الرئيسة \  واحة اللقاء  \  مقتل قادة "أحرار الشام" بين داعش والقضاء والقدر

مقتل قادة "أحرار الشام" بين داعش والقضاء والقدر

14.09.2014
وائل عصام



القدس العربي
السبت 13-9-2014
معظم التحليلات والتأويلات التي سيقت لتفسير مقتل قادة الاحرار، لا تستند الا لشيئين.. روح النكاية والخصومة، المؤمراة.. وفي احسن الاحوال البحث عن المستفيد. صحيح ان مقتل قادة كبار لأهم فصيل مسلح للمعارضة يجب ان يثير التساؤلات حول المستفيد من ذلك، العدو الاول وهو النظام ، وداعش الفصيل المنافس على السلطة والنفوذ في المناطق السنية، لكن هناك عدوين آخرين قد يكونان اشد فتكا بالاحرار وباقي فصائل المعارضة المسلحة، الاول هو عقلية "خليها عالله"! والثاني هو التيار الداعشي في كل فصيل.
فضعف الاحترازات الامنية والتساهل الذي يصل للاستهتار احيانا، ظاهرة مؤشرة بقوة عند الكثير من عناصر وقادة الفصائل، خاصة ان كثيرين منهم حديثو التجربة العسكرية والامنية، وسبق ان ذهب ضحية هذه الذهنية قادة وعناصر كثر نتيجة اخطاء لا تغتفر.. ككشف مواقع تمركزهم امام النظام او الدخول في طرق يسيطر عليها الشبيحة بدون التحسب لذلك، او التعرض لرصاصات القناصين المعروفة، او انفجار ذخائر في مواقع، وكلما تلقوا تحذيرات بضرورة الحيطة كان الجواب دائما "خليها عالله"!
كل شهادات شهود العيان التي جاءت من موقع اجتماع قادة الاحرار، تؤكد ان القادة قتلوا جراء استنشاقهم ادخنة وغازات سامة نتجت عن انفجار مستودع ذخائر وورشة لتصنيع القذائف ملاصقين لمقر الاجتماع.. فكيف يعقد اجتماع به كل هذا العدد من القادة بجوار مستودع اسلحة وورشة تصنيع ذخائر؟
نفهم ان معظم المواقع الحصينة تحت الارض، كالتي جرى فيها الاجتماع، تستخدم ايضا لحماية ورش التصنيع، وهذا موجود في اكثر من مغارة ومخبأ للفصائل في ريف ادلب وريف حلب، لكن ان تبقى الذخائر وقت حدوث الاجتماع فهذا خطأ لا يغتفر.
ثلاثة من شهود العيان اكدوا حتى الان ان الحادث وقع نتيجة تفجير المستودع، واهمهم هو مرافق القيادي في احرار الشام ابو ايمن رام، الذي كان ايضا مسؤولا عن ورشة التصنيع، والذي كان يظهر في كثير من الصور وعلى طاولة مكتبه قذائف المدفعية، قال المرافق ان الحادث قضاء وقدر، وشرح في حديث تم نشره، ان انفجارا وقع في المستودع ادى لتهدم وانغلاق المخرج الوحيد لموقع الاجتماع تحت الارض، ما ادى الى انسداد فتحات التهوية واختناق القادة بدخان الذخائر والابخرة السامة المنبعثة من ال"تي ان تي".
