الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما الذي يضعف موقف وفد المعارضة السورية أمام دي ميستورا؟

ما الذي يضعف موقف وفد المعارضة السورية أمام دي ميستورا؟

07.03.2017
الطاهر إبراهيم


القدس العربي
الاثنين 6/3/2017
نقل مندوب القدس العربي في24 شباط/فبراير الجاري خبرا مفاده أن ستافان دي ميستورا هدد نصر الحريري رئيس وفد المعارضة السورية عند افتتاح مؤتمر جنيف4 بسيناريو يشبه ما حصل في حلب، قد يصيب مدينة إدلب فيما لو فشلت المحادثات، وأنه قال له خلال اجتماع مغلق "إن فشلت المفاوضات سيفعل الأسد بإدلب ما فعله بحلب". ويظهر أن الخلاف بين دي ميستورا ووفد المعارضة نشب حين أراد دي ميستورا إضافة المنصات الطفيلية إلى الوفد المفاوض.
نستعجل فنقول: إن صح الخبر فقد كان يجب على الحريري أن ينسحب من اللقاء ويخبر رئيس الهيئة العليا أنه لن يستمر في البقاء في جنيف إذا ما استعمل دي ميستورا مرة أخرى الأساليب التي تتسم بالوقاحة مع وفد المعارضة. بل كان ينبغي على نصر الحريري الانسحاب فورا دون العودة إلى أحد لأن كلام دي ميستورا يسيء لكرامة سوريا التي قدمت نصف مليون شهيد ومثلهم من المعتقلين وعشرة ملايين مهجر ونازح.
وإلا فما علاقة الثورة السورية بمنصة موسكو ورئيسها قدري جميل الذي كان وزيرا مع بشار، أو منصة القاهرة ورئيسها الممثل جمال سليمان الذي لم يمانع في تصريح له قبل يومين ببقاء بشار في السلطة، أو زميله في المنصة جهاد المقدسي الذي عمل في وزارة الخارجية السورية حتى عام 2013. هؤلاء إما أنهم كانوا في صف بشار الكيميائي مثل قدري جميل، ومنهم من كان يضع رجلا مع النظام ورجلا خارجه منتظرا لمن تكون الغلبة.
ويظهر من خلال سياق الأحداث وبعد زيارة دي ميستورا الأخيرة إلى موسكو، أن لافروف أراد ألا يظهر بمظهر الذي يضغط على وفد المعارضة السورية لإضافة أعضاء فيها بسبب تطور علاقة موسكو مع أنقرة فترك هذه المهمة لدي ميستورا كي يظهر بسواد الوجه. ويبدو من العلاقة المحتدمة للفرقاء المتداخلين في القضية السورية، ومن تشابك الخيوط بين واشنطن وموسكو وطهران وأنقرة أن الضغوط ستتركزعلى العنصر الأضعف، وهي هنا المعارضة السورية. لكن لماذا تظهر المعارضة السورية في الموقف الأضعف؟
يكاد يغيب حاليا عن المعارضة السورية كيانات كانت عريقة في معارضة نظام حافظ أسد، ومن بعده في عهد بشار في العشر الأول من هذا القرن. وقد مضى أكثر من 40 عاما كانت المعارضة السورية تكاد تقتصرعلى جماعة الإخوان المسلمين الذين خاضوا خلالها صراعا سياسيا مع النظام وجرت بينهما مفاوضات تبين أن النظام أراد منها تفتيت صف الإخوان.
