الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هزيمة "داعش" مستحيلة في الوضع الراهن

هزيمة "داعش" مستحيلة في الوضع الراهن

10.10.2015
محمد عايش



القدس العربي
الخميس 8/10/2015
تنظيم «داعش» ليس سوى النتيجة الطبيعية والمنطقية والمتوقعة لموجة الثورات المضادة التي شهدها العالم العربي في أعقاب «الربيع العربي»، ولذلك فإن هزيمة هذا التنظيم الإرهابي لا يمكن أن تتم بقصفه جواً، وإنما بتجفيف منابع اليأس والكراهية التي يتغذى عليها، والتي تتمثل بالثورات المضادة التي تقوم بها الأنظمة المستعرة ضد شعوبها المغلوبة على أمرها.
ظهور تنظيم «داعش» يرتبط عضوياً بالثورات المضادة في العالم العربي، ونمو هذا التنظيم وانتشاره يتغذى على القمع والاستبداد والقهر والظلم الذي بدأت الثورات المضادة بتخليفه في دول العالم العربي، هذا فضلاً عن أن أخطر ما في الثورات المضادة اليوم أنها بدأت تتوسع جغرافياً إلى خارج دول الربيع العربي، أي أن دولاً عربية عديدة لم تصلها الثورات الشعبية أصلاً بدأت أنظمتها المستبدة بالاستدارة نحو شعوبها، أملاً بأن تتغدى بتلك الشعوب قبل أن تقوم هذه الأخيرة بالعشاء بها!
والثورة المضادة –لمن لا يعرف- هي تعبير عن حالة التوحش والاستبداد التي يقوم بها النظام السياسي ضد شعبه، من أجل إفشال أي تحركات شعبية عفوية، من أجل إسقاط ذلك النظام أو إجباره على منح الناس مزيداً من الحرية والانفتاح، وتجلت هذه الثورات المضادة بأعلى درجات الوضوح في الانقلاب العسكري الذي شهدته كل من مصر واليمن، ومحاولات الانقلاب العديدة التي شهدتها ليبيا والتي انتهت بانقسام سياسي في البلاد، إضافة إلى القمع الوحشي وغير المنطقي الذي قام به نظام الأسد للقضاء على آمال السوريين بالتغيير.
نجاح الثورات المضادة وموجة صعود العسكر في العامين الأخيرين ترك مزاجاً عاماً يائساً في العالم العربي، وحالة الاستبداد والقهر وتعاظم وتيرة الظلم أوجدت قناعة غير مسبوقة لدى قطاع واسع من الشباب، بأن التغيير السلمي لم يعد ممكناً، وأن من يمارسون العمل السياسي السلمي ليسوا سوى «مرتدين كفرة»، ووجد هؤلاء في سكين أبو بكر البغدادي الدواء الشافي فتدفقوا على الرقة والموصل للمبايعة والقتال! لم يتعلم العرب والعالم من تجربة الجزائر وإلغاء انتخاباتها، والانقلاب على جبهة الانقاذ عام 1992، يومها تدخل العسكر فدخلت البلاد في دوامة من العنف استمرت 10 سنوات أو أكثر، ذلك العنف الذي نتج عن خروج آلاف الشباب اليائسين إلى الجبال بعد أن تبدلوا من الايمان بصندوق الاقتراع الى الايمان بالبندقية.
في مصر اليوم انقلاب عسكري يودع في سجونه 42 ألف معتقل سياسي يموتون تدريجياً تحت التعذيب، أو بسبب الإهمال الطبي وسوء المعاملة، وفي اليمن ثمة انقلاب عسكري دبره الرئيس المخلوع بعد أن رفع شعار: «أنا والبلد.. نبقى معا أو نرحل معاً»، وفي ليبيا انقلاب عسكري من نوع آخر جعل من العقيد المتقاعد جيشاً شرعياً للبلاد، وجعل من أبناء البلد «ارهابيين متمردين»، وفي سوريا ثمة عدوان مفتوح على الشعب السوري جعل كل مواطن «مشروع قتيل».. أما تنظيم «داعش» فيتغذى على كل هذه الاختلالات التي أنتجت بشراً يائسين يتذوقون الموت يومياً.
تستنفر دول العالم اليوم من أجل هزيمة تنظيم «داعش»، والجمعية العمومية للأمم المتحدة أهدرت أوقاتها الأسبوع الماضي في البحث في كيفية محاربة الارهاب، ويقذف التحالف الدولي الستيني بحمم قنابله على التنظيم، والحقيقة أن هزيمة «داعش» والقضