الرئيسة \  واحة اللقاء  \  معاني التدريبات الروسية الإسرائيلية فوق سوريا

معاني التدريبات الروسية الإسرائيلية فوق سوريا

18.10.2015
رأي القدس
رأي القدس



القدس العربي
السبت 17/10/2015
أعلنت وزارة الدفاع الروسية أمس أن طيارين من روسيا وإسرائيل بدأوا تدريبات لضمان "تحليق الطائرات بأمان فوق سوريا"، وأن موسكو أقامت "خطا مباشرا" لتبادل المعلومات حول تحركات الطيران بين مركز قيادة الطيران الروسي في قاعدة حميميم الجوية في سوريا ومركز قيادة سلاح الجو الإسرائيلي.
الإعلان تبعه تصريح لمسؤول أمريكي في واشنطن يقول إن بروتوكول اتفاق بين واشنطن وموسكو "لتجنب الاصطدام في أجواء سوريا يمكن أن يوقع ويطبق في الأيام المقبلة"، كما أكدت موسكو من جانبها أن الاتفاق "بات وشيكا".
تبعث سرعة التوصل إلى اتفاق بين موسكو وتل أبيب وتدريبات طياري البلدين معا، أسئلة حول معانيها السياسية، قبل العسكرية، فالمفترض أن روسيا تقود تحالفاً يزعم محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية"، ويضمّ أنظمة إيران والعراق وسوريا، بينما تقف إسرائيل، على المستويات العسكرية والسياسية، تحت مظلة الولايات المتحدة الأمريكية، كما أنها على خصومة شديدة مع إيران وحلفائها في المنطقة، وخصوصاً "حزب الله" اللبناني.
التنسيق الجوّي، يُفهم منه بالضرورة، أن على روسيا أن تعلم إسرائيل مسبقا عن الأهداف التي تقوم بقصفها، وخصوصاً في محافظات دمشق وريفها ودرعا والسويداء، وهي المحافظات القريبة من مراكز القيادة والسيطرة الجوية الإسرائيلية، وأن على تل أبيب أن تخبر موسكو بتحليق طائراتها لقصف أهداف قد تكون للجيش النظامي السوري أو لحزب الله اللبناني أو حتى قوات إيرانية!
سياسياً، يخلق هذا الوضع نوعاً من القاسم المشترك الأعظم بين المصلحتين الروسية والإسرائيلية يعني، فيما يعنيه، أن تل أبيب لن تكون معنية بمهاجمة روسيا لأي طرف عسكري معاد للنظام السوري، ولكنه يضمن بالمقابل "حق إسرائيل" في مهاجمة الجيش السوري أو أي فصائل تابعة له، أو حزب الله اللبناني، أو القوات الإيرانية، إذا قرّرت تل أبيب أن تحركاً لأحد هذه الأطراف يشكل خطراً عليها.
وتلخيص هذا أن كسر المصلحتين الروسية والإسرائيلية في سوريا يتعارض في الصورة ويلتقي في المخرج، وأن التحالفات الروسية المعلنة على الأرض ليست إلا تحريكاً لأدوات يمكن استخدامها واستهلاكها والتخلص منها على مذبح المصالح الاستراتيجية الكبرى، وأن التحالف الصلب الحقيقي هو تحالف روسيا مع نفسها فحسب!
في المقابل فإن الاتفاق الأمريكي الروسي المقبل سيكون اتفاق حدّ أدنى يمنع الاشتباك الجوّي بين طيّاري البلدين لكنه لن يوقف الصراع المحتدم على الأرض، والذي بدأ يتّسع اتساعاً مهولاً بعد اكتشاف واشنطن أن روسيا تريد استغلال انكفائها العالميّ لتفرض أجندتها بالقوة إلى حيث يمكن للمخيلة أن تصل، وليس صدفة أن نقرأ اليوم عن تنفيذ طائرات روسية مشروعا تدريبيا فوق المحيط الهادئ، وتقديم غطاء جوي لهجوم كبير للجيش السوري، بالتوازي مع تصريحات تصبّ في اتجاه استفاقة أمريكية متأخرة على وقع الدب الروسي، ومنها إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أنه سيبطئ وتيرة خطط سحب الجنود الأمريكيين من أفغانستان، والذي ردّت عليه روسيا بالتشكيك في أن قرار واشنطن سيخفف من حدة الوضع هناك، وتبعه إعلان روسي عن خطط لتنظيم دوريات على مناطق حدود طاجيكستان مع أفغانستان، كما رافقه تنديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ"الموقف غير البناء" للولايات المتحدة الأمريكية لرفضها زيارة وفد روسي لها، وهو موقف يتعلّق، بالضرورة، بانزعاج أمريكي من استخدام الكرملين دعوى محاربة "الدولة الإسلامية" للهجوم على المعارضة السورية المعادية لنظام بشار الأسد.
يكشف الوضع السوري مجموعة من الأوضاع المعلنة والسرّية المعقّدة، فالجميع متفقون ظاهراً على مكافحة "الدولة الإسلامية"، ولكنهم منخرطون في تحالفات غريبة، قد تتّفق في الجوّ، وتختلف على الأرض، أو تتبع تحالفاً ما وتغازل تحالفاً آخر، والكلّ يريد أن يفرض أجندته بغض النظر عن مصالح شعوب المنطقة.
أحد الأمثلة على ذلك (إضافة إلى المثال الإسرائيلي الروسي الفاقع)، هو "وحدات الحماية الشعبية" الكردية، وهي فرع لحزب العمال الكردستاني "الماركسي ـ اللينيني"، والتي تتلقى الأسلحة والذخائر من الولايات المتحدة الأمريكية (العدوّ المفضل لليسار العالمي)، وتتبادل الخدمات مع النظام السوري (ومنها مثلا تبرئته من الهجوم الكيميائي على الغوطة)، وتحضر اجتماعات المعارضة، وتطلب الانضمام للتحالف الروسي، فترحّب روسيا بها باعتبارها من "القوى البناءة" في سوريا!
وفي خلفية كل ذلك تتابع تل أبيب ودمشق محرقتيهما ضد الشعبين الفلسطيني والسوري.