الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مجلس قيادة الثورة السورية في غازي عنتاب

مجلس قيادة الثورة السورية في غازي عنتاب

07.12.2014
وائل عصام



القدس العربي
السبت 6-12-2014
على مدى الأسبوع الماضي تلقيت اتصالات من صحافيين ومذيعين زملاء يعملون في قنوات إخبارية عربية رائدة وصحف مؤثرة، كان الجميع يسأل عن مجلس قيادة الثورة السورية الذي تأسس قبل أيام في غازي عنتاب في تركيا، وعن بعض الشخصيات القيادية فيه، كان جوابي للجميع بأني غير مهتم بمتابعة أخبار هذا المجلس، لسبب بسيط وهو أنني لا أعتقد أنه يملك تأثيرا عسكريا أو مدنيا في الداخل السوري.
لكن ما هو لافت حقا، غرام الإعلام العربي بالمسميات واليافطات العريضة لبعض الكيانات تماما، كغرام أصحابها بها.. من دون الأخذ بعين الاعتبار مدى التأثير الفعلي لهيئات كهذه وثقلها الشعبي والاجتماعي. ولعل ما قفز الى ذاكرتي وأنا أتابع أخبار الكيانات الثورية لسورية، التي تتوالد بالعشرات منذ انطلاق الانتفاضة، هو مصير العشرات من السياسيين والعســكريين، الذين أردوا توجيه موجة الثورة وتلقوا دعما إقليميا إعلاميا وسياسيا هائلا، والاضطلاع بدور، لكن ضآلة وزنهم بالداخل لم تسعفهم.
على مستوى الفصائل هناك من حمل اسماء عريضة وبراقة وكأن جنود فصيله موجودون من أقصى شمال سوريا إلى جنوبها، رغم أنه في حقيقته فصيل يضم مقاتلين من بضع قرى من ريف أدلب أو ريف حلب، ونفوذهم محدود في تلك القرى. كما ان إعلام بعض القنوات الإخبارية العربية المغيب في كثير من الأحيان أو المسيس في معظم الأحيان، تعمد إبراز فصائل على حساب فصائل، فإن من بقي على الارض وفرض نفسه لم يتأثر في النهاية بالإرادة الخارجية.
ولعل الأمثلة كثيرة من الدول التي شهدت مخاضات مشابهة.. حيث تقفز اسماء للإعلام ويتهيأ للناس أنهم صقور المرحلة، وفجأة يتوارون ولا أحد يذكرهم، في العراق بعد سقوط بغداد بيومين عين الحاكم العسكري غارنر شخصا عراقيا كان قياديا في المعارضة ليكون محافظا لبغداد، لا اذكر اسمه ولم أسع لحفظه، لأنني أدركت من اليوم الأول انه لن يستمر سوى بضعة أيام، قبل أن تتولى الأحزاب الشيعية والكردية صاحبة النفوذ الشعبي الكبير دور القيادة، ولكنه لم يكن مقتنعا بأنه يمكن لأحد أن يسلبه موقعه الذي منحه إياه الأمريكيون، لذلك كان يتجول بطريقة استعراضية مضحكة ومعه مرافقون كحماية له، وبعد بضعة أيام عندما تبين أنه بالكاد قادر على التأثير على سكان شارع واحد، اضطر الأمريكيون إلى لاستعانة بالأحزاب الشيعية كحلفاء اقوياء يملكون نفوذا دينيا وبالتالي مجتمعيا، لم يبق محافظ بغداد الذي عينه غارنر سوى ايام قبل ان نراه وهو يخضع للتفتيش من قبل جندي أمريكي عند نقطة تفتيش.
كذلك الحال في سوريا، مخطئ من يظن أن القوى الخارجية نجحت في فرض الفصائل التي تريد في مناطق المعارضة، من دون الأخذ بالاعتبار وزن وتأثير تلك الفصائل وقبولها اجتماعيا.. العكس تماما هو الذي حصل
من الناحية العسكرية، فمنذ عامين وخريطة السيطرة والنفوذ تتوزع بين ثلاث كتل رئيسية، الأولى هي "الجبهة الإسلامية" ذات التوجهات السلفية وفصائلها الكبرى كـ"أحرار الشام" (التي كانت في وقت ما أكبر وأقوى فصائل المعارضة) و"لواء التوحيد" أكبر فصائل حلب، و"صقور الشام" القادم من جبل الزاوية بإدلب، و"لواء الإسلام" بثقله الرئيسي في ريف دمشق.
