الرئيسة \  واحة اللقاء  \  من في المأزق: هيئة التفاوض أم جنيف؟

من في المأزق: هيئة التفاوض أم جنيف؟

30.04.2016
ميسرة بكور


القدس العربي
الخميس 28-4-2016
يجد اعضاء وفد الهيئة العليا للمفاوضات في "جنيف" الممثل الشرعي للشعب السوري الثائر، انفسهم بين طرفي رحى.. طرفها الأول المجتمع الدولي متمثلاً بقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بالشأن السوري. وقد اختاروا طوعاً أوعن إكراه، استراتيجية السير مع الأمم المتحدة لعقد مؤتمر "جنيف " ربما يستطيعون من خلاله وقف نزيف دماء الشعب السوري المراقة على طول الوطن وعرضه. وربما قطع الطريق على المشككين في نوايا الثورة السورية وأهدافها السلمية ونزع صفة دعم المنظمات الراديكالية العاملة في الأرض السورية.
وها هم اليوم يجدون أنفسهم بعد الولوج في مسرحية مفاوضات جنيف، بجزئها الثالث الفصل الثاني المشهد الأول، خاليي الوفاض، فلا معتقلون تم الإفراج عنهم ولا مساعدات إغاثية سمح نظام الأسد بإدخالها بشكل مستدام، ولا هدنة تم احترامها من قبل الأسد وميليشياته متعددة الجنسيات.مما دفعهم إلى تأجيل جلسات التفاوض.
أما طرف الرحى الثاني هم جماهير الثورة، بمزاجين مختلفين.
هي محط انتقاد الرافضين مبدأ التفاوض جملةً وتفصيلاً،ولأي عملية تفاوضية مع نظام الأسد الذي أوغل في ذبحهم وتهجيرهم، معتبرين أن أي مفاوضات مع النظام بصفته ممثلا للدولة السورية يعطيه شرعية بحت حناجرهم بإسقاطها بالثلاثة ، ومزاجيات أخرى ترفض الولوج في عملية تفاوضية، ما لم يتم اطلاق سراح المعتقلين وفك الحصار بشكل مباشر قبل التفاوض ووقف الأعمال العدائية ضد المدنيين ، كبادرة حسن نية. ويتجاهلون ربما بشكل غير مقصود " أن الطريق إلى جهنم مفروش بالنوايا الحسنة ". كما قال "دانتي أليغييري".
وبرغم هذا كله توجهت الهيئة إلى جنيف لتبعث رسالة مفادها أننا مستعدون للسلام المبني على أساس مقررات جنيف "واحد" تشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات وتطبيق البنود 11و12و13 من قرار مجلس الأمن 2254.لا يكون لبشار الأسد ونظامه أي دور في حاضر ومستقبل سوريا. في غضون ذلك تصر روسيا على بقاء الأسد مع بعض التنازلات التي تسترضي فيها شريكها في رعاية جنيف أمريكا.
من جهته نظام الأسد لا يبدوفي وارد تطبيق أي من بنود جنيف "1" التي وقع عليها عام 2012 ويعتبر أنها لا تعنيه لأنها تمس بسيادته المطلقة على النظام الأمني والعسكري في سوريا.
قد يحتج محتج غشوم بالقول أن بشار الأسد بنفسه طرح فكرة انتخابات رئاسية مبكرة، ويغفل عن حقيقة أن غالبية الشعب السوري قد طلق الأسد ونظامه ثلاثا بل يدعون لمحاكمته على جرائمه بحقهم . خاصة أن الانتخابات التي يطرحها بناء على دستوره الاستبدادي الذي بموجبه هورئيس مجلس القضاء الأعلى الذي يقبل المرشحين ويشرف على الانتخابات ويعلن نتائجها.
ومن ثم يستدعي مشككين بطرح فكرة تعيين نواب للرئيس بصلاحيات كاملة. لكن هؤلاء لم يجهدوا أنفسهم بالرد على تساؤل مشروع.. " نواب ماذا". هل هم نواب الرئيس للعلاقات الدولية ونائب للعلوم والثقافة ونائب للمصالحة الوطنية.
وحكومة وحدة وطنية بالمناصفة.تكون فيها حصة المعارضة،كلا من وزارة الإسكان والتعمير ووزارة الرياضة والشباب،ربما وزارة الثقافة. وحصة النظام وزارة الدفاع والداخلية والعدل والاقتصاد وسلطة مطلقة على الجيش والأمن الذي جلب الويلات على سوريا وأهلها. وحتى لوتخلى عن كل الوزارة لكنه هوصاحب كل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية التي تجعل من رئيس الوزارة والوزراء لا شيء الا لأمرة مكاتب الاستخبارات التي تقيم في كل الأروقة علنا لتشرف وتوجه عمل الوزارات والوزراء.
