الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا تفعل أمريكا "في أستانة 5"؟

ماذا تفعل أمريكا "في أستانة 5"؟

09.07.2017
محمد زاهد جول


القدس العربي
السبت 8/7/2017
انتهت اجتماعات "أستانة 4" التي عقدت في 4 مايو الماضي باتفاق الدول الضامنة (تركيا وروسيا وإيران)، على إقامة "مناطق خفض التوتر"، يتم بموجبها نشر وحدات من قوات الدول الثلاث لحفظ الأمن في مناطق محددة بسوريا، وبدأ سريان هذا الاتفاق في السادس من الشهر نفسه، وشمل أربع مناطق هي:
1 ـ المنطقة الأولى محافظة إدلب، وأجزاء من محافظة حلب وأجزاء من ريف اللاذقية (شمال غرب)، وحماة (وسط).
2 ـ المنطقة الثانية في ريف حمص الشمالي (وسط).
3 ـ المنطقة الثالثة في ريف دمشق.
4 ـ المنطقة الرابعة هي في الجنوب (درعا)
وفي يوم انطلاق "أستانة 5" يوم الثلاثاء 4 يوليو الجاري، أعلن المبعوث الروسي إلى سوريا الكسندر لافرنتييف، توافق الدول الضامنة في مؤتمر "أستانة 5" على "رسم حدود منطقتي خفض توتر، هما ريف حمص وسط سوريا، والغوطة الشرقية بريف دمشق، وقال: "إن المشاورات لا تزال جارية من أجل توقيع توافق لتحديد حالة القوات، التي ستنتشر في مناطق خفض التوتر، وتوقيع إنشاء مراكز تنسيق بين الدول الضامنة تركيا وروسيا وإيران". وأشار المسؤول الروسي إلى أن "هناك صعوبات لا تتعلق فقط بموضوع رسم حدود مناطق خفض التوتر، بل تتعلق أيضا بالقوات، التي ستأخذ مكانها هناك". وقد بين أن "هناك كذلك مصاعب تتعلق بحالة هذه القوات، والصلاحيات التي ستُمنح، وكل ذلك في إعداد الوثائق المتعلقة بها". ومن المصاعب أيضا بحسب قوله "إن موضوع إطلاق سراح المعتقلين، ونزع الألغام، هي موضوعات تتعلق بتطبيق مناطق خفض التوتر"، وأنه "تم الاتفاق على ترسيم حدود منطقتي خفض توتر، وهما ريف حمص (وسط)، والغوطة الشرقية بريف دمشق".
أما المشكلات التي كانت تعترض "أستانة 5" بنظره فهي تتعلّق بمنطقة إدلب (شمال)، والمناطق الجنوبية (درعا والقنيطرة)، ولكنه رأى أن التوصل إلى توافق ليس بالأمر البعيد، وقد أكمل المسؤول الروسي بيان وجهة النظر الروسية في رده على سؤال حول الخيارات، حال استمرت الخلافات حول رسم حدود مناطق خفض التوتر بإدلب، فأجاب بأن "جميع الخيارات متاحة، ليس من الواضح تموضع قوات روسية في المنطقة الجنوبية". وقال: "عادة روسيا تنشر قوات شرطة عسكرية في المناطق الآمنة والعازلة، وهو ما يتوقع ولكن لم يحصل توافق بعد، وهو موضوع يتعلق بحالة مناطق خفض التوتر".
وميزة الجولة الخامسة أن فيها جهات مشاركة وليست ضامنة للاتفاق، وهي الأمم المتحدة، ووفدان من الأردن والولايات المتحدة الأمريكية، بينما الأطراف الدولية الراعية هي، روسيا وتركيا وإيران فقط. ومن تصريحات المسؤول الروسي ان تحديد "مناطق خفض التوتر"، التي جرى التوافق عليها في اجتماعات "أستانة 4" قبل نحو شهرين، ستكون أهم قضايا البحث، وتفاصيل آليات نشر قوات مراقبة فيها، وكان من المفترض أن تأتي الوفود ولديها إجابات مرضية للأطراف الأخرى، ولكن ذلك لم يحصل، وانتهى مؤتمر "أستانة 5" دون التوصل لحل حول هذه القضايا، واكتفت الدول الضامنة، خلال الاجتماع تشكيل مجموعة عمل، لمتابعة بحث قضية "مناطق خفض التوتر"، على أن تجتمع المجموعة، في العاصمة الإيرانية، مطلع أغسطس المقبل.
