الرئيسة \  واحة اللقاء  \  منبج الخط الأصفر

منبج الخط الأصفر

05.03.2017
وائل عصام


القدس العربي
السبت 4/3/2017
بعد الإعلان عن الخطوط الحمر التركية التي تحولت لصفراء ثم خضراء في دمشق وحلب والموصل، تحول الحديث لاحقا إلى قرى مثل بعشيقة وجرابلس بعد ضوء أخضر من حلفاء الأسد الروس.
وبخجل مشوب بذكرى الخطوط المنتهكة، مرت وعود رسمية بحماية تركمان اللاذقية وتلعفر، قبل أن تختفي أسماء تلك المناطق تماما من تصريحات المسؤولين.. ويقتل المئات من أبنائها بقصف الروس ونيران الحشد الشيعي العراقي.
من يستغرب بقاء منبج للآن خارج سيطرة درع الفرات التركية، عليه أن يتذكر جيدا جملة من الحقائق الواضحة التي حولت دائما الخطوط الحمر إلى صفراء فخضراء، ولعل آخرها، إن نسيتم، الخط الأحمر الذي أطلقه داوود أوغلو قبل رحيله من موقعه بعدم عبور القوات الكردية غرب نهر الفرات باتجاه منبج، وقبله خط آخر يحذر من قطع طريق حلب غازي عنتاب، والخطان تجاوزهما الاكراد بدعم من حليفة تركيا، الولايات المتحدة.
أبسط الحقائق تقول إن التدخل العسكري التركي لم يحدث إلا بعد موافقة روسيا والولايات المتحدة، وحسب مشاريعهما هما، التي تخص محاربة الإرهاب، وليس حسب الاولوية التركية المتعلقة بإبعاد القوات الكردية الانفصالية عن جنوب البلاد. وبما أن القوات الكردية في منبج وغيرها على علاقة تحالفية عسكرية مع الاطراف التي سمحت لتركيا بالتدخل، فإنه لم يكن من الممكن تصور أن روسيا والولايات المتحدة ستسمحان بمهاجمة حليفهما في منبج، بل أن الخيار الوحيد الذي كان ممكنا من طرف الولايات المتحدة بداية، هو أن تبرم الولايات المتحدة اتفاقا مع الاكراد يقضي بانسحابهم من منبج وتسليمها لقوى محلية عربية على علاقة طيبة مع الاتراك، وهو ما قصده وزير الدفاع التركي في تصريحاته الأخيرة، التي يطلب فيها من الولايات المتحدة الوفاء بتعهداتها بإخراج الأكراد من منبج، لكن يبدو أن الولايات المتحدة لم تكن مهتمة حتى بهذا الخيار لحفظ ماء وجه اصدقائها في أنقرة، الذين ضحوا بالمئات من جنودهم في اتون حرب الولايات المتحدة على الإرهاب، دون أن يستعيدوا مدينة واحدة من عدوهم الذي يهدد امنهم القومي، وهم الانفصاليون الاكراد، الذين يسيطرون على كامل الحدود السورية التركية الجنوبية تقريبا.
ومن اليوم الاول لدخول درع الفرات لمدينة جرابلس، كان من الواضح أنها غير قادرة على مهاجمة الاكراد القريبة منهم في منبج، بل اتجهت بعيدا نحو الباب وتحاشت النظام الذي كان يدك حلب، حينها كان ما يفصل جرابلس عن منبج هو نهر الساجور المتفرع عن الفرات، ولم تقطع درع الفرات هذا النهر الذي يفصل جرابلس عن منبج وقراها، لتبدو العملية منذ يومها الاول كأنها درع الساجور وليس الفرات.
اما الروس وهم الطرف الثاني الذي سمح بدخول القوات التركية لسوريا، ففعلوا ما فعلته الولايات المتحدة تقريبا، دعم الطيران الروسي عملية الباب ضد تنظيم "الدولة"، وتخلص النظام السوري وحليفته روسيا من تواجد التنظيم على تخوم حلب الشرقية، لتحل محلها قوات مسالمة للنظام السوري خاضعة لتركيا التي تربطها بهم تفاهمات واضحة تقتضي عدم مواجهة قوات النظام، وهذا ما قاله حرفيا وزير الخارجية التركي، وهذا ما سبقه إليه نائب رئيس الوزراء التركي يوم دخول القوات التركية لسوريا، حيث قال "إن النظام السوري تم إبلاغه بالعملية من خلال الروس"، والأهم من التصريحات، أن هذا ما تم تطبيقه حرفيا في فترة العلميات العسكرية لدرع الفرات على مدى عام كامل، عدا عن تراشقات عابره بين نيران صديقة.
