الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مجالس مدنية موالية وممرات للربط في شمال حلب

مجالس مدنية موالية وممرات للربط في شمال حلب

07.09.2016
براء صبري


القدس العربي
6/9/2016
 كانت الأيام الماضية ساخنة بالأحداث ومليئة بالتفاصيل التي من خلالها على مايبدو يظهر المستقبل السياسي لشمال سوريا. وتظهر تلك التفاصيل مع الاستدارة التركية نحو المحور الروسي التي اعقبت الانقلاب الفاشل، والجروح التي تبعتها على العلاقة مع الغرب، الى الحراك المحلي السوري، من فك حصار حلب إلى سقوط داريا إلى تطهير منبج من داعش إلى القتال الكردي مع النظام في الحسكة الى الدخول التركي لجرابلس. صدامات محلية في سوريا تحمل رسائل للساحة العامة التي تتوق لحل شامل مع أوضاع إقليمية جديدة ترتكز على مبدأ واضح ووحيد وهو المصلحة الداخلية تسبق المبادئ والخطابات الرومانسية عن واجب دعم المظلومين والثوار لبعض الدول الإقليمية والتي رافقت أمواج ثورات الربيع العربي المرعبة وأدت بهلاك الكثير من المظلومين من خلاله خدمة لمصالح تلك الدول المدعية الدعم.
ظل الكثير من الاكراد في سوريا في صدمة من تصريحات جون بايدن الذي كان في زيارة لأنقرة المطالبة لقواتهم المتمثلة بوحدات حماية الشعب بالانسحاب إلى شرق الفرات، وترحيبه بالدخول التركي مع بعض كتائب الجيش الحر الموالية لها الى جرابلس التي كانت قاب قوسين من تحريرهم لها. كان الرد الكردي الشعبي المصدوم يتركز على خطاب واضح يقول: (لماذا اذاً كل هؤلاء الشهداء؟).
السلاسة التي ظهرت عليها ردود القيادة السياسية للقوات الكردية أمام التصريح الأمريكي الصادم المرافق لدخول تركيا جرابلس، كان يظهر بوضوح أن قوات التحالف أرسلت نوعا من الخطاب التطميني لهؤلاء المنسحبين بأنهم لم يخسروا شيئا من جهدهم، وبأن لا أحد يخرج من التحالف مع أمريكا بخسارة، فكيف اذاً يمكن لقوات التحالف أن ترضي الأتراك والأكراد معاً؟ وكيف لها أن تحمي المناطق التي تم تحريرها من داعش على يد قوات سوريا الديمقراطية من تمدد الجماعات الموالية لتركيا؟ وكيف سيتحقق الحلم الكردي بربط كوباني بعفرين في ذات الوقت الذي لاتغضب فيه تركيا ولاتثير القلاقل لها؟
يظهر الجواب المشترك لكل تلك التساؤلات واضحاً من سياقات التصاريح والبيانات التي أعقبت المطالبة الأمريكية المذكورة سابقاً من طرف القوات الكردية، وقوات التحالف، وحتى تركيا معاً. الأكراد قرروا الانسحاب ولكنهم تركوا وراءهم مجلسا محليا باسم مجلس منبج يحميه مجلس منبج العسكري الرديف للقوات المنسحبة، والمتلبس باللون المناطقي لتلك الانحاء. في حقيقة الأمر الجميع يبحث عن حلول وسطية للجميع المنهك في سوريا. الأكراد لايمكنهم القتال إلى الأبد في شمال حلب للربط المطلوب، والغرب لايمكنه الاستمرار في الدعم بعد انتهاء داعش هناك، وخاصة إذا كانت المعركة بعد داعش مع أطراف تعتبر نفسها معتدلة، ومعارضة، وحليفة لتركيا الدولة العضو في الناتو. تركيا هي الأخرى تخشى من الزيادة الفاقعة في التركيز على الأكراد السوريين، وخسارة خطاب الحل المنشود لسوريا من بوابة إظهار نفسها كطرف محايد لا مشارك في الحرب. وتخشى أكثر أن يزيد التركيز على محاربة الأكراد في زيادة الاستقطاب الداخلي في مجتمعها المستقطب اصلاً. وخاصة ان الأكراد في تركيا وممثليهم السياسيين الذين رفضوا الانقلاب لم يلتفت اليهم أحد من رجال السلطة بعد النجاة، في تعزيز لصورة رفض الوطن لهم، والتي تحجب بدورها أي أمل لسلام داخلي مديد وحل لمشكلة الهوية المزمن.
