الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ملاحظات حول عملية شاه فرات

ملاحظات حول عملية شاه فرات

28.02.2015
بكر صدقي



القدس العربي
الخميس 26-2-2015
قبل كل شيء لا بد من تسجيل ملاحظة حول ردة فعل نظام دمشق الكيماوي على العملية العسكرية التركية التي قامت أنقرة بواسطتها بنقل رفات سليمان شاه واثنين من حراسه إلى داخل الأراضي التركية. فقد أصدرت خارجية النظام بياناً اعتبرت فيه العملية التركية "عدواناً سافراً على السيادة السورية". ولم يكتف البيان بهذه المهزلة حول السيادة المزعومة، في الوقت الذي تلعب فيه كل القوى الاقليمية والدولية على الأراضي السورية، وحدود الدولة مخترقة من جميع الجهات كالغربال، والضباط الإيرانيون يقودون معارك الدفاع عن النظام التابع لهم، وأجهزة استخبارات كل دول الأرض تعمل بهمة ونشاط، وإرهابيون من كل أمم المعمورة يصولون ويجولون داخل "إطار السيادة" هذه.. بل قال البيان أيضاً إن الخارجية التركية أحاطت قنصلية النظام في اسطنبول علماً بالعملية قبل بدايتها، "لكن الجانب التركي لم ينتظر الرد السوري، كما تقتضي الأعراف"!
حقاً هذا كلام إعجازي في تفاهته، لا يمكن توقع صدوره إلا من هذا النظام القاتل. واضح أن النظام ابتهج بشدة لحدوث اتصال بينه وبين الحكومة التركية، ربما هو الوحيد منذ نحو أربع سنوات. فأي اتصال من أي حكومة في العالم يعده النظام مكسباً وربما انتصاراً دبلوماسياً، ما دام يعاني في عزلته منبوذاً من كل جهات الأرض. تقديري الشخصي أن "الرد السوري" الذي يشكو البيان "عدم انتظاره من جانب الحكومة التركية" كان باتجاه الموافقة، بما أن المقابل هو هذا الاعتراف التركي غير المباشر بشرعية النظام المتضمن في "استئذان" الجانب التركي له كما كان من المحتمل أن يسوِّق الإحاطة التركية. وإذ لم ينتظر الجانب التركي رد النظام، فقد اخترق سيادته الملعونة وارتكب "عدوانه السافر".
إيران هي التي تولت الرد الحقيقي على العملية العسكرية التركية حين اعتبرتها "تهديداً للاستقرار في سوريا والمنطقة"! في تحذير مباشر لتركيا من أي توغل بري جديد محتمل، من منطلق أنها هي صاحبة السيادة الفعلية اليوم على قرارات دمشق. الرد الإيراني ليس هزلياً كما قد يبدو للوهلة الأولى، بل يعني بصراحة أن إيران وحدها – مع الميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات التابعة لها – تملك حق التدخل العسكري في سوريا، فيما يمنع تدخل أي دولة أخرى في ممتلكاتها الشامية. نتذكر بهذا الصدد أن إيران عبرت عن استيائها أيضاً من شمول عمليات طيران التحالف الأراضي السورية الخاضعة لتنظيم داعش، ثم اضطرت للسكوت على الأمر على مضض.
بعيداً عن ردود الفعل هذه، التافهة من قبل النظام والمتنمرة من قبل إيران، ماذا عن أصداء العملية في الداخل التركي؟
كتب المحلل السياسي المعارض جنكيز تشاندار، في يومية "راديكال" الالكترونية، مقالته عن عملية "شاه فرات" تحت هذا العنوان الساخر: "عمق استراتيجي بمسافة 180 متراً"! في إحالة إلى عنوان الكتاب الشهير لرئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو صاحب نظرية "صفر مشكلات مع دول الجوار"، وللقول إن رفات سليمان شاه نقل من عمق 33 كيلومتراً داخل الأراضي السورية إلى 180 متراً لصق الحدود التركية، في القسم السوري من قرية أشمة. يقول تشاندار في مقالته: "مهما تفننت الحكومة في تسويق العملية بوصفها "انتصاراً عسكرياً" أو تجنيباً لتركيا من الغوص في الوحل السوري أو من هجمات محتملة من مقاتلي داعش.. تبقى الحقيقة الوحيدة الشاخصة أمامنا هي أن تركيا انسحبت، أمام تهديد محتمل من داعش، من قطعة الأرض الوحيدة التي تملك عليها السيادة خارج حدود الدولة التركية".
أحزاب المعارضة، بدورها، هاجمت الحكومة بشدة من منطلقات قومية وسيادية، وردت هذه بالتأكيد على "الطابع المؤقت" لنقل رفات من يفترض أنه جد مؤسس الدولة العثمانية (وهذا غير مؤكد، فهناك احتمال آخر يقول إن الرفات لأحد الحكام السلاجقة).
ما يثير الاستغراب هو كلمة "المؤقت". فما دام النقل مؤقتاً كما تقول الحكومة، لماذا لا يكون إلى داخل الأراضي التركية، بانتظار نهاية الحروب داخل سوريا؟ لماذا اقامة ضريح مؤقت داخل سوريا في أرض يسيطر عليها مقاتلو وحدات حماية الشعب الكرد الموالون للزعامة الأوجالانية؟
وبهذا الخصوص تدور في كواليس السياسة التركية تكهنات بشأن فتح صفحة جديدة من العلاقات بين الحكومة التركية والفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، بعدما كانت الأولى تصف الثاني، طوال معركة كوباني، بالمنظمة الإرهابية. مع العلم أن صالح مسلم قام بزيارة لتركيا، برفقة أخيه أنور (رئيس كانتون كوباني) في ظل تعتيم شديد لم يسمح بمعرفة الجهات التي التقياها في أنقرة أو اسطنبول، وذلك قبيل عملية "شاه فرات" بأيام قليلة. ومع العلم أيضاً أن وحدات حماية الشعب قد أعلنت أن العملية العسكرية التركية تمت بالتنسيق معها.
إذا صحت هذه الافتراضات حول الدفء الطارئ بين الخصمين اللدودين، فقد يشكل ذلك مؤشراً إلى مراجعة للسياسة السورية للحكومة التركية، بما في ذلك الاستعداد لمواجهة داعش في إطار الحرب الدولية على دولة البغدادي. ومن جهة أخرى، وبصورة متصلة، يرتفع منسوب الآمال بشأن قرب إطلاق مفاوضات الحل السياسي النهائي بين الحكومة وحزب العمال الكردستاني، في الفترة القصيرة التي تفصل تركيا عن انتخاباتها النيابية في حزيران المقبل.
بالنظر إلى التجارب السابقة، تتساوى الآمال، بهذا الصدد، مع المخاوف من فشل جديد قد يفتح الداخل التركي على المجهول.
٭ كاتب سوري