الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مصالح السياسة التركية في سوريا والعراق

مصالح السياسة التركية في سوريا والعراق

12.10.2014
وائل عصام



القدس العربي
السبت 11-10-2014
نائب الرئيس الأمريكي لم يقل ان تركيا دعمت داعش، بل قال ان تركيا والدول العربية الحليفة لواشنطن دعمت أي مجموعة تريد قتال الأسد بملايين الدولارات وأطنان الأسلحة، وتعاونت مع " عناصر لها ارتباطات واضحة بجبهة نصرة والقاعدة والجهاديين المتطرفين" .. بايدن لم يذكر داعش أبدا .. بل " عناصر ((لها ارتباطات)) بالنصرة والقاعدة " .. وهذا صحيح،، فكثير من ثوار سوريا الإسلاميين وتنظيمات المعارضة الإسلامية السلفية الجهادية لها علاقات بشكل أو باخر مع النصرة والقاعدة، فمثلا أبو خالد السوري القيادي البارز لأحرار الشام كان قياديا مقربا من اسامة بن لادن في افغانستان، لكن من اغتاله هو تنظيم الدولة داعش ! ومن قتل أبو ريان ومثل بجثته هو وغيره من قيادات الأحرار هو تنظيم الدولة داعش الذي دخل بصراع دام مع كل الفصائل الجهادية الاخرى ..
فكيف تكون تركيا داعمة لداعش وتدعم الفصائل التي تقاتلها في نفس الوقت ؟!
الغضب التركي والمطالبة بالاعتذار ليس لأن بايدن ذكر ان تركيا دعمت داعش، بل لأن بايدن المح إلى دعم تركيا لمنظمات مرتبطة بالإرهابيين، وداعش على قائمة المنظمات الإرهابية في تركيا، ولكن أحرار الشام والتوحيد، وصقور الشام، ليسوا على أي قائمة للإرهاب لا في تركيا ولا الولايات المتحدة ..
كما ان بايدن أفشى تفاصيل اجتماعه باردوغان، وهو ما أغضب الأخير ..
ويخطىء من يعتقد ان بايدن كان يقصد الإشارة لداعش عندما تحدث عن النصرة والعناصر المرتبطة بالقاعدة، فاسم داعش تنظيم الدولة الإسلامية متداول جدا لدى الساسة الأمريكيين ومراكز الابحاث الأمريكية ( isis ) .. التي يستقي منها صناع القرار الغربيين معلوماتهم، ولذلك فهو ايضا كان دقيقا عندما قال " عناصر لها ارتباطات بالنصرة والقاعدة" ولم يقصد حتى النصرة والقاعدة كتنظيم .. وهكذا فإن بايدن كان دقيقا حتى في تصريحات سياسية قد لا تشترط فيها الدقة أحيانا لأغراض مصلحية، ولكن الإعلام العربي لا يتعامل مع الأخبار بعقل موضوعي بل بعقل مسيس، حتى الترجمة تمر عبر فلاتر الرغبات والتسييس، ليظل الجمهور العربي مضللا بإعلام يغذيه بالكثير من الكراهية والتسييس والقليل من المعرفة والمعلومة .
الحقيقة ان الدعم التركي والعربي لفصائل المعارضة السورية كان شبه علني، والفصائل التي حظيت بالدعم هي أحرار الشام، والتوحيد، وصقور الشام، وجيش الاسلام وغيرها من فصائل الإسلاميين الجهاديين صاحبة الدور الأكبر في المواجهة مع النظام وهي فصائل كانت مقربة من قطر وانضوت مؤخرا في الجبهة الإسلامية، وفصائل أخرى مقربة من السعودية كشهداء سوريا (جمال معروف) وأحرار سوريا وباقي فصائل هيئة أركان الجيش الحر المحدودة التأثير والنفوذ ..
كان الدعم التركي يتم بالتنسيق مع غرف للمخابرات القطرية والسعودية في تركيا تتولى إدخال شحنات السلاح المشترى من دول أخرى، والدور التركي اقتصر على السماح لهذه الشحنات بالدخول عبر الحدود التركية للأراضي السورية من دون ان تقدم تركيا بنفسها شحنات سلاح أو حتى مبالغ مالية في معظم الأحيان في سياسة كانت تهدف أولا إلى الاستجابة لجمهور حزب العدالة والتنمية الحاكم المتعاطف تماما مع الثورة السورية، وثانيا إلى تقديم دعم تركي لثوار سوريا يستطيع مواجهة الدعم الإيراني للنظام السوري ..
ولكن كل هذه النشاطات في دعم الفصائل وإدخال الأسلحة كانت تتم بتنسيق وعلم المخابرات الأمريكية التي كانت تشترط على الدول الداعمة ( قطر والسعودية) عدم إدخال اي أسلحة نوعية تؤدي لاخلال التوازن بالقوة بين الثوار والنظام حتى ان شحنات الأسلحة كانت تفتش وتقارن بقائمة أسلحة نوعية محظورة، لأن الأمريكيين كانوا يريدونه سلاح استمرار لا انتصار .. الأمريكيون لم يريدوا أبدا انتصار الثوار، لم يريدوا أبدا إسقاط نظام الاسد .. وهم لم يدعموه،، لكنهم ايضا لا يريدون إسقاطه .. لأن البديل الاسلامي السني يقلقهم ويخيف إسرائيل التي تفضل نظاما أقلويا أقل عداء لها في دمشق.
أما الدعم الذي كان يصل لداعش من رجال أعمال خليجيين ورجال دين في السعودية والكويت فهذا لا علاقة له بالموقف الرسمي لهذه الدول الخليجية التي تناصب التيار السلفي الجهادي في بلادها عداء كبيرا ..
الأمريكيون يعرفون جيدا ان تركيا لم تقدم دعما لتنظيم داعش، أو حتى النصرة فرع القاعدة الرسمي في سوريا، ويعرفون انهم وحدهم من قدم دعما للقاعدة عندما كانت تقاتل عدوهم المشترك الاتحاد السوفييتي، وان حلفاءهم العرب خصوصا السعودية لا يجرأون على تقديم أي دعم للقاعدة دون ضوء أخضر من واشنطن، كما حصل في افغانستان، عندما تلقى الجهاديون الإسلاميون هناك دعما وتسهيلات كبيرة من السعودية، من دون ان يعني هذا ان أمريكا صنعت القاعدة في افغانستان، بل هو من سنن السياسة واتفاق المصالح، الأمريكيون براجماتييون كانوا مستعدين لدعم عدو عدوهم في افغانستان لمرحلة ما إلى ان تخلصوا من الاعداء الاثنين السوفييات وطالبان لاحقا .. وهو ما تحاول تركيا فعله الآن بتأجيل الصدام مع داعش .. الذي بات الآن عدو نظام الأسد الاول، وداعش ايضا عدو الميليشيات الكردية التي تريد إقامة منطقة حكم ذاتي كردي على الحدود الجنوبية لتركيا، كما ان داعش هو الآن التحدي الاول لمنافس تركيا في الإقليم .. ايران.. ولم يبق على الإيرانيين إلا ان يزجوا بقواتهم البرية في العراق بعد ان فشل قاسم سليماني بنفسه في منع تمدد التنظيم في العراق وصولا لطوق بغداد .. وهكذا فإن مصالح السياسة التركية في سوريا والعراق تبدو متفقة مع الرؤية المعلنة لتركيا، فهي تريد القضاء على نظام الأسد الذي برحيله ستفقد داعش مبررات وجودها المتمثلة ب ( الغضب السني ) .