الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا بعد قصف حلب يا "عروبيي الممانعة"؟

ماذا بعد قصف حلب يا "عروبيي الممانعة"؟

08.05.2016
منى مقراني


القدس العربي
السبت 7/5/2016
ما إن إندلعت الثورة في سوريا حتى إنقلب بعض "مشاهير الساحة الإعلامية والثقافية" العربية رأسا على عقب، وظهر عليهم التخبط مع إرهاصاتها الأولى، فجرّدت ريح الربيع أقلامهم التي كنّا نعدّها ذخرا ونبراسا نهتدي به في ليل عروبتنا الحالك،من إنسانيتها وموضوعيتها،كان يكفي حضور بعض هذه الأسماء التي لا يشق لها غبارعلى شاشة "الجزيرة" مثلا، حتى نتسمّر خلف الشاشة، فالقول ماقال "….." بل كان مقال أحدهم صحيحا، كصحيح البخاري ومسلم، يكفي أن يوقع بإسمه حتى تتبنى ماجاء فيه، فهل يخطئ؟
أذكر في صيف 2011 كان أحد هؤلاء قد كتب سلسلة مقالات تناول فيها حتمية ووشوك إندلاع الحرب على ايران، تحدث في حينها بيقين لا يخالطه شك، بل حدّد المدّة الزمنية التي جزم أن العدوان الغاشم والغادر لن تتجاوزها حتى تندلع بقيادة محور الشر " أمريكا والغرب مع تنسيق أكيد أو تخاذل بعض دول الخليج وإسرائيل طبعا".
المصيبة ليست في أن الحرب لم تقع وما يحمله هذا التحليل أو القراءة الخاطئة من دلالات، بل المصيبة في إنقلابهم غير المقبول على شعاراتهم التي ظلوا يرفعونها دهرا،والتي تنادي بالحرية والعدالة والديمقراطية، ففي أحد اللقاءات الشهيرة التي أذكرها جيدا وبعد أن تقلّد الأمير عبد الله ابن الملك الحسين حكم الأردن والأمير محمد السادس ابن الحسن الثاني ملك المغرب و"الأهم" تولي بشار الأسد حكم سوريا الذي ورثه عن أبيه "فالجمهوريات تورث في عالمنا العربي" أذكر قول أحد عتاة العروبة والقومية في حينها، وهو يندّد ويتحصّر على مآل الدول العربية وكيف أنّ الحكام من مماليك ورؤساء بتوريثهم الحكم لأبنائهم يتحدّون الموت ومشيئة الخالق…؟؟
قامت الثورة في مصر،وقامت قائمة أقلام هؤلاء وصدحت حناجرهم بالحق، ووقفوا الى جانب الشعب المصري وأتحفونا بمقالات نارية تشحذ الهمم وتسند الظهر، وذكّروا من نسي تاريخ مبارك الأسود سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي و المتعلق بقضية العرب الأولى "فلسطين"النغمة التي يجيدون عزفها جيدا، والتي شهدت نشازا في عزفها عندما تعلّق الأمر بآل الأسد الذين باعوا القنيطرة والجولان لأجل بقائهم في الحكم
لماذا باركوا ثورة الشعب المصري ولم يباركوا ثورة الشعب السوري؟أم كما قال أحمد شوقي: حلال على بلابله الدّوح /حرام على الطير من كل جنس؟
لماذا يعيّر نظام مبارك بالخيانة ولا يعيّر نظام آل الأسد الذي خان الأرض والعرض وباع وتاجر بالدم السوري؟ أيّ فصام هذا الذي أصابهم؟ ألا يستحق نظام الأسد بدون قيام ثورة، المقاطعة والتنديد بجرائمه التي قام بها في حماة؟ ألا يستحق المقاطعة على قتله وسجنه وتنكيله بكل معارض لحكمه من أي فصيل كان؟ ألا يشمئز كل حرّ من الممارسات القمعية التي يمارسها نظام الأسد ناهيك عن عربي ووطني وقومي ووو…؟ ألم ينفر إدوارد سعيد من هذا النظام ورفض كل الدعوات التي وجّهت اليه من طرف النظام لزيارة سوريا رغم حبّه لها كما ذكر الباحث والناقد السوري صبحي حديدي..؟
لماذا هذه القابلية للإستعباد والإنحناء والتطبيع مع الطغاة بحجج لا يصدّقها عقل متخلّف؟
هناك فئة تختبئ وراء إصبعها من "قوميي الممانعة"، وتسمي الثورة على إستحياء "إنتفاضة"، إنتفاضة؟ 21يوما أطاحت بمبارك سميّتموها ثورة وهي " كذلك"، خمس سنوات من القصف والقتل والإعتقال والتشريد تسمّى إنتفاضة؟ يتحجّج هؤلاء بضبابية الوضع وتدخل المصالح الجيوسياسية للداعمين في تحديد توجهات المعارضة على الأرض…حسن…هل يعني ذلك أن تقفوا الى جانب النظام الذي سلّم سوريا للميليشيات الطائفية والروس؟ أيّ منطق هذا؟
بعد قصف المشافي في حلب وقتل الأطفال والنساء والمرضى والأطباء، بعد تعرية الإنسانية من أبسط أوجهها، قرأت في جريدة أحدهم مقالا يتحدث فيها أحد كتابه عن تصريح لمسؤول روسي رفيع المستوى حول " طائرة مجهولة حلّقت فوق سماء حلب ؟ والتي قامت على ما يبدو بقصف حلب وتقتيل أهلها…"؟أيّ كذب وتلفيق ودعاية يمارس هؤلاء؟ هذه الطائرة لم يرها مراسلو رويترز ولا كل وكالات الأنباء العالمية… وقرأت في جريدة أخرى محاولة للظهور بمظهر الوقوف مع الحق جاء فيها، أنه يجب معاقبة وعدم السكوت عن من إرتكب هذا الفعل الإجرامي..لكنّه لم ينس أن يطعّم المقال بالحديث عن مسؤولية "الجماعات الإرهابية المسلّحة" والتي بسببها قصف "المجهول"؟ مستشفى يعجّ بالمرضى والمصابين والأطباء؟..
هذا القبح الإعلامي الذي لم يحترفه أحد في العالم كما إحترفه هؤلاء، هذا العار الذي لحق بهم لمشاركتهم الشنيعة في صناعة الخبر وتسويقه بما يتناسب مع طبيعتهم الإنبطاحية، هم من ندّدوا بتسطيح الحاكم العربي لعقول الشعوب العربية وإستهتاره بوعيها وفهمها،تخندقوا عندما دقّت الثورة أجراسها الى جانب الغاصب المستبد وخاطبوا العربي كما خاطبه سيدهم وإجتروا فكره ممارسة
التاريخ يوثّق الحاضر، وسيكفي تصنيفكم في خانة الإعلام "المناصر"للنظام الفاشي المافيوي الذي حكم سوريا بالشراكة، في هذه الفترة العصيبة والفاصلة من تاريخ سوريا والمنطقة العربية ككل، حتى تعوا مدى سقوطكم من أعين الأحرار وعن خذلانكم للحرية التي صدحتم بها حينا وإنقلبتم عنها أحيانا…كل منّا مسؤول أمام الله أولا وأمام الشعب السوري وأمام التاريخ وأمام ضميره…فإختاروا أيّ الفريقين تحبون أن تحشروا معهم، الحق "الثورة" أم الباطل "نظام الأسد وميليشياته"….