الرئيسة \  واحة اللقاء  \  موسم "القضاء على داعش": طحن أم جعجعة؟

موسم "القضاء على داعش": طحن أم جعجعة؟

24.01.2016
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
السبت 23/1/2016
تسابق مسؤولون غربيون وعراقيون خلال اليومين الماضيين في اطلاق التصريحات المتفائلة بشأن المواجهات مع تنظيم "الدولة"، ويبدو ان الحكومة العراقية جاءت في صدارة السباق، اذ اكد رئيسها الدكتور حيدر العبادي ثقته في القضاء على التنظيم بنهاية العام، فيما لم يتردد وزير دفاعه خالد العبيدي في الاعلان المسبق عن موعد بدء الهجوم لتحرير الموصل (قبل منتصف العام)، رغم انه يفترض ان يكون من الاسرار العسكرية. اما وزير الخارجية الامريكي جون كيري فكان "اكثر حذرا" اذ قال "أعتقد أنه بنهاية عام 2016 سيتحقق هدفنا بإضعاف داعش بشدة… أعتقد أننا على المسار الصحيح".
وتزامنت هذه التصريحات، وهي ليست جديدة على اي حال، مع تعهدات صريحة من وزراء دفاع الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وأربع دول أخرى بتكثيف القتال ضد التنظيم في مسعى للاستفادة من الانتصارات التي تحققت في ميدان المعركة في الآونة الأخيرة.
كما تزامنت مع انباء عن عزم واشنطن ارسال مستشارين إلى الموصل، ووصول فرقة امريكية لتحل محل أخرى في قاعدة عين الاسد في الانبار، وكذلك موافقة الادارة الامريكية على صفقة اسلحة بقيمة ملياري دولار، وتوجه وزير الدفاع العراقي إلى القاهرة طلبا لمزيد من الاسلحة التي لم يعلن عنها.
ويود المراقب لو انه يستطيع ان يصدق كل هذه التصريحات والتعهدات من دون ان تراوده الشكوك بأننا امام عنوان المسرحية الشهيرة لوليام شكسبير: (جعجعة بلا طحن). اذ ان نظرة متأنية للواقع المعقد في العراق والاقليم، ورد فعل التنظيم على ما تعرض له من ضربات موجعة لا يمكن انكارها او التقليل من اهميتها تستلزم طرح العديد من التساؤلات المشروعة بشأن امكانية تحقق تلك الوعود في المدى القريب، ومنها:
اولا: يؤكد خبراء عسكريون ان معركة الموصل تحتاج ما لا يقل عن ثمانين الف جندي بقيادة موحدة، وبمشاركة من قوات البشمركة، مسنودة بدعم من غطاء جوي واسع. وحيث ان تنظيم "الدولة" قسم محافظة نينوى إلى ثلاث ولايات، ليست الموصل الا واحدة منها، فالحديث يدور هنا حول شن ثلاث معارك كتلك التي احتاجها إلى تحرير مدينة الرمادي. فهل تملك الحكومة العراقية هذه القوات، وخاصة في ظل رفض واسع لمشاركة الحشد الشعبي، بعد الهجمات الطائفية المروعة في المقدادية، بينما تتدهور العلاقات السياسية والامنية مع الاكراد إلى حد غير مسبوق من جانب آخر، مع الانباء عن هجمات كردية على العرب في كردستان العراق، وعمليات استهداف للاكراد في بغداد؟
ثانيا: مع الاقرار بتكبد تنظيم "الدولة" خسائر من جهة الاراضي التي يحتلها في العراق وسوريا بنسب تتراوح بين اربعين و ثلاثين في المئة على الترتيب، الا انه عوض التراجع في "بعض فتوحاته" تلك، بتعزيز وجوده في معاقله الرئيسية، بل انه تمكن من التمدد في جبهات اخرى مثل افغانستان وليبيا ولبنان واليمن ومصر، كما تمكن من شن هجمات نوعية امتدت من اندونيسيا وبنغلادش إلى كاليفورنيا مرورا بفرنسا وتونس والصومال ودول خليجية كالسعودية والكويت. وتشير انباء إلى ان قيادات التنظيم بدأت في الانتقال إلى ليبيا حيث تم اعلان اكثر من "ولاية" تابعة للتنظيم في المناطق الغنية بالنفط. ولا يمكن التقليل من الاهمية الاستراتيجية والمعنوية لخسارة التنظيم اي مدينة او اراض جديدة، الا انه من الصعب الحديث عن "القضاء على داعش" من غير اعتماد مقاربة اكثر شمولية تشمل العناصر السياسية والثقافية والايديولوجية إلى جانب العسكرية.
ثالثا: ان القوات الخاصة التي ترسلها واشنطن تحت غطاء المدربين والمستشارين ليست مؤهلة لخوض حرب برية ضد التنظيم، بل ان مهامها ترتبط بتنفيذ اجندة مخابراتية امريكية طالما تتسبب في احراج حكومة بغداد. وتعتزم الولايات المتحدة عقد اجتماع الشهر المقبل في بروكسل لوزراء دفاع 26 بلدا أعضاء في التحالف الدولي(بمشاركة سعودية مأمولة) بالإضافة للعراق بغرض زيادة المساهمات في قتال التنظيم، مع التركيز على "الحاجة لدور عربي أكبر". لكن السؤال الحقيقي يبقى ان كانت ستتمكن من اقناع اي من هذه الدول بارسال قوات برية مقاتلة إلى العراق او سوريا، حتى يمكن تحقيق اي انتصار حقيقي على التنظيم؟
ومع تعذر الاجابة، تتأجل امكانية الحديث واقعيا عن تحقيق انتصار عسكري نهائي حتى اشعار آخر مهما كثرت التصريحات.