جميع العقلاء،نحسب أن من بينهم وفد الهيئة العليا للتفاوض يعلمون علم اليقين،أنه لا يمكن لأي تغيير سياسي أوانتقال سياسي ان ينجح في ظل بقاء نظام الأسد حتى لوكان موثق اليدين بأغلال الحديد، ودولته العميقة مستندين بذلك على ما حدث في اليمن.
والجميع يدرك أنه لا يمكن لأي دستور أوقانون أن يحكم في ظل حكم استبدادي سلطوي يعتبر نفسه فوق الدولة والقانون وهوالنظام، والنظام ما يقرره وعلى الجميع ان ينصاعوا لأمره.
في هذه الأثناء وخلال بدء الفصل الثالث المشهد الثاني من جنيف أخذ نظام الاسد وميليشياته العابرة للحدود،على عاتقهم التصعيد ضد المواطنين السوريين في كل المناطق الخارجة عن سلطته ومنع دخول المواد الإغاثية إلى تلك المناطق، وفي حال سمح بذلك يقوم بنزع منها المواد الطبية والغذائية المهمة مثل حليب الأطفال والسماح بمواد التنظيف بدل الدواء والغذاء .
ونظم انتخابات نيابية ضارباً عرض الحائط بقرار مجلس الأمن "2254"صحيح انه لم يلتفت اليها أحد غير روسيا وإيران.
لكن كل هذه المؤشرات تدل على عدم رغبة نظام الأسد في التراجع عن مساره الذي ورثه عن ابيه "إلى الأبد".
لذلك كانت هذه الخطوة التكتيكية من وفد الثورة المفاوض، كنقطة نظام من أجل اعادة ضبط مسيرة المفاوضات، وعدم ترك الباب مفتوحا على مصراعيه أمام وفد ميليشيا الأسد للتفاوض بأن تدير دفة جلسات المفاوضات على هواه وحسبما يقتضيه نظام الحكم بدمشق، بالتالي تمييع المفاوضات وإطالة امد عمر النظام.
هذا ما أكده بيان الهيئة العليات للمفاوضات حيث " أكد البيان أن قرار التأجيل ليس تعليقاً للمفاوضات، ولا انسحاباً منها، مضيفاً أنه "فرصة أمام الآخرين لتنفيذ قرار مجلس الأمن 2254، وللاستجابة للموضوع الأساس وهوتشكيل هيئة حكم لا دور للأسد فيها".
هذا تكتيك سياسي مهم يحسب للهيئة فهولا يحمل الهيئة تهمة تعطيل المفاوضات أوالانسحاب منها الأمر الذي يتوق له بشار الأسد. ومن جهة أخرى تحميل مجلس الأمن الدولي مسؤوليات تنفيذ قراراته في صميمها الوضع الإنساني، وبيان جنيف المضمن في القرار الأممي رقم "2118" الذي جاء فيه نصاً" يدعوإلى القيام، في أبكر وقت ممكن، بعقد مؤتمر دولي بشأن سوريا من أجل تنفيذ بيان جنيف… وأن تلتزم بتنفيذ بيان جنيف وبتحقيق الاستقرار والمصالحة".
كما شدد القرار في نصه على " يقرر أن يبقي هذه المسألة قيد نظره الفعلي." نشدد بكل حزم وجد على أن انسحاب الوفد الثوري من المفاوضات يخدم نظام بشار الأسد، بحيث يسوق للمجتمع الدولي أن المعارضة ترفض التفاوض وتعرقلها، وهوالأمر الذي يطيل عمر نظام بشار الأسد، بانتظار بحث عن حلول جديدة قد يستمر البحث عتها في أخذ ورد سنوات. لكنه أيضا يكشف تخاذل الدول التي تعهدت خطيا بأن يتم تطبيق قرار مجلس الأمن بمجرد ذهابهم إلى جنيف للانخراط في مفاوضات الانتقال السياسي.
ملاحظة أخرى يجب تسجيلها أن امريكا ترغب في استمرار المفاوضات حتى لوكانت شكلية، حتى تنتهي ولاية اوباما، دون أن يضطر للتدخل الذي رفضه طوال فترة حكمه، الأمر الذي تفسره الاتصالات الأمريكية الروسية عقب إعلان الهيئة.
في المقابل روسيا لا ترغب في إنهاء الهدنة وهوالأمر الذي اشتغلت عليه كثيرا، كي تقوم من وراء ستارها بتمرير سياستها بهدوء. وتتخلص من موضوع التدخل المباشر في سوريا بكل ما يعنيه من أعباء اقتصادية وحسابات الاستحقاق الانتخابية المقبل وتدهور الروبل والبطالة (…) ونظرة الازدراء من قبل المسلمين للروس في العالمين العربي والإسلامي.
خلاصة القول الوفد الثوري للتفاوض في مأزق فليس بمقدوره الانسحاب بشكل كامل ويقطع عرقا ويسيح دما . ولا يستطيع الاستمرار في مفاوضات عبثية لم تفلح بإخراج معتقل واحد من سجون نظام الأسد.
أما بشار الأسد، الذي يعتقد في قرارة نفسه أنه سيكون الخاسر في حال وجود تفاوض حقيقي ونظامه سينتهي مستقبلاً، هوأسعد الناس في حال قرر وفد الهيئة العليا للتفاوض حرق ورقة جنيف.
ميسرة بكور – كاتب وباحث سوري