وهذه نتائج مخيبة للآمال أولا، واختيار إيران للاجتماع المقبل، دليل على فشل الاجتماع الحالي والمقبل أيضا، لأن وفد المعارضة السورية لن يحضر اجتماع طهران المقبل، وبالتالي فإن اختيار إيران يعني اختيار عقبة جديدة أمام مؤتمرات أستانة المقبلة، وفي الراجح ان هذا الاختيار مؤشر على أسباب اتهام وفد المعارضة السورية، المشارك في اجتماعات "أستانة- 5"، بعد المؤتمر كلا من الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بعرقلة جهود إيجاد الحل السياسي، متهمهما بالسعي إلى تقسيم سوريا، وقد جاء ذلك في مؤتمر صحافي عقدته المعارضة السورية، في ختام الاجتماعات في العاصمة الكازاخية. فقد اتهم المعارض السوري العميد أحمد بري ـ وهو قيادي في الجيش السوري الحر، إيران: "بأنها طرف في النزاع وليست ضامنا، ونحن لم نقبل بدورها كضامن، إيران هي من أجج الصراع، ودعم النظام"، وساق أدلته على ذلك قائلا إن "عدد الميليشيات في سوريا يقدر بنحو 65 ألفا، وإيران تقتل العراقيين، والحشد الشعبي وصل إلى الحدود (مع سوريا)، فلا نقبل بالدور الإيراني، ونعتبره سبب المشكلة". وأضاف بري: "انخفضت نسبة القتل 95٪ بعد الاتفاق الأخير، وجئنا إلى أستانة لتثبيت إخراج المعتقلين، وهدفنا الأساسي هو المحافظة على الوحدة السورية، والمحافظة على الدم السوري". واعتبر أن "أهم شيء هو تثبيت وقف إطلاق النار (الساري جزئيا منذ نهاية عام 2016).. وملف المعتقلين، سيتم بحثه في الأيام المقبلة، وسيكون جاهزا بشكل نهائي في اجتماع أستانة المقبل".
فيما قال المتحدث باسم وفد المعارضة السورية، أيمن العاسمي، إن "بعض الدول قصدت عرقلة اجتماعات أستانة وعدم الوصول إلى نتائج بمنع فصائل الجبهة الجنوبية (السورية) من الوصول إلى أستانة من قبل أمريكا والأردن، وهو ما نعتبره نوعا من تقسيم سوريا، وأمرا قسّم الفصائل". وأضاف: "لا أرى أن هناك دولا تشعر بمسؤولية تجاه ما يحصل في سوريا، وهذا ما تعمله أمريكا بالحرص على حدود إسرائيل، لكي لا تصل الاشتباكات إليها، وتقول إن هناك مسار 30 كم من الحدود تستطيع الميليشيات (الإيرانية) فعل ما تريد فيه". وتابع العاسمي أن "هناك دولا في مجلس الأمن الدولي تعرقل الحل في سوريا لتبقى في حالة فوضى، ويتم تدمير ما يمكن تدميره فيها، وحتى تستفيد بعض الدول من خيرات المناطق الشرقية، وما يمكن أن يحدث لتركيا من دعم (هذه الدول) فصائل كردية انفصالية في الشمال، وما تشيعه من فوضى، فالتقسيم هدف لبعض الدول". وردا على سؤال عن هذه الدول، أجاب المتحدث باسم وفد المعارضة السورية بأنها "أمريكا ودول في الاتحاد الأوروبي.. هذه الدول صوتها خافت، ولم تقم بدعم الحالة العسكرية والسياسية، بل وفرت فقط أرضية لاجتماع جنيف". وقال:" إن هناك محاولة روسية لجعل أستانة مسارا عسكريا، وعرقلة مسار جنيف، هذه مبارزة بين دول تريد أستانة، وأخرى تريد جنيف، ونحن لا نرى سوى الراعي التركي الذي اقترح إدخال قوات فصل، واعترضت عليه إيران".