وبعد ايام قليلة من انتهاء معركة الباب، وعندما عاد الحديث عن استعادة منبج وتل رفعت، فعل الروس والنظام الخطوة التي كانت متوقعة، تقدم النظام نحو غرب منبج، وربط شطري إقليم روجافا الكردي ببعضهما، بعدما امضت قوات درع الفرات عاما تقنع جمهورها باهمية الفصل بينهما، والاهم من ذلك أن الروس اوعزوا لقوات النظام بالتحرك لغرب منبج، ليتم الاعلان عن اتفاق بين روسيا ومجلس منبج العسكري بحماية منبج التي تتواجد فيها قوات للنظام السوري، على اعتبار أن روسيا ملتزمة بحماية نظام الاسد عسكريا في كل المواقع التي يتواجد فيها جنوده، وهكذا قطع الاكراد بتفاهمهم مع النظام والروس الطريق حتى على الامريكيين من اتمام اي تسوية تخص منبج، ووضعوا قوات النظام السوري بوجه درع الفرات التركية الملتزمة علنا لروسيا بعدم حصول مواجهة بين قوات المعارضة السورية والنظام.
وتبدو فكرة التدخل بقوات درع الفرات لفصل اقليم روجافا مجرد تبرير للعجز عن مواجهة الطرف الكردي في سوريا مباشرة، فعلى الرغم من وجود اكثر من 600 كيلومتر من الحدود التركية مع سوريا تحت سيطرة الاكراد، إلا أن التحرك العسكري ترك كل هذه المناطق الشاسعة ليهاجم عشرات الكيلومترات بين جرابلس واعزاز لا تخضع ابدا لاي قوات انفصالية كردية، بل لتنظيم "الدولة" الذي لم يكن في يوم من الايام يشكل اي تهديد قومي داخلي على تركيا، ولم ينفذ سابقا اي عمليات امنية ضد تركيا قبل تدخلها العسكري في درع الفرات، على عكس القرى الكردية الانفصالية.. وليتم تبرير عدم مهاجمة القوى الكردية، تم ابتداع حجة التفافية تقول إن منع الاتصال بين شطري اقليم روجافا الكردي هو هدف يستحق كل هذه التضحيات على مدى عام من المعارك في أراضي تنظيم "الدولة" التي لم تسفر إلا عن السيطرة على مدينة واحدة صغيرة وهي الباب. وكأن الوجود الكردي الذي يهمين على الاغلبية الساحقة من الحدود التركية الجنوبية مع سوريا الممتد من القامشلي حتى عفرين، سيتأثر بانقطاعه عشرات الكيلومترات بين جرابلس واعزاز، وهي مناطق لن نستبعد أن تضطر تركيا للانسحاب منها مجددا بعد عام أو اثنين، حتى إن كان هذا أحد نتائج مفاوضات التسوية الدولية، التي ستفضي إلى تثبيت الأسد ونظامه، في إطار اتفاق دولي يكون من ضمن نتائجه سيطرة النظام على كامل أراضيه، وخروج القوات التركية من الاراضي السورية، لكن النتيجة ستكون حينها، أن الجيش التركي وفصائل المعارضة قاتلا تنظيم "الدولة" نيابة عن الولايات المتحدة والنظام السوري وضحا بالمئات من الجنود ليستلمها النظام بالنهاية. أما الإقليم الكردي فلا نعلم حينها إن كان سيصل بطموحاته من سوريا لجنوب تركيا نفسها.
إن مجرد المقارنة بين تدخل ايران وحزب الله العسكري في سوريا، والتدخل التركي، يوحي بالمكانة والنفوذ الاقليمي لكل منهما، فايران وحلفاؤها لا يستأذنان امريكا أو روسيا عندما يتدخلان لنصرة حلفائهما في سوريا، بل إنهما يسخران هذه القوى الدولية لخدمتهما في حربهما وفق اتفاقهما على عدو مشترك وهو الفصائل السنية المسلحة، بينما تشارك الدول الحليفة للسنة في سوريا والعراق في حروب الآخرين، بل في حروب أعدائها، فمن لا يملك رؤية ثابتة للنزاع وهوية العدو من الصديق سيبقى رصاصة في بندقية الاخرين، لذلك لم يكن غريبا، أن يتم اعتبار روسيا عدوا للثورة السورية ويتم الاحتفال على لسان كبار المسؤولين الاتراك باسقاط طائرة حربية لروسيا حليفة الاسد، ومن ثم تتحول الطائرات الروسية التي دمرت حلب بعربها وتركمانها لحليفة للقوات التركية نفسها التي هاجمتها قبل أشهر قليلة.
كاتب فلسطيني من أسرة "القدس العربي"