الرئيسة \  واحة اللقاء  \  معركة عفرين: معوقات الحسم العسكري وآفاق المعركة

معركة عفرين: معوقات الحسم العسكري وآفاق المعركة

03.02.2018
رائد الحامد


القدس العربي
الخميس 1/2/2018
لهدفٍ معلن لا يتضمن احتلال أجزاء من سوريا أو قتل مواطنين أكراد، أعلن الرئيس التركي بدء عملية "غصن الزيتون" عصر السبت 20 يناير 2018 لاستئصال أي وجود لمقاتلي تنظيم الدولة وحزب العمال الكردستاني في منطقة عفرين، ثم منطقة منبج في مرحلة لاحقة، وتطهير كامل الشريط الحدودي وصولا إلى حدود العراق، لإبعاد التهديدات عن الحدود والداخل التركي، كجزء من استراتيجية الحفاظ على الأمن القومي التركي.
لا يحتاج المراقبون لكثير من الجهد لمعرفة الاستراتيجيات التركية في ما يتعلق بالمحافظة على أمنها القومي، على طول الشريط الحدودي مع سوريا؛ وتركز تركيا على الحد من تهديدين اثنين يتمثل التهديد الأول في تهديد تنظيم "الدولة" على أمنها الداخلي ومدنها الحدودية، قبل أن تنجح القوات التركية بمساندة الفصائل السورية الحليفة في إبعاد هذا التهديد المباشر عن حدودها، غداة سيطرتها على بلدات الراعي واعزاز وجرابلس في شتاء وصيف عام 2016.
أما التهديد الثاني بعد تدني مستوى خطر التهديد الأول إلى حد ما، فيمثله وجود قوات سوريا الديمقراطية الحليفة للولايات المتحدة على الشريط الحدودي بين تركيا وسوريا، ونزوع هذه الوحدات لإقامة منطقة خاضعة لسيطرتها يمكن أن تقيم عليها كيان سياسي كردي مستقل أو شبه مستقل، أو أن تشكل منطلقا لشن هجمات على المدن الحدودية والداخل التركي. وتصنف تركيا وحدات الحماية الشعبية الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري، التي تقود قوات سوريا الديمقراطية كمنظمة إرهابية مرتبطة تنظيميا بحزب العمال الكردستاني المحظور، الذي يخوض حربا مع القوات التركية منذ عام 1984 وحتى اليوم؛ كما أن الولايات المتحدة وضعت حزب العمال الكردستاني على قائمة الإرهاب، إضافة إلى دول عربية عدة وإيران ودول الاتحاد الأوروبي وغيرها. وتؤكد الولايات المتحدة على أنها لن تقدم أي دعم للقوات الكردية الموجودة في عفرين في حال شنت المعارضة السورية المسلحة بمؤازرة تركية هجوما لاستعادة بلدة عفرين، الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية. كما أن مسؤولين أمريكيين أكدوا في الآونة الأخيرة على عدم حاجة الولايات المتحدة لوحدات الحماية الشعبية المتواجدة في عموم غرب نهر الفرات في عملية ملاحقة تنظيم "الدولة" على الأراضي السورية.
ووفقا لتصريحات المتحدث باسم قوات التحالف الدولي، فإن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة سوف لن يشارك في المعركة المتوقعة في عفرين؛ وتقتصر مهمة قوات التحالف في العمل على هزيمة تنظيم "الدولة" بشكل كامل، والتأسيس لمتطلبات الاستقرار في مرحلة ما بعد التنظيم، بما يكفل عدم ظهوره مرة أخرى، وتتركز عمليات الدعم الذي تقدمه قوات التحالف بعد انتهاء معركة البوكمال على التغلب على ما تبقى من جيوب للتنظيم في شرق الفرات. في الحقيقة، بدا التحضير لمعركة عفرين منذ مارس 2017 في دلالة على أهمية إخلاء المنطقة من المقاتلين الأكراد، للأمن القومي التركي، وتزامنت تلك التحضيرات مع إعلان تركيا عن انتهاء المرحلة الأولى من عملية درع الفرات والمباشرة بالمرحلة الثانية التي اتخذت مسمى عملية سيف الفرات، التي بدأت الاستعدادات بنشر قوات تركية إضافية على الحدود في شمال غرب سوريا، لتأمين خطوط التماس بين فصائل المعارضة المسلحة ووحدات الحماية الشعبية، وبلغت ذروة الاستعدادات في أكتوبر 2017 بالتزامن مع نشر قوات إضافية للمعارضة المسلحة الحليفة لتركيا في شمال حلب، من أجل التحضير لعملية مستقبلية تهدف إلى إبعاد قوات سوريا الديمقراطية من المدينة الواقعة ضمن مناطق غرب نهر الفرات، وتتبنى تركيا استراتيجية مرحلية معلنة لا تسمح بموجبها بأي وجود لمقاتلين أكراد في هذه المناطق.