وان الاشخاص الذين يملكون مفاتيح الباب الضخم الوحيد للموقع تحت الارض قتلوا ايضا في الحادث، لذلك من المستبعد ان يكون هناك اختراق، فالضحايا هم صفوة الصفوة. وكلهم قتلوا في الحادث. مرافق اخر للقادة اكد انه لم يحدث اي قصف للمبنى، لان سقف المبنى سليم، واكد عدم وجود اي سيارة مفخخة انفجرت، واكد عدم وجود اي انتحاري بعد تفحض الجثامين، ولان كل المجتمعين من الثقات. ولعل القصة الاشهر لمثل هذه الاخطاء وسوء التنسيق، حدثت عندما قتل القائد العسكري المحنك للواء التوحيد ابو فرات، وثلاثة من خيرة القادة واعلامي مميز من لواء التوحيد في معركة مدرسة المشاة بريف حلب، نتيجة سوء تنسيق مع زملائهم المقاتلين، ويومها وصلنا انا واثنان من الصحافيين السوريين، هما مؤيد سلوم ومحمد تيسير بلو لموقع المدرسة، بعد دقائق من وقوع الحادثة، والتقينا بقيادي كان مرافقا لابو فرات لحظة مقتله، قال بعد سيطرة الثوار على مدرسة المشاة، ظلت مجموعة صغيرة من جنود النظام متحصنة في مبنى لم يلتفت له المقاتلون، والتفتوا بدلا من ذلك لجمع الغنائم والذخائر وتوزيعها بين الفصائل، رغم مطالبات ابي فرات والقادة الاخرين البيانوني وطلاس بضرورة تمشيط المدرسة بالكامل، لكن لم تؤخذ توجيهاتهم بجدية، ليخرج جنود النظام المحاصرون بدباية ظنها ابو فرات وزملاؤه تتجه اليهم بعد ان قادها الثوار، واذا بها تطلق عليهم النار لترديهم جميعا ثم تفر مع الجنود الى سجن حلب المركزي المجاور لمدرسة المشاة.
صحيح ان هذه الاخطاء تحدث، خصوصا مع ثوار غير مدربين، ولكن نسبتها في الحالة السورية كانت اعلى مقارنة مثلا بالحالة العراقية، حيث كان معظم عناصر الفصائل السنية في المقاومة العراقية قد اكتسبوا خبرة كبيرة من القتال بالجيش العراقي والحرس الجمهوري.
واليوم وكلما ذكرت قصة ابو فرات تجد الكثيرين يتحدثون عن مؤامرة لاغتياله! رغم ان هذه التحليلات متخيلة وتجافي حقيقة ما حصل. والمفارقة ان الزملاء الاثنين الرائعين اللذين كانا معي في تلك الاثناء بمدرسة المشاة مؤيد سلوم ومحمد تيسير بلو، دفعا ثمنا غاليا جدا ايضا لعقلية التساهل نفسها وعدم الاحتراز، فمؤيد سلوم اعتقلته داعش عند نقطة تفتيش، بعد ان شاهدوا ميكرفونه الذي يشير لعمله مع قناة اورينت السورية، رغم كل تحذيرات زملائه له حتى الساعة الاخيرة قبل اختطافه بضرورة عدم سلوك طريق الكاستيلو المجاور لمدرسة المشاة، لكنه كان يتجاهل كل التحذيرات، ونأمل ان تكون الاخبار عن اعدامه داخل سجون داعش غير صحيحة. اما محمد تيسير بلو، فقد كنت دائما احذره من المرور امام المساحة المكشوفة للقناصة، لكنه قضى برصاصة قناص قبل عام في الحي نفسه الذي كنا دوما ننجو فيه من رصاصات القناصين.. وهو هضبة عبد ربه.
صحيح ان الفصائل وبالذات احرار الشام باتت كيانات رصينة تمتلك كوادر قتالية محترفة، وتمتلك مؤسسات خدمية واعلامية كفوءة، لكن التساهل المبرر بالتوكل على الله، وضعف الاحترازات الامنية وسوء التخطيط العلمي كلها عوامل اضعفت كثيرا من الاداء الجمعي للفصائل، التي واجهت الكثير من الاخفاقات مع نظام اقلوي يستند فقط الى اقل من عشرة بالمئة من السكان، بينما تستند الفصائل الى ما يفوق ثلثي سكان سوريا سكانا.
