الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من قتل إيلان ؟!

من قتل إيلان ؟!

20.09.2015
أيمن أبولبن


القدس العربي
السبت 19/9/2015
فجّرت صورة الطفل السوري الغريق «إيلان» موجةً عارمة من التعاطف الإنساني مع أزمة اللاجئين السوريين وقفزت بهذه الأزمة الى قمّة أولويات الإتحاد الأوروبي والدول المحيطة بسوريا، وقد حرّكت صورة الطفل الصغير وهو ملقىً على شاطىء البحر جثةً هامدة مشاعر النشطاء على شبكات التواصل الإجتماعي وأشعلت سجالاً مُحتدماً بين شبيحة النظام من جهة والمتعاطفين مع الثورة السورية من جهة أخرى. وهذا يثبت أهمية الصورة في عصرنا الحالي والذي يعتمد بشكل كبير على الإعلام والصورة والمؤثرات البصريّة والقدرة على إيصال الفكرة بإستخدام لغة العصر، وكم من حرب اشتعل فتيلها بسبب صورة !
مما لا شك فيه أن الحزن العميق الذي أحاط بكل من عاين هذه الصورة وغيرها من صور مأساة اللاجئين السوريين لا يقل بشكل من الأشكال عن الغصّة التي تولّدت من تناول شبيحة النظام ومثقفيه المأجورين لهذا الحدث بطريقة فاشيّة مُستفزّة، محاولين إلقاء اللوم على الثورة السوريّة ومن تسبّب بها، بل إنهم اعتبروا هؤلاء اللاجئين عبئاً إضافياً يمكن الإستغناء عنه، فلا وزن لهم ولا تأثير لغيابهم أو لموتهم. كتب أحد الشبيحة « بدهم حريّة فليذوقوا طعم الحريّة « وكتب أحد المناضلين والمدافعين عن النظام السوري إن خسارة هؤلاء المهاجرين لا تعد نزفاً ديموغرافياً لسوريا، وهذا يتّفق مع تصريحات النظام الرسميّة التي يعتبر فيها سوريا لمن يدافع عنا وليس لمن عارض النظام وطالب بالإصلاح.
ولم تكن المعارضة السورية أفضل حالاً عندما أبدت توجّسها من استيعاب الدول الأوروبية للمهاجرين السوريين بشكل يسمح بتفريغ سوريا من شعبها ليحل محلهم «مستوطنين» جدد من الموالين لإيران وسوريا، لقد تم القفز عن مشكلة المهارجين السوريين الإنسانية للأسف وأصبحت المسألة مسألة خلاف ديموغرافي ونزاع سياسي بين فئتين، أما السوريون أنفسهم فلا بواكي لهم !
ومما يُذكر أن صحيفة شارلي ايبدو الفرنسية شاركت شبيحة النظام الاستهزاء بمأساة اللاجئين السوريين وغرق الطفل إيلان، حيث نشرت رسوماً كاريكاتورية تسخر من غرق إيلان، لتوجه بذلك صفعةً مؤلمةً لكل من تعاطف مع هذه الصحيفة تحت شعار حريّة التعبير وهو ما أسميته في مقالٍ سابقٍ لي (العهر الحضاري) ولا شيء يدعو للإستغراب في سخرية الصحيفة، على الأقل بالنسبة لي، لأن من يسمح لنفسه الاستهزاء بالنبي محمد وبمعتقدات الغير ويجد الدعم والمساندة من حكام ومثقفي وشعوب العالم أجمع بمن فيهم أتباع هذا النبي، يسهل عليه الاستهزاء بعد ذلك بدمنا وضحايانا وإنسانيتنا !!
أكثر ما يؤلم وينغّص القلب هو محاولة بعض المثقفين لوم السوريين أنفسهم على مأساتهم وعلى ما جلبوه لأنفسهم من انقسام وتشتّت جرّاء مطالبتهم بأدنى حقوقهم الإنسانية من عدل ومساواة وتعددية وحرية رأي، هل يُعقل أن تتداول الصالونات الثقافية وصفحات التواصل الإجتماعي محاولات إظهار الشعب السوري والشعب العربي بشكل عام بالجاهل الذي لا يعرف مصلحته وأنه قد فتح أبواب جهنم على نفسه بثوراته الشعبيّة !