أما الكتلة الثانية فهي "القاعدة" بجناحيها "النصرة" و"تنظيم الدولة".. وكان بينهما مناطق نفوذ تشهد صراعا في حلب وإدلب ودير الزور والرقة ومناطق شهدت انسجاما في العمل العسكري بينهما، كالقلمون وريف حماة وريف حمص.
أما الكتلة الثالثة فهي ما يعرف بـ"الجيش الحر"، وهي الكتائب التي ارتبطت ماليا وإداريا بهيئة أركان الجيش الحر، وظلت محدودة النفوذ مقارنة بالكتلتين السابقتين، رغم تلقيها دعما هائلا من السعودية والأردن، إلا أن هذه الكتلة اضمحلت في الفترة الأخيرة، ومؤخرا تم إقصاء أقوى فصائلها جمال معروف في إدلب على يد "النصرة"، كما ان ثلاثة من أهم فصائل "الجيش الحر" بالقلمون بايعت تنظيم "الدولة الاسلامية" قبل أيام.. وتبقى درعا هي المحافظة التي احتفظت لهذه الكتلة بنفوذ، بحكم التأثير القوي للمخابرات الأردنية على تلك المنطقة.
حاليا، الكتلة الثالثة "اركان الجيش الحر"، أقصيت عن معظم الساحات في مناطق المعارضة، والكتلة الاولى "الجبهة الاسلامية"، تضاءل نفوذها كثيرا بعد فقدان قدرتها على تحقيق أي تقدم عسكري ضد النظام في الآونة الأخيرة، التي شهدت أيضا خلافات داخلية وصلت لحد الاشتباكات بين فصائلها، كما وقع عند معبر باب الهوى، كما أن فصائل الجبهة فقدت خيرة قياداتها باغتيال الحاج مارع، قائد "لواء التوحيد"، ومن بعده ثلاثون من قادة "أحرار الشام" في حادثة الاختناق بالرام بإدلب.. وبعد دخول مجموعاتها بصدام مع تنظيم الدولة كانت قد خاضت تحديا داخليا بالحفاظ على وحدة صفوفها أمام النزاع المدمر مع "إخوة المنهج".
لكن "إخوة المنهج" فرضوا سيطرتهم في نهاية المطاف، وهكذا فان الكتلة الثانية المتمثلة بنسختي "القاعدة" في سوريا ( النصرة وداعش) هما الاكثر نفوذا وقوة وامتدادا، في مناطق المعارضة.
معظم إدلب بيد جبهة النصرة، وكذلك تمتد النصرة كفصيل قوي عسكريا وشعبيا في القلمون والقنيطرة وريف دمشق وريف حماة، أما "داعش" فيسيطر على كل دير الزور والرقة والمناطق الشرقية الممتدة نحو ريف حلب الشرقي وريف حمص وحماة الشرقية.
لذلك فإن أي حديث عن كيانات تحظى بدعم خارجي لا قيمة له أمام خريطة النفوذ الحالية لفصائل المعارضة التي تهيمن عليها "القاعدة" بشقيها، والتي تتميز باستقلالية قرارها وتمويلها عن الدول الداعمة، كما أن أي حديث عن مفاوضات سياسية لشخصيات معارضة سورية كمعاذ الخطيب، تروم إنجاز اتفاق يتضمن حلا سياسيا بإشراف إقليمي او دولي، لن يكون له أي قيمة، ما دامت قيادات المعارضة السورية، سواء في الائتلاف، أو أي مجالس ثورية
يعيشون في كوكبهم البعيد عن واقع المناطق المعارضة وفصائلها المتنفذة.. فكيف يمكن لمجلس ثوري يؤسس نفسه في تركيا ولا يستطيع أن يعقد اجتماعاته في مناطق الثوار؟ وكيف يمكن لمعارض سياسي أن يفاوض النظام باسم معارضة تسيطر على مناطقها فصائل لا تعترف به؟
الأسد الآمر الناهي في كل مناطق سيطرة نظامه، فهل قادة المعارضة السياسية السورية يستطيعون اليوم الإقامة لأسبوع واحد في مناطق المعارضة؟
٭ كاتب فلسطيني