الرئيسة \  واحة اللقاء  \  نهاية "المالكية" والمعادلة الجديدة

نهاية "المالكية" والمعادلة الجديدة

16.08.2014
عصام فاهم العامري



القدس العربي
الخميس 14/8/2014
رغم الاوضاع المتوترة والمضطربة في العراق، التي ازدادت سوءا على مدى الايام القليلة الماضية.. الا ان هذه الاوضاع نفسها تحمل في طياتها نافذة للخروج من النفق.. ومع ان المالكي يبدي تشبثا على نحو غير مسبوق بالسلطة، وهو مستعد لفعل اي شيء من اجل الاستمرار فيها، فالمؤكد ان نهاية المالكية بدأت.. وان معادلة جديدة يمكن ان نشهدها خلال الاشهر القليلة القادمة يمكن ليس فقط ان توقف الهاوية التي انزلق اليها العراق، بل وانقاذه وتدشينه لمرحلة من الاستقرار النسبي، وبالتالي نشوء دعائم لمعادلة جديدة تسود العراق وتسهم في التأسيس لمعادلة اقليمية جديدة.
والحقيقة ان العديد من المؤشرات التي برزت خلال الاسبوعين الماضيين، وهذه المؤشرات تضافرت على أكثر من مستوى، وهي بالاجمال تقود الى ايجاد دعائم المعادلة الجديدة. فعلى المستوى الدولي هناك خروج واضح للمجتمع الدولي عن سلبيته إزاء الأوضاع في العراق، وانخراطه في جهود وقف تغوّل تنظيم الدولة الإسلامية، الذي حاول خلال الأيام الماضية إسقاط إقليم كردستان واقتراف جرائم حرب مروّعة ضد المدنيين. وقد عملت امريكا على تزويد قوات البيشمركة بالسلاح بشكل مباشر؛ وساعدت الضربات الجوية الأمريكية في تمكين قوات البيشمركة، وبالفعل استعادت هذه القوات قضاء مخمور القريب من أربيل عاصمة الإقليم. يضاف الى ذلك ان الضربات الامريكية اوقفت فعل الإبادة الجماعية الذي مارسه الارهابيون، كما ساهم التدخل العسكري الامريكي في اعادة التنسيق بين البيشمركة والجيش العراقي، ودفعت الجيش العراقي لتوفير الاسلحة والعتاد اللازم للقوات الكردية في قتالها مع داعش، كما سمح ذلك كله للجيش العراقي بإعادة تنظيم صفوفه بعد الانهيارات التي شهدها في الموصل وما بعدها. والى جانب الضربات الجوية كان هناك تحرك دولي بارز من جانب فرنسا وبريطانيا ودول الاتحاد الاوروبي والفاتيكان، في توفير الدعم الدبلوماسي لحكومة اقليم كردستان، وكذلك تقديم عون انساني وإنشاء جسر لإيصال المساعدات إلى العراق وإقليم كردستان تحديدا، خاصة للمناطق المحاصرة في سنجار للتخفيف من معاناة الايزيديين والمسيحيين والتركمان والنازحين من كافة الفئات ومحاولة انهائها بأسرع وقت.
والتطور الاهم الذي سمح به التحرك الدولي، وكذلك الانخراط العسكري الامريكي الجديد في زيادة الضغوط الذي اوقف التعطيل الذي مارسه المالكي في البدء بعملية تشكيل الحكومة عبر اختيار مرشح لرئاستها. هذا التطور في حد ذاته رغم انه يمثل خطوة صغيرة، الا انها اوجدت مفاعيل لعمل مشترك بين الاطراف السياسية العراقية، فقد شهدنا خلال الايام الماضية تحركات منسقة بين رئيسي الجمهورية ومجلس النواب، من اجل الضغط على الاحزاب والقوى الشيعية الرئيسية للتخلي عن المالكي وتشبثاته وعزله، وقد ساعدت هذه التحركات في تفعيل تنسيق مشترك بين القوى السياسية العراقية، والتأسيس لقواعد عمل من شأنها ان تفعل الشراكة السياسية الفعلية في مرحلة ما بعد المالكية.
