الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من الرقة إلى بروكسل

من الرقة إلى بروكسل

29.11.2015
إبراهيم العلوش



القدس العربي
السبت 28/11/2015
طالبَ أحد المعلقين الفرنسيين الدولة الفرنسية بالكفِّ عن قصف مدينة الرقة، والبدء بقصف حي مولنبيك ببروكسل، فهذا الحي هو مركز الإرهاب الذي هبّ على عاصمة النور باريس. كلمات المعلّق الفرنسي جعلتني التفت إلى الخلف قليلاً إلى أيام "تنظيم الدولة" الأولى في الرقة، المدينة الفراتية الصغيرة، والهادئة، والمتسامحة عبر تاريخها. ففي أحد الصباحات من ربيع عام 2014م خرجتُ من منزلي في الرقة، التي استولى عليها "تنظيم الدولة" قبل أسابيع، فقابلني شاب أوروبي بلحية شقراء، وابتسامة طفولية ودعاني للدخول في الإسلام!! أمر عجيب ومضحك أن يأتي هذا الشاب إلى هذه المدينة التي كانت عاصمة هارون الرشيد، أحد أهم خلفاء الدولة العباسية، ويدعو أهلها إلى الدخول في الإسلام!
هذا الشاب لا أعرف بالضبط، إن كان بلجيكياً أو فرنسياً، فقد كان يتحدث معي بالإنكليزية ويصرُّ على دعوتي لدخول الإسلام، ابتسمت له وتركته، حاول اللحاق بي فلم التفت اليه، رغم أنّ مسلحين ملتحين هبوا لنجدته من إحدى الزوايا التي صارت تعج بما يدعى جنود "تنظيم الدولة"!
في تلك الايام لم نكن ندرك ما ينتظرنا، وما ينتظر مدينتنا الصغيرة، من أحداث ومن شهرة سوداء تودي بسمعتها، وبسمعة أهلها المتسامحين والطيبين!
خلال أسابيع تدفق مقاتلون أوروبيون، وآسيويون، وأفارقة، ومن مختلف الملل إلى الرقة بطريقة درامية، تقترب من الأحداث السينمائية، في سرعة حدوثها، وفي إثارتها وغموضها. لقد تحولت الحياة فجأة في الرقة، وبدأت الاستعراضات المسلحة تحت أنظار الناس، وفي وضح النهار، وتحت أنظار الأقمار الصناعية، التي تدّعي بأنها ترى النملة في جحرها، وهي تحارب الإرهاب!
كيف سمحت الدول لكل هذه الاعداد من مجرميها، بالتدفق إلى الرقة، وإلى غيرها من المدن السورية التي كانت تنشد الحرية، والتخلص من نظام استبدادي متوحش؟ كيف انطلق الإرهابيون من حي مولنبيك في بروكسل إلى سوريا، ومنها إلى مدينة النور باريس، ليقوموا بما قاموا به من أفعال شنيعة ضد الأبرياء؟
كيف تسبّب أمثال ذلك الشاب المغرور، أو المغفّل، بكل هذا الدمار الذي يلحق بمدينتنا، التي كانت هادئة، وكانت رمزاً من رموز قبول الآخر، مهما كان دينه، ومهما كان مذهبه، حيث لم يعرف عن أهل الرقة قبل هذه الموجة السوداء من الإرهابيين أي تمييز ضدّ أحد، إلى درجة أن بنية الرقة السكانية صارت تشبه بنية دمشق، من حيث التنوع الشديد للسكان، وذلك مما سبب تزايد وتيرة تطورها، ونموها، لتكون إحدى أهم مدن الجزيرة الفراتية السورية، بعدما كانت مجرد قرية صغيرة قبل عقود قليلة"؟
إذا كان الفرنسيون يطالبون بقصف حي مولنبيك في بروكسل، فإن أهل الرقة يجب أن يقيموا الدعاوى القضائية ضد بلجيكا، وضد كل الدول التي أرسلت مجرميها إلى الرقة لتتخلص منهم، وليتسببوا فيما بعد بدمار إحدى أجمل المدن الفراتية السورية، والتي كان هارون الرشيد يعتني بالعلماء فيها، ويكافئ من يترجم كتاباً أجنبياً بما يقابل وزنه ذهباً!
إسلام هارون الرشيد هو الذي كانت تعرفه الرقة، وأهل الرقة، وليس إسلام ذلك الفتى المغرور، أو المغفّل، الذي دعاني إلى الدخول في نسخة الإسلام التي يدعو إليها، والتي تتضمن الكثير من الحقد، ومن الدمار الذي يتسبب به للرقة اليوم، ولأهل الرقة، فبئس ما يدعو إليه أمثال ذلك الفتى الأوروبي المخلوع من مجتمعه، والمعبّأ بالحقد والضغينة، ضد أهل الرقة، وضد العالم، جميع العالم!!! ضغينة نحن ضحيتها رغم أننا لا نعرف سببها، سواءً أكان السبب إهمال بروكسل للخدمات في حي مولنبيك، أو ممارسة العنصرية ضده، أو ضد بلده الأصلي، فقد انفجر حقده وحقد أمثاله في الرقة ضد أهلها، وضد أهله، وضد كل البشر!