التحليل المنطقي يفرض علينا أن نربط المقدمات بالنتائج وأن نستنتج المجهول من المعلوم، وبأدنى جهد من التحليل المنطقي سنجد أن الثورة السورية لم تكن سبباً لمآسي الشعب السوري بقدر ما كانت هي نفسها نتيجة لإضطهاد النظام السوري على مدى قرون من الزمان، فمن الذي يتحمل مسؤولية ما جرى ؟!
انه لمنطق عجيب وغريب أن نُحمّل الحركات الثورية التي قادت العالم نحو الأفضل، مآسي الدكتاتوريين الطغاة الذين وقفوا في مواجهة هذه الحركات، هل يتحمل تشي غيفارا مثلاً معاناة الشعوب المقهورة التي انتفضت وثارت على حكامها المستبدين؟ هل يتحمل لوثر كينغ معاناة السود في نضالهم ضد العبودية والعنصرية وهل يتحمل نيسلون مانديلا ذنب الضحايا الذين قضوا في الحرب الأهلية في جنوب افريقيا؟ لقد قادت الثورات الشعبيّة وحركات التحرّر هذا العالم نحو الأفضل وما الأنبياء الا ثوّار ضد الجهل والعبودية والظلم، فهل يتحمل الأنبياء مسؤولية من قضى من المؤمنين في سبيل الإيمان بالرسالة ؟
ولنا في التاريخ عبرة، لقد أمر سيدنا محمد أنصاره باللجوء الى الحبشة هرباً من استبداد قريش، وذهبوا لها عن طريق البحر، ولا نعلم حقيقةً هل ذهبوا وعادوا جميعهم بسلام ؟! ومن يتحمل ذنب معاناتهم ؟! من السهل بمكان خلط الأوراق وقلب الوقائع ومحاولة تجريم الضحية في زمن قلّت فيه الأمانة وندر فيه قول الحق.
لقد سبق وأن تنبأ أدباؤنا في الماضي بمأساة شعوبنا العربية الحاليّة والتي كانت في نظرهم حاصلة لا محالة، لأنهم كما سبق وأن أشرنا ربطوا المُقدّمات بالنتائج، فكتب نزار قبّاني تحديداً عن البحر الذي سيحمل على ظهره أفواج الثائرين العرب لأن بلادهم لن تتسع لهم، ورسم ناجي العلي ايقونته ( حنظلة ) وهو غريق على شاطىء البحر، في صورة تتشابه الى حد كبير بصورة الطفل الغريق إيلان، وحملت كتابات الماغوط الكثير عن غربة المثقف في وطنه وتنبأ بهجرتهم. هذا فيضٌ من غيض، ولكنه كافٍ للرد على مثقفي نظرية المؤامرة «السفسطائيين» الذين يحاولون قراءة التاريخ بالمقلوب وإلباس حركات التحرّر والتقدّم لباس التخلّف والعمالة.
الى كل من يُبشّر بالصمود الوهمي وانتصار حلف المقاومة والممانعة، وهزيمة المؤامرة الامبريالية الصهيونية، ويا من تلومون الثورة ومسانديها على خراب البلاد وتهجير أهلها، لوموا أنفسكم ولا تلوموا الضحية وكفاكم تدنيساً للتاريخ !
في النهاية، علينا جميعاً أن نتكاتف لتقديم يد العون والمساعدة لهؤلاء اللاجئين في أزمتهم الإنسانيّة، وعلينا الضغط على حكومات البلاد التي نقيم فيها والمؤسسات الإنسانية للمساعدة على احتواء هذه الأزمة والتخفيف من معاناة هؤلاء اللاجئين على قدر الاستطاعة، وأننا لنرجو الله أن ينتصر لهم قريباً مصداقاً لقوله تعالى « أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ*  الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ» يا الله ما النا غيرك يا الله !
 
كاتب ومُدوّن من الأردن