بدورها المتغيرات التي افرزتها احداث ما بعد الموصل وتفاعلاتها، أفرزت مدركا لدى الماسكين بالملف العراقي في القيادة الايرانية وإن كان بشكل متأخر- أن الموقف المتشدد من قبل الشيعة داخل العراق؛ إن الذي يريد كل شيء سيفشل على المدى الطويل، وبالتالي دفعهم باتجاه تغيير المالكي الذي يمثل هذا الموقف الشيعي المتشدد، والاتيان بمرشح يستطيع العمل المشترك مع الاطراف السياسية الاخرى الممثلة للقوى السنية والكردية. الامر سيئ بالنسبة للايرانيين في هذا المتغير، هو ان الايرانيين كانوا يريدون ثبات التكتل الشيعي الجامع للقوى السياسية الشيعية، لكن الذي حصل ان التحالف الوطني الشيعي تشظى ولم يبق موحدا، وبالتالي هناك اصطفافات ستتطور لتنقلب على الارادة الايرانية،، لاسيما ان ترشيح حيدر العبادي لم يكن برغبة ايرانية، فايران وان كانت تريد تغيير المالكي لكنها تريد شخصية اخرى تصل الى رئاسة الوزراء مثل طارق نجم، الذي سبق ان تعاملت معه عندما كان مديرا لمكتب المالكي، اما العبادي فهو شخصية براغماتية ويميل للاستقلالية وعدم اخضاع حزب الدعوة والسياسة العراقية لايران، بالطبع لا يعني ذلك انه مستعد لتوتير العلاقات مع ايران، ولكنه سيعمل حتما على عدم اخضاع القرار السياسي العراقي لها.
والملاحظة الجديرة بالمتابعة، هو أن ايران خسرت منذ بداية تشكيل التركيبة الحكومية الجديدة، فطهران كانت تفضل مجيء برهم صالح الى رئاسة الجمهورية، فجاء الرئيس معصوم الذي يتمتع باستقلالية ووطنية عالية. والسؤال الان هل طهران ستسهل مهمة العبادي في تشكيل الحكومة بعد ان تم تكليفه من الرئيس معصوم، أم انها ستعرقل ذلك؟ احد السيناريوهات المطروحة الان هو أن يظل المالكي متشبثا، وبالتالي يعرقل تشكيل الحكومة في خطوة تنسجم مع رغبة طهران، في محاولة منها لإعادة دفع احد الاشخاص الاكثر طواعية لسياستها على رأس الحكومة.. مثل نجم او غيره.
وبعيدا، عن هذا السيناريو.. واذا ما سارت الامور ونجح العبادي في تشكيل الحكومة، فان عناصر جديدة ستشهدها الساحة العراقية في مقدمتها: اولا تراجع العقلية الطائفية والميول الاستبدادية التي راجت في الحقبة المالكية، ليس فقط على مستوى الممارسة الحكومية، وانما ايضا تراجعها على المستوى العمل البرلماني، وبالتالي من الممكن ان نشهد مشاركة واسعة في عملية صنع القرار السياسي، من دون تفرد كما كان يحصل في الحقبة المالكية.
ثانيا، التخفيف من سياسات تسييس الاجهزة الامنية وتشكيل قوات محلية جديدة لحماية السكان في المناطق السنية، على غرار نموذج البيشمركة الكردية. وهذا من شأنه ان يسهم في ابتعاد المناطق الغربية والشمالية ذات الاغلبية السنية لتكون حاضنة للتنظيمات الارهابية، وبالتالي تحولها الى محاربة هذه التنظيمات، وبالاخص داعش واخواتها، مما يساعد في دحر داعش على نحو متسارع.
ثالثا، ايجاد صيغة لتوازن نسبي بين السلطة المركزية والحكم الذاتي المحلي، وممكن ان تشمل هذه الصيغة ترتيبات تلبي احتياجات أكراد العراق، الذين يتمتعون بصلاحيات محلية معتبرة، ومزيداً من اللامركزية بالنسبة لبقية البلاد، واتفاقاً جديداً بشأن إدارة وتقاسم عائدات الموارد الطبيعية للعراق، خاصة النفط. رابعا، اعادة الاعتبار لاستقلالية القضاء وايقاف تغول رئاسة الوزراء عليه وعلى المؤسسات والهيئات المستقلة الاخرى، وهذا من شأنه ان يمنح العفو عن عشرات الآلاف من السنة المعتقلين بدون محاكمات، وان يحد من التطبيق التعسفي لقرارات "اجتثاث البعث" ولقانون محاربة الإرهاب الذي أساء المالكي استعماله لإيقاف منافسيه السياسيين من السنة والشيعة.
وبالتأكيد ان تشكيل حكومة شراكة حقيقية وتوجهها نحو اصلاح الخرائب التي احدثتها الحقبة المالكية سيدفع واشنطن لتقديم كل العون والمساعدة لدحر تنظيمات داعش، خاصة اذا لمست واشنطن ان هناك ابتعادا من جانب الحكومة الجديدة عن الخضوع لطهران ونفوذها، كما ان كل ذلك يسمح بعودة العراق الى حضنه العربي وبالتالي ابتعاده عن المحور الايراني وسياسات الاستقطاب الطائفي الاقليمي التي عززتها الحقبة المالكية. وانتهاء الحقبة المالكية وسياستها حتما سيعيد رسم المعادلة الاقليمية وتأسيسها على نحو جديد.
٭ كاتب عراقي