الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نحو مؤتمر وطني سوري جامع

نحو مؤتمر وطني سوري جامع

16.05.2015
باسل أبو حمدة



القدس العربي
الخميس 14-5-2015
لا مؤشرات تبشر بسقوط كامل وفوري للنظام السوري، وليس لمصطلح الضربة القاضية محل من الاعراب في صراع معقد ومتشابك، إقليميا ودوليا، مثل الصراع السوري.
الصراع بدأ سياسيا تقليديا على السلطة ولم يتضح بعد ملمحه النهائي، ولا إلى أين سيقود البلاد والمنطقة والعلاقات الدولية، مثلما لم توضع بعد نقطة النهاية على خريطة الجغرافيا السياسية المستقبلية لسوريا، لا على المستوى الداخلي ولا على المستوى الخارجي القريب منه والبعيد، حتى نظام المحاصصة، بوصفه أداة لكي الجرح وليس معالجة أسبابه العميقة، يبدو قصيا عن المشهد ويلفه الضباب، في ظل تمادي الأطراف الفاعلة فيه وإصرارها على امكانية سحق الطرف الآخر واخراجه من المعادلة، أو الحلول مكانه واستخدام أدواته واتباع سلوكياته.
إضافة إلى التقاطعات الاقليمية والدولية المستحكمة في هذا الصراع السوري، جراء عملية تراكمية طويلة الأمد، تمكن من خلالها النظام السوري من ربط مصيره بمصائر العديد من الملفات والقوى والشخصيات الحساسة في المنطقة، تمهيدا لمواجهة استحقاق التغيير السياسي الحالي في سوريا، تتصدر إشكالية عدم تبلور القوى المعارضة له بمستوييها السياسي والعسكري، قائمة طويلة من العقبات أمام إمكانية تنحيه عن السلطة طواعية أو بصورة جبرية، إشكالية لطالما كانت حجر الزاوية في أي محاولة للتسوية، إن لم نقل إنها شكلت بالفعل السبب الرئيسي في فشل جميع محاولات التسوية السياسية للصراع حتى الآن، لاسيما أن ميزان القوى على الأرض، الذي يميل لصالح قوى التغيير ليس من منظور عسكري فحسب، وإنما من منظور حق الشعب السوري في امتلاك منظومة سياسية مغايرة، قائمة على التناوب السلمي على السلطة أيضا، وذلك بسبب ارتباط قوى التغيير بأجندات إقليمية ودولية، ومراهنتها على التدخل الخارجي في كل المراحل التي مرت بها الثورة السورية، مبخسة بذلك ما تتمتع به من امكانيات ميدانية ومشروعية قانونية لا يختلف حولها عاقلان.
من مسلمات الصراعات السياسية أن تفضي إلى تسويات سياسية وسيلتها المفاوضات عندما تكون بين قوى متناحرة لا ترى في الطرف الآخر شريكا في نتائجها أو في ما سوف تفضي إليه من حلول، تفرض مفرداتها معطيات صارمة لأحجام القوى المشاركة فيها، ومدى تأثيراتها في المسارات المستقبلية للأحداث، وقدرتها على فرض نفسها في أي مشاريع سياسية مقبلة، الأمر الذي يحدد ويحسم إمكانية مشاركة هذا الطرف أو ذاك فيها، لاسيما وأن تلك المفاوضات، أو أي مفاوضات، وما يتبعها من تسويات تتوج عادة مسارات صراعية طويلة وشاقة وباهظة التكاليف، خاصة في الحالة السورية المقبلة على جولة جديدة من المفاوضات، دعا إليها على عجالة ومن دون سابق تحضير، الموفد الدولي الى سوريا ستيفان دي ميستورا في جنيف خلال شهر مايو الجاري.
المفارقة في هذه الدعوة، التي ربما لن تكون الأخيرة، وفق سائر المعطيات الداخلية والخارجية، وأهمها إصرار النظام السوري على الحل العسكري، أنها تتدارك ما لم تتداركه قوى المعارضة السورية نفسها، ولا سيما الخارجية منها، ذلك أنها تشمل ولأول مرة مشاركة شخصيات على علاقة بتنظيمات لطالما اعتبرت "ارهابية"، في تطور نوعي لا غنى عنه لجهة عكس خريطة الصراع الميداني وقواه المؤثرة، لكن مع تسجيل أن منصة جنيف أو أي منصة أخرى من هذا القبيل تنشد تسوية وطنية، لا تمثل بأي حال من الأحوال، المكان المناسب لتسويات فرعية مستحقة بين أطراف المعارضات السياسية والعسكرية السورية، التي يشكل غيابها نسفا لأي محاولة تسوية على المستوى الوطني الجامع، لذلك كان حري بالإئتلاف الوطني السوري المعارض أن يتمهل كثيرا في اعلان موقفه الإيجابي من حضور مؤتمر "جنيف 3 "، وأن يكشف صراحة مواضع الخلل البنيوية في مشاركة الجبهة المعارضة في أي تسوية محتملة، حيث لا يمكن إغفال ما لا يمكن إغفاله من خطوات تحضيرية لازمة وملزمة مهما كانت مستويات الاختلاف أو الاتفاق مع أجندة تلك التسوية.
