الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما الذي يمنح اقتحام الغوطة كل هذه الأهمية؟

ما الذي يمنح اقتحام الغوطة كل هذه الأهمية؟

03.03.2018
بكر صدقي


القدس العربي
الخميس 1/3/2018
قد يبدو السؤال الوارد في العنوان ساذجاً، بالنظر إلى قرب المنطقة التي تتعرض لحرب إبادة من عاصمة النظام الكيماوي، ومن البديهي أن يسعى المذكور وحلفاؤه إلى استعادة السيطرة عليها. ولكن ألم تكن الحال كذلك طوال السنوات السابقة التي أمضاها السكان في حصار خانق وقصف دائم؟ لماذا صدر الآن فقط قرار الحسم بشأنها؟
للجواب على هذا السؤال لا بد من تركيز النظر على روسيا، لا على النظام. فالروسي الذي تصرف بانتشاء المنتصرين، بعد نجاحه في اجتياح حلب الشرقية، وأطلق مسار آستانة، بالاشتراك مع إيران وتركيا، ثم أعلن تحقيق النصر، على لسان الرئيس بوتين، من قاعدة حميميم قرب اللاذقية، تلقى، بعد ذلك، سلسلة من الصفعات أعادت إليه الرشد من سكرة النصر الزائف، فبات ينظر إلى الغوطة كلقمة سائغة يمكنه ابتلاعها بسهولة، على أمل أن يعود إلى إعلان النصر مرة أخرى.
فقبل كل شيء اتضح للعالم أن ما أعلنته روسيا، مع شريكيها السوري والإيراني، من مناطق خفض التصعيد، لم يكن سوى خدعة لمواصلة قضم المزيد من الأراضي الخارجة عن سيطرة النظام، وفقدت تلك "الخطة" كل ما رافق صدورها من تعويم إعلامي. أضف إلى ذلك أن تقسيم سوريا وتقطيع أوصالها بتلك الطريقة، قد شكل أرضية مناسبة لتعلن واشنطن أيضاً عن منطقة نفوذها شرقي نهر الفرات، بعد انتهاء الهدف الأصلي المعلن للانخراط العسكري الأمريكي في سوريا، أي محاربة تنظيم "الدولة" (داعش)، منطقة نفوذ محمية بالقوة الفظة، كلما اقتضت الحاجة، ولفترة غير محددة.
وبين إعلان النصر على لسان بوتين، قبل أشهر في حميميم، ومعركة تدمير الغوطة، أغارت طائرات بلا طيار "مجهولة المصدر" على قاعدتي حميميم وطرطوس الروسيتين، ثم أسقطت طائرة سوخوي متطورة جنوب إدلب بمضادات طيران حرارية محمولة على الكتف، وقتل أكثر من مئة مرتزق روسي بصواريخ أمريكية قرب مدينة دير الزور، إضافة إلى عدد غير معروف من مقاتلي ميليشيات الأممية الشيعية التابعة لإيران.
وكانت الترجمة السياسية لهذه الخسائر الميدانية في "مؤتمر الحوار الوطني" في سوتشي الذي انتهى بفشل مدوٍ أزال كل أوهام النصر السريع من رأس الثنائي بوتين ـ لافروف.
وهكذا اتضح أن "النصر" على حلب قد فقد كل بريقه وطواه النسيان أمام الانتكاسات الروسية المتتالية. وإذ فشلت الحملة العسكرية باتجاه دير الزور حين اصطدمت بتصميم الأمريكيين على الدفاع عن منطقة نفوذهم، لم يبق أمام بوتين سوى البحث عن نصر عسكري جديد يعيد الاعتبار إلى حصرية الإمساك الروسي بالملف السوري. فلم يكن أمامه سوى خيارين: الغوطة أو إدلب. وبما أن تعقيدات كثيرة تحيط بموضوع إدلب (تركيا، وغزوها لعفرين المجاورة، وإقامتها لنقاط مراقبة وصولاً إلى جنوب مدينة حلب، والصراع الدامي بين الفصائل..)، فضلاً عن توقف زخم تقدم قوات النظام هناك من الجنوب، فلم يبق إلا الغوطة الشرقية المحاصرة منذ أكثر من خمس سنوات، هدفاً "سهلاً" للعدوان الروسي.
أما مرد سهولته المفترضة فهو عدم اهتمام الولايات المتحدة، وحلفائها الغربيين، بتلك المنطقة المتروكة لمصيرها. العقل الإجرامي لبوتين المتشكل على مقاس الحرب على غروزني، لا يحسب حساباً، بطبيعة الحال، لا لسكان الغوطة المدنيين ولا للفصائل المسلحة المسيطرة عليها. هو يكتفي بمراقبة الدول المتدخلة، فيحدد، بناء على ذلك، مدى سهولة ابتلاع الهدف أو صعوبته. لذلك فهو، على الأرجح، لم يشاهد مظاهرات أهل الغوطة الذين هتفوا قائلين إنهم لن يرحلوا، وسخروا من باصات الترحيل الخضراء.
لم يرفع الروسي الفيتو، هذه المرة، في مجلس الأمن، عند التصويت على مشروع القرار رقم 2401 القاضي بهدنة فورية وشاملة على الأراضي السورية، لمدة 30 يوماً، لأن في نيته استخدام هذا القرار لتحقيق نصره على الغوطة باستسلام أهلها وترحيلهم. فباحتقار شديد لمجلس الأمن وقراره، واصل الطيران الروسي غاراته المدمرة على الغوطة، منذ لحظة إعلان قرار مجلس الأمن، ثم أعلن، في اليوم التالي، عن "هدنة يومية لمدة خمس ساعات" لإجلاء السكان المدنيين! كأنما ليقول: أنا مجلس الأمن، وأنا من يقرر تفاصيل الهدنة وتواتر القصف والهدوء! ملقياً قفاز تحديه في وجه الدول الأعضاء، وخاصةً الولايات المتحدة التي أذلته في الأشهر القليلة الماضية، واثقاً من أنها لن تكترث للمزيد من الضحايا المدنيين وأشلاء الأطفال الممزقة بالقنابل الروسية.
بنظرة إجمالية، يبدو "الدب الروسي" في سوريا، مثل الفيل الشهير، في المثل الإنكليزي، الذي دخل متجر الزجاجيات، يحطم كل شيء، بقصد أو برعونة خرقاء، ولكن بلا أي جدوى. ولن يستطيع، طبعاً، أن يعيد ترتيب المتجر ليصبح قابلاً للاستخدام من جديد.
إذا حدثت المعجزة وتمكن أهل الغوطة من كسر العدوان الروسي، سيكون بوسع الروس، الشهر المقبل، إعادة انتخاب رئيس تمرغ أنفه في الوحل والدم. فهنيئاً لهم به.
 
٭ كاتب سوري