تكمن الحلول في سوريا من على أبواب منبج. يحاول الأكراد بالإضافة إلى محاربة داعش، وإبعاده قدر المستطاع، الربط بين مناطقهم المتباعدة. وخاصة أن القلق على عفرين المعزولة لايترك لهم مجالا للالتفات إلى أمور داخلية تحتاج إلى مراجعة ملحة كممارسة السلطة بالصورة التسلطية التي ظهرت بها الإدارات الذاتية في بعض الأماكن، والاستقطاب السياسي والمجتمعي. الربط كان سينجح بسهولة أكثر لو أن الغالبية السكانية لتلك المناطق في شمال حلب من الأكراد. وكان سينجح ايضاً لو كانت داعش تسيطر على كل الشمال، ولو لم تكن أعزاز بيد تنظيمات لاتجد فيها أمريكا أي عداوة معها. مدينة اعزاز كانت ستظل رغم قدرة الأكراد على الوصول إلى عفرين عن طريق الباب حاليا، وبدعم من التحالف حتى، المشكلة الأكبر لهم. لايمكن ان يبقى جيب للمعارضة المدعومة من تركيا وحيداً هناك على الحدود، ولايمكن الهجوم عليه والسيطرة على البوابة التركية السورية المجاورة. كان سيتحول وضع أعزاز إلى شبيه وضع عفرين الحالي. عزلة وتوق للوصول إلى المجموعة السكانية والعسكرية القريبة منها. فكان الدخول التركي لجرابلس وبمباركة أمريكية وشبه رضا روسي وسوري وإيراني جزء من عملية لرسم ملامح الخرائط النفوذية هناك، ووضع حلول وسطية للجميع. واضح أن الأتراك سيحمون الكتائب السورية الموالية لها، من اي طرد ممكن على يد قوات سوريا الديمقراطية، وستدعمها للوصول إلى بلدة الراعي للسيطرة على شكل شبه مستطيل من الأراضي يوازي الحدود ويصل الفرات بأعزاز. وواضح ايضاً أن الأكراد سيسيطرون على باقي مناطق داعش في غرب منبج، ويصلون في آخر المطاف بموازاة المستطيل المدعوم تركياً من بوابة الباب الى كانتون عفرين، وسينسحبون شكليا، ويتركونها لمجلس محلي جديد بدأ الترويج له مسبقاً.
يرتاح المشهد في شمال سوريا بين جميع الأطراف المنهكة وبين حلفائهم الدوليين المتوترين بالتداخلات الحاصلة بخطوط تواصل لاتتملكها قوات عسكرية واضحة الشارة بقدر ماتتملكها مجالس مدنية رديفة لتلك للقوات، والتي تراقب للحماية من بعيد. وبوجود نوع من القوات الأمنية التي تحمي تلك المجالس داخلياً كمجلس منبج العسكري الرديف لمجلس منبج المدني. فيكون طريق الربط بين كوباني وعفرين ماراً من الفرات إلى منبج فالباب بشكل افقي، ويشق ذات الممر عمودياً ممر آخر للربط بين مناطق المعارضة السنية في (اعزاز- جرابلس) مع باقي المناطق القريبة لها سياسياً في إدلب وأطراف حلب جنوب مناطق نفوذ المجالس المحلية القريبة من الأكراد، والذي سيساعد في عدم انقطاع الدولة التركية أيضاً من التواصل مع حلب فيما توصلت الأطراف السورية إلى حل للحرب السورية بينهم بعد خسارتها لحلم السيطرة الكاملة على المدينة. ويكون بذلك عقد الإتصال التي يمكن تسميتها بالممرات الهلامية محمية نفوذياً، وبصورة غير رسمية من ناحية السيطرة لطرف أو آخر. ويترك ذلك المشهد الأمل واضحاً بانسحاب تركي إلى الخط الحدودي، وان في حالة تأهب دائم للعودة دعما لجماعتها. وترفع الحرج عن أمريكا في مواجهة المطالب التركية بوقف تمدد الأكراد. ويسمح لها بعدم خسارة الأكراد الغاضبين من إمكانية التخلي الأمريكي عنهم بعد كل هذه المعارك والتضحيات. وخاصة أن المعركة الأكبر، والوداعية، لثماني سنوات من حكم أول رئيس أسود لأكبر دولة في العالم في سوريا لازالت على الأبواب، ولن تجد بعد كل هذه السنوات من البحث عن حليف موثوق ضمن الخارطة السورية المتصادمة من ينجحها بقدر من نجح سابقاً بها وقدر على هزيمة التنظيم الذي يقبع هناك في الرقة المنهكة منذ أكثر من سنتين في أكثر من مكان وأكثر من وقت مختلف.
 
حقوقي وكاتب من سوريا