في السياق عينه، فإن المضي في مسار القفز عن المعطيات التي يفرزها واقع الصراع السوري كل يوم، سوف يفضي مع كل محاولة في هذا الاتجاه إلى إلغاء الذات وإعطاء قوى طرأت على المشهد لها شعاراتها ومقولاتها وأجنداتها، التي لا تنسجم، لا من قريب أو من بعيد، مع روح الثورة السورية في مهدها، وإذا كان لا بد من مشاركة تلك القوى الطارئة على المشهد في رسم معالم سوريا المستقبل، وهذا خيار لا مفر منه، فإن الطريق إلى ذلك لا تمر لا بجنيف ولا بغيرها من مدن وعواصم العالم، بل تمر في مدن وبلدات وأرياف سوريا نفسها والحراك السياسي والعسكري فيها، وإذا كان لا بد من عقد مؤتمرات من هذا القبيل، فإنها يجب أن تعقد على أرضية وطنية سورية مستقلة صرفة، بغض النظر عن مكان انعقادها، تأخذ بعين الاعتبار الحراك السياسي الاقليمي والدولي وليس العكس، ولا بأس في هذا المقام من إبرام اتفاقات فرعية بين مجموع الفصائل المعارضة الفاعلة أو معظمها على أقل تقدير، وذلك على طريق عقد مؤتمر وطني سوري جامع يفضي إلى تشكيل هيئة سياسية بصلاحيات كاملة مهمتها التصدي لمهام العمل السياسي المعارض بما في ذلك أي تسوية محتملة مع النظام.
كما أن التماهي مع هذا المسار يعني، في ما يعنيه، ترك مروحة من المعضلات الجوهرية تتفاقم مشكلة عقبات جديدة إضافية أمام وصول الثورة السورية إلى بر الأمان، ويفتح الطريق واسعا أمام حرب أهلية ستكون أثمانها أثقل وزنا وأكثر دموية، مثلما يثير بقوة أسئلة كبرى مشروعة حول اليوم التالي الذي سيلي سقوط النظام السوري، في ظل غياب بديل واضح المعالم يجب ألا يتشكل وفق معايير الانتصارات العسكرية التي تحققها، كل يوم، الفصائل الاسلامية في ميدان المعركة فحسب، بل إن تلك المعايير ستبقى ناقصة وربما فتاكة إن لم يتصدرها المعيار الشرعي الذي قامت عليه الثورة السورية والمتمثل في التخلص من الدولة البوليسية وقيام سوريا جديدة مفرداتها الكرامة والحرية، وهنا نسجل فارقا كبيرا بين التحرير والحرية، فتحرير الأرض لا يعني حرية الانسان، لا بل إنه ربما يشكل تهديدا حقيقيا، في اللحظة السورية الراهنة، للمنجز الثوري السوري المنتظر، بعد اجبار النظام على الرحيل إن سمح لهذا بأن يفضي إلى طور آخر من العنف والاقتتال وفصل آخر من فصول المأساة السورية.
في هذا السياق، تصبح الدعوة إلى مؤتمر سوري وطني جامع أكثر من ملحة على أن تسبقه مؤتمرات فرعية بأشكال وصيغ مبتكرة وعلى أن يسبق أي تسوية سياسية مع النظام، ويؤمن، في الوقت عينه، غربلة ناجعة لخريطة صناع القرار في سوريا ما بعد الأسد، ويسد الطريق أمام الثورة المضادة، التي بدأت تطل برأسها من خلال قوى دخيلة على النسيج الاجتماعي السوري، ولا تشبهه ويحوم حولها الكثير من الشكوك والتساؤلات الناجمة عن تمظهر حالة من التناقض الصارخ، ما بين منطلقات الثورة السورية وأهدافها في بناء دولة المواطنة والقانون من جهة، وبين ما آلت إليه وانحرفت باتجاهه واستقرت عليه من أهداف تتقاطع في منهجها، أو لا تختلف كثيرا، عند هذا المستوى، مع سلوكيات نظام الاستبداد الجاثم على صدر السوريين منذ نصف قرن تقريبا.
٭ كاتب فلسطيني