ويوم تشكل المجلس الوطني في 2 تشرين الأول/اكتوبر 2011 في اسطنبول وترأسه برهان غليون، وهو أكاديمي علماني يقيم في باريس، بادر الإخوان لدعم المجلس ماليا. ثم قامت دول إقليمية بعد ذلك بتغطية التمويل اللازم، لكن لم يكن للإخوان إلا 10 أعضاء من أصل 150عضوا. أما عندما تشكل الائتلاف الوطني في9 تشرين ثاني/نوفمبر 2012 فلم يزد عدد أعضاء الإخوان فيه عن 5 أعضاء. ومع ذلك كان يقال في أدبيات المجلس الوطني وأدبيات الائتلاف بعده، إن الإخوان المسلمين يسيطرون عليهما، لكن الوقع والحقيقة غير ذلك.
نتج عن انحسار دور الإخوان المسلمين في المعارضة السياسية السورية خلو هذه المعارضة من كتلة وازنة تعطي لهذه المعارضة الثقل الذي تستطيع به مجابهة شراسة النظام الذي أفحش في استئصال معارضيه. وقد جاء نأي الإخوان بأنفسهم في عهد مراقبهم الحالي الدكتور محمد وليد عن المشاركة الفعالة بالائتلاف لعدم قناعتهم بأن الائتلاف يمثل سياسة فعالة في معارضة النظام، وأبقى الإخوان على شعرة معاوية بينهم وبين الائتلاف.
باستثناء مجموعة كردية صغيرة لا تكاد تجد في المعارضة السياسية داخل الائتلاف وخارجه مجموعة تزيد عن اثنين أو ثلاثة لهم رأي واحد مشترك فيما يجري على الساحة السورية. لذا كلما حان موعد انتخاب الرئيس أو الهيئة السياسية في الائتلاف تمر أياما عدة حتى يتم التوافق المصلحي داخله، وربما من خارجه، ليتم الاتفاق على اختيار الرئيس. لا يفوتني هنا أن أنفي ما يزعمه الإعلام المشبوه عن كون الرئيس الحالي للائتلاف أنس العبدة محسوبا بشكل أو بآخر على الإخوان المسلمين. بل على العكس فقد جاء اختيار العبدة ليؤكد غلبة الموقف الأمريكي داخل الائتلاف، وما بين الإخوان وواشنطن ما صنع الحداد. بالمناسبة، لم يستطع الليبراليون والعلمانيون والقومجيون أن يكون لهم موقف موحد في مواجهة الفراغ الأيديولوجي داخل الائتلاف، خاصة بعد انسحاب أحمد الجربا، والهجوم الذي شنه فائز سارة على الائتلاف.
تبدو الهيئة العليا للمفاوضات من ناحية الشكل الخارجي ما تزال متماسكة، تجتمع كلما "دق الكوز بالجرة" للبحث في شؤون المفاوضات مع النظام. إلا أن تدخل روسيا، وهي من يجب أن تحسب أوتوماتيكيا في صف النظام، جعل تشكيل الوفد المفاوض يتغير باستمرار ويدخل في دهاليز المساومات، فيذهب رئيس وفد ويأتي آخر، ويتغير بعض أعضاء الوفد المفاوض، وكل ذلك لا ينبئ عن دراسة معمقة داخل الهيئة العليا لاختيار الوفد المفاوض كي يجعلها تتصدى لتلاعب دي ميستورا في تشكيل الوفد، أو لتدخل لافروف المحبط في كل مرة عندما تتهيأ الهيئة العليا لتشكيل الوفد المفاوض، مما يجعله عرضة لابتزاز دي ميستورا.
الهدف الذي وضعته المعارضة السورية هو التخلص من بشار أسد ونظامه نهائيا. وهو هدف لا يمكن تحقيقه بالآليات التي اعتمدت حتى الآن. ومن ناحية ثانية فما يزال الجسم العسكري المعارض خارج تشكيل الوفد المفاوض. وما لم تتشكل معارضة جديدة تدخل ضمنها جماعة الإخوان المسلمين بثقلهم البشري، يتم التنسيق مع الفصائل المقاتلة ضمن خطة محكمة تشمل الجميع ويستدعى كل العسكر الذين انشقوا عن جيش بشار، فإن الجميع سيتم استفرادهم من واشنطن وموسكو وسيتم تدمير ما تبقى من سوريا.
 
كاتب سوري