وقال العاسمي: "إن إيران لها أسلوب بوقف الحل عبر الميلشيات، وأمريكا تريد تجميد الحل.. مساعد وزير الخارجية الأمريكي ستيوارت جونز، قال (للمعارضة أمس) ننوي إقامة منطقة آمنة في الجنوب بالتعاون مع فصائل الجنوب، فقلنا لهم وماذا بعدها ؟ قالوا: لا شيء.. فتصوروا ذلك".
وفي هذه الحالة فإن أمريكا تقتطع الجنوب من حل أستانة حول إقامة "مناطق خفض التوتر"، وبالتالي لن يتم نشر وحدات من قوات الدول الثلاث لحفظ الأمن في مناطق جنوب سوريا إلا بموافقة أمريكية، وأمريكا تعمل لتجميد الوضع وليس حله، وبالتالي فإن أمريكا تمسك بمجريات اتفاق أستانة أيضا، وليس بمجريات اتفاق جنيف فقط، وهذا الموقف كانت تعلمه روسيا، ولذلك كان حديث المسؤول الروسي عن الاتفاق حول منطقتين من أربع هما: ريف حمص وسط سوريا، والغوطة الشرقية بريف دمشق، وهذا يعني أن المؤتمر بدأ ولا اتفاق حول محافظة إدلب وأجزاء من محافظة حلب وأجزاء من ريف اللاذقية (شمال غرب)، ولا منطقة درعا، ولذلك جاء نقل الاجتماع المقبل إلى طهران بمثابة نقل جثمان اتفاق أستانة ليدفن في إيران أولا.
وجاء الرفض الأمريكي لاتهامها بعرقلة مؤتمر "أستانة 5" على لسان وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون قائلا: "إن الولايات المتحدة مستعدة لبحث الجهود المشتركة مع روسيا لتحقيق الاستقرار في سوريا، بما في ذلك إقامة مناطق حظر جوي، وإن بلاده مستعدة للعمل مع روسيا من أجل إقامة آليات مشتركة تضمن الاستقرار في سوريا، ويشمل ذلك مناطق حظر جوي ومراقبين لوقف إطلاق النار وتنسيق إيصال المساعدات الإنسانية". وقال: "إذا عمل بلدانا معا على إرساء الاستقرار على الأرض، فإن هذا الأمر سيرسي دعائم للتقدم نحو اتفاق على المستقبل السياسي لسوريا". وأضاف: "إن روسيا تتحمل مسؤولية بشأن منع أي فصيل في سوريا من إعادة السيطرة على الأراضي التي يتم إخراج تنظيم "الدولة" الإسلامية والجماعات الإرهابية الأخرى منها، وأن الولايات المتحدة وشركاءها في التحالف الدولي ملتزمون بضمان عودة السكان المدنيين إلى مناطقهم". وقال: "إن روسيا ملزمة بمنع استخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية".
هذه التصريحات الأمريكية تأكيد بان امريكا لن تسمح لروسيا بالانفراد بالحل في سوريا، ولا التحكم بمجرياته العسكرية، أي حتى لو كان في جزئية وقف اطلاق النار بحسب اتفاق "أستانة 4"، وما تقدمه أمريكا بهذا المجال هو الاستعداد للبحث وليس التوصل لحل، وإلا فإن موسكو شبعت من استعدادات أمريكا للبحث والمباحثات في السنوات الماضية في جنيف وغيرها، ولكنها لم تصل معها لشيء، لأن أمريكا وباعتراف تيلرسون تريد تحديد مستقبل سوريا من وجهة نظر أمريكية فقط، وتريد من روسيا أن تكون صاحبة دور مساعد لأمريكا في ذلك، ولذلك استعمل تيلرسون كثيرا كلمة مسؤوليات روسيا في سوريا، بما فيها منع الأسد من استخدام الأسلحة الكيميائية، فما تفعله أمريكا في أستانة هو عرقلة الجهود الروسية والتركية، وتكفيها الأداة الإيرانية لنقل جثمان اتفاق أستانة إلى طهران، فضلا عن إمساكها مع إسرائيل بجبهة الجنوب بعيدة عن هيمنة الدول الثلاث الضامنة.