الاشكالية الثانية التي تواجه احرار الشام وباقي الفصائل هي وجود تيارات داخلية تؤيد الانضمام لداعش، والبعض يتهم بعض الخلايا النائمة لداعش في احرار الشام بالوقوف وراء العملية، ورغم ان الوقائع تستبعد ذلك، الا ان وجود هذه الخلايا النائمة امر واقع، فلواء داوود انشق قبل اسابيع من ادلب وانضم بكامله لداعش بعد ان كان منضويا في صقور الشام يوما ما. ولواء الامة انضم قبل ايام لداعش ايضا، وهناك بعض العائلات في ريف حلب وادلب بعض ابنائها في فصيل وبعضهم الآخر مع داعش. وهكذا الامر في عندان. والاهم من ذلك ان عناصر كثرا من احرار الشام وجبهة النصرة انضموا بالفعل لتنظيم داعش في الاشهر الاخيرة.
ولا ننسى ان احد الاشكاليات التي واجهت احرار الشام ولواء التوحيد في فترة ما، هي رفض بعض العناصر قتال "اخوانهم" في تنظيم داعش. وهناك حالات عديدة وقعت في عدة معارك ادت لانسحاب كتائب من لواء التوحيد واحرار الشام بعد ان امتنع المقاتلون عن مواجهة داعش، ولعل الحادثة الابرز هنا، وقعت في الرقة، عندما تمكن مقاتلو احرار الشام وجبهة النصرة من حصار داعش في مبنى المحافظة واوشكوا على طردها كليا من الرقة، قبل ان تحصل مفاجأة وتستعيد داعش الرقة كلها، والتفسير الوحيد حتى اليوم الذي استقيناه من قادة النصرة (الذين قتلوا على يد داعش لاحقا) ان عناصر احرار الشام "آثروا عدم سفك دم اخوانهم" وانسحبوا وتركوهم.. لكن بعض العناصر المنسحبة من احرار الشام وقعت في كمين لمجموعة من داعش شمال الرقة وقتلوا جميعا في مجزرة حقيقة للاحرار على يد داعش.
بالنسبة للتحليلات التي اشارت لتورط امريكي باغتيال قادة الاحرار، فهي لا تقف على قدمين، واضافة لشهادات مرافقي القادة فان المبنى لم يتعرض نهائيا لاي قصف.
ورغم انهم ليسوا على وفاق مع الخطة الامريكية لقتال داعش، الا انهم ليسوا معادين لها، خصوصا ان القائد الجديد لاحرار الشام هو احد صقور الحركة، فيما يتعلق بالموقف المتشدد من داعش، بل انه احد اطراف الصراع المسلح الدامي الاول بين احرار الشام وداعش في بلدته بريف حلب الشرقي.
يتحدث البعض عن غياب ابو العباس الشامي التوت عن الاجتماع، لكن ابا العباس ليس الغائب الوحيد، وكل ما قيل عن غيابه لا يعدو كونه اتهامات من خصومه لا تقوم على اساس، فابو العباس هو القائد الابرز لاحرار الشام منذ ايام سجن صيدنايا، ورغم ما اشيع مؤخرا عن خلافات بينه وبين قادة الحركة الا ان الخلاف شيء والعداوة شيء اخر.
يبقى ان قادة احرار الشام الذين رحلوا هم خسارة حقيقة للثورة السورية، فهم قادة السلفية الاكثر اعتدالا، والاكثر علما شرعيا ونضجا، ولعل اخر المراجعات الجريئة التي بادروا اليها، هي اعتذار علني قام به ابو يزن الشامي عن بعض افكاره السلفية المتطرفة التي اضرت بالحالة الجهادية في سوريا، كما قال.
الايام القلية القادمة ستكشف مدى تماسك الجبهة الاسلامية او انهيارها امام داعش، خاصة ان الموقف من المشاركة مع الامريكيين بالضربة ضد داعش قد يؤدي لمزيد من الانشقاقات داخل هذه الفصائل.
٭ كاتب فلسطيني