأنهم تفاجأوا، وكأنهم كانوا مدعوين لمؤتمر إعلان مشروع الأمة ودعم الجهاد العالمي.
لعل أبرز فصول هذا المأزق هو التضارب المضحك المبكي بين قرار "مجلس الشورى" لأحد هذه الفصائل الذي أعلن انسحابا حاسما من مؤتمر الرياض، معللا ذلك بأسباب صدرت في بيان رسمي وتصريحات بعض القادة الرافضة للمؤتمر، وبين توقيع وموافقة ممثلهم في اجتماع الرياض على مقررات المؤتمر.
طبعا من يعرف آلية اتخاذ القرار في مثل هذه الحركات، وصراع الأجنحة ومراكز القوى داخلها، لن يتفاجأ من سقطات كهذه، فالكلام والتنظير والشــــعارات الدينية سهلة على الورق وعلى صفحات التواصل، ولكن المخاض العملي يكشف مدى رصانة وترابـــــط مؤسسات هذه الحركات من عدمه، ويختبر الحنكة السياسية وعمق الرؤية، ويمتحن صلابة التكوين العقـــــائدي لهذه الحركــــات، فكما قال الزميل الباحث خالد حسن، الذي عايش تجربة هذه الحركات في الجزائر أن هذه الحركات تحســن التنظير وتتفنن وتسحر عقول الناس، ولكن عند الاحتكاك المباشر بالحقائق على الأرض تتخبط وتتفلسف وتضطرب، ويضيف "‏قضينا أوقاتا مهمة في حياتنا نتدارس كتب الراشد من المنطلق إلى المسار إلى المعوقات وغيرها، فلما أُتيحت لصحبه فرصة خوض التجربة في العراق سقطوا".
وهكذا فإن آلاف الشباب الانقياء المخلصين لقضيتهم، المنتمين لفصائل مقاتلة، يفنون حياتهم في سبيل قناعات عقائدية راسخة، قبل أن يكتشفوا وبعد التجربة، وبعد أن تسقط الأوراق يوما بعد يوم، أن قادتهم حولوهم لمقاتلين من أجل تعصبات حزبية وحميات ضيقة لا أكثر.. وربما الأكثر أنهم يضحون بحياتهم من أجل فصائل وأحزاب باتت أدوات لمشاريع الآخرين ومنهم اعداؤهم.
٭ كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"