ولا ترى روسيا ما يستوجب الوقوف ضد الإجراءات التركية للحفاظ على أمنها القومي، حيث أقدمت على إخلاء جنودها ومستشاريها من خطوط التماس في عفرين ومنبج إلى عمق مناطق سيطرة النظام، لتعزيز مواقعها بما يحقق مكاسب مضافة لقوات النظام الحليفة لها في الدفاع عن مناطق سيطرتها من هجمات قد تشنها المعارضة السورية المسلحة مستقبلا.
وبعد عملية "غصن الزيتون" وجدت وحدات الحماية الشعبية نفسها أمام خيارات ضيقة في الرد على الهجوم البري، من قبل فصائل المعارضة السورية المسلحة وقوات خاصة تركية ظهيرة لها، مشفوعة بقصف تركي بري وجوي، ما يرجح احتمالات عقد تفاهمات روسية تركية لانسحاب مقاتليها من عفرين إلى شرق نهر الفرات. تهدف تركيا من عملية غصن الزيتون في منطقة عفرين شمال غرب مدينة حلب إلى توسيع المنطقة العازلة على الشريط الحدودي، الذي تسيطر وحدات الحماية الشعبية على نحو ثلثي المسافة منه بين الحدود التركية السورية العراقية المشتركة شمال شرقي محافظة الحسكة ومنطقة عفرين، أقصى شمال غرب محافظة حلب على الحدود السورية التركية. ويعد الشريط الحدودي من وجهة النظر التركية "ممرا للإرهاب" الذي ركز مسؤولون أتراك من بينهم الرئيس التركي الذي انتقد مطلع ديسمبر الماضي الخطة الأمريكية الموجهة ضد بلاده في "إقامة ممر إرهابي في شمال سوريا، واستمرار تسليح وحدات الحماية الشعبية في الوقت الذي لم يبق فيه تنظيم "الدولة" في المنطقة".
في ما أشار وزير الخارجية التركي إلى أن الرئيس الأمريكي أكد لنظيره التركي أنه "أمر بوقف توريدات السلاح إلى وحدات الحماية الشعبية".
ولا يُتوقع حسم عسكري قريب لمعركة عفرين، في حال لم يتم التوصل إلى تفاهمات بين الأطراف المعنية بالمعركة؛ وتزداد صعوبة الحسم العسكري عملياتيا نتيجة عوامل الكثافة السكانية للسكان الأصليين في المدينة التي زادت باطراد بعد موجات متتالية من النزوح إليها، وكذلك الطبيعة الجغرافية المعقدة للمنطقة الوعرة في بعض محاورها والطينية المعرقلة لحركة الآليات في محاور أخرى من محيط المدينة المحاصر كليا من جميع الجهات، مع حصار أقل إحكاما من المحور الجنوبي الشرقي الذي تسيطر عليه قوات النظام. ووفقا لتصريحات تركية فإن من بين الأهداف الأساسية للعملية هي محاصرة مقاتلي وحدات الحماية الشعبية، ومنعهم من مغادرة المدينة تمهيدا للقضاء عليهم؛ لكن هدفا كهذا لا يبدو من الأهداف السهلة نظرا للتحصينات الدفاعية والعمق السكاني لمقاتلين نسبة كبيرة منهم من أبناء المدينة، توزعوا في الأحياء وعلى مقتربات المدينة للدفاع عنها بتجهيزات قتالية أشارت معلومات إلى صواريخ مضادة للدبابات ومدافع متوسطة المدى وألغام وأسلحة أخرى من بينها صواريخ محمولة على الكتف، مضادة للطائرات تضاربت الأنباء حول حقيقة امتلاكهم إياها، كما ان وسائل الإعلام لم تتحدث عن استخدامها حتى هذه الساعات.
في كل الأحوال سيكون لطول أمد الحرب حافزا اضطراريا للطرفين لتقديم تنازلات متبادلة مهما كانت مؤلمة، طالما انهما سيتوصلان حتما إلى قناعة مشتركة باستحالة الحسم العسكري، من حيث قدرة وحدات الحماية الشعبية على هزيمة فصائل المعارضة السورية المسلحة والجيش التركي، ومنع سقوط المدينة، واقتناع القيادة التركية باستحالة القضاء على نحو 20 الف مقاتل كردي في عفرين، وان استمرار الحرب طويلا سيكون له ثمن باهظ على الجيش التركي، وعلى المدنيين في عفرين الذين سيكونون هم الأكثر تضررا من استمرار المعارك، ورفض المجتمع الدولي لوقوع ضحايا مدنيين على نطاق واسع.
كاتب عراقي