الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ماذا لو فك عمران ارتباطه بـ"القاعدة"

ماذا لو فك عمران ارتباطه بـ"القاعدة"

21.08.2016
وائل عصام


القدس العربي
السبت 20/8/2016
من محمد الدرة لعمران الحلبي، يتواصل نزيف صور الذل العربي.. صور أطفال ملطخين بالدماء والخوف تتصدر صحف العالم لعقود، آلامنا صارت "فرجة للعالم".
لخمس سنين في سوريا قتل آلاف الاطفال كعمران، بمشاهد أقسى لم تصلها عدسات المصورين، لتؤمن للمتفرجين مادة لمواساة ضحايا المذبحة، من دون الإشارة في كثير من الاحيان إلى مرتكبي المذبحة.
وطوال هذه السنين، ظل شعب الضحايا، حائرا في الذنب الذي ارتكبه ليتعرض لكل هذا التقتيل.. ولعل هذه الحيرة كانت سببا ليتعرض للمزيد من القتل.. فقد ظل الشعب المذبوح في سوريا حائرا كيف يرسم صورته ليرضى "العالم المتمدن" وليحظى بحماية القوى الكبرى، نفسها التي تسببت ودعمت وتسترت على كل مذابحه ومعاناته من أرض محمد الدرة لبلاد عبير الجنابي حتى عمران وأخوته. كان عدوهم يعرف تماما لماذا يقتلهم.. لكنهم هم لا يعرفون سوى ترديد السؤال نفسه لماذا يقتلوننا؟
تماهى خطاب الضحايا مع عدوهم.. وأصبح صدى لا أكثر، يجيب ويرد على الاتهام وكأنه هو القاتل، فاذا قيل لهم انتم ارهابيون.. صار الهم اليومي للشعب المسكين هو إثبات أنه ليس ارهابيا بل هو ينبذ الارهاب من دون ان يعرف ان الجميع ارهابي ما دام يرفض الهيمنة، فحماس المقاومة ارهابية، والمقاومة العراقية للاحتلال ارهاب، وقبله صدام العلماني إرهابي، واذا قيل لهم انتم متشددون، اصبح الضحايا يملأون إعلامهم بمواضيع تتحدث عن الاعتدال والرحمة والمحبة، وإذا وصمت ثورتهم بـ"القاعدة"، بات همهم اليومي نفي علاقتهم بها.
اصبح خطاب الضحايا مفصلا حسب توجيه قاتلهم، فالاسد هو القاتل الاول في سوريا، مدمر المدن مهجر ملايين السكان، وقاتل الالاف، ومعه روسيا اليوم، معظم ضحاياهم في السنوات الاولى في مناطق لم تتواجد فيها تنظيمات اصولية، حمص وريف دمشق وحلب وغيرها، والمستهدف كان على الدوام اي فصيل يتحدى النظام ويمنعه من السيطرة على الارض، بغض النظر عن انتمائه الايديولوجي، واستمر النظام يصف الجميع بـ"داعش" والارهاب، واستمر معارضوه يجاهدون لتبرئة انفسهم، ورغم ان القاتل الاول هو الاسد وروسيا وإيران الذين لا يفرقون بين الفصائل، الا ان الهدف من خطاب الاعتدال كان "القوى الكبرى" وهي تحديدا امريكا، و"الدول الصديقة" العربية الحليفة لها والداعمة للمعارضة، حرصا على ارضائها بهذا الخطاب.. لكن السؤال لماذا يهتمون بارضائها إذا كانت قد أثبت أنها غير قادرة على مساندتهم فعليا بالمواجهة مع النظام؟ وإذا كانت الولايات المتحدة ابلغت كل ممثلي الفصائل بشكل صريح وواضح منذ عامين أنها لا تدعم إسقاط النظام، ولن تساند أي عمل عسكري لخلخلة نظام دمشق، وهكذا وافقها حلفاؤها الداعمون.. فإذا لم يهتموا بصياغة خطاب لارضاء من يقول ويفعل علنا كل ما يؤكد انه لم ولن يدعم تحقيق اي من اهدافهم في محاربة النظام؟
شن النظام هجماته على المناطق الخارجة عن سيطرته، حسب اولوية اهميتها الاستراتيجية، وقربها من الطرق الرئيسية والمواقع الحيوية في سوريا، مستهدفا الحفاظ على مراكز المدن، ومركزا على التهجير بقتل متعمد للمدنيين وتدمير القرى، بينما ظل كثيرون لا يفهمون الاولويات الميدانية الواضحة التي يتحرك فيها عدوهم، بل يفسرون هجومه على مناطق لا يتواجد فيها تنظيم الدولة مثلا بانه استهداف للمعتدلين فقط، وكان النظام يفرق بين توجهات خصومه حسب انتماءاتها الفكرية، وليس حسب اهمية المناطق ورمزيتها لسلطة دمشق. وعندما يبادر النظام بالهجوم على مناطق التنظيم ايضا لاعتبارات ميدانية، ويقتل ويجرح الاف المدنيين في تدمر والرقة ودير الزور، بعد أن أمن نسبيا المناطق الاقرب لسوريا الحيوية، يسود الصمت الذي لا يقطعه سوى التعليقات البلهاء للكثير من المتحدثين باسم معارضي الاعتدال، الذين ينظر لهم النظام جميعا كاعداء ارهابيين، تماما كما ينظرون هم لانفسهم في الفصائل المختلفة الجهادية والمعتدلة.
عمران والالاف من ضحايا هذه الحرب، هم ضحايا من تخاذل عن نصرتهم وخدعهم، ودجن قوتهم وفرقها، واحتل عقولهم لتردد خطاب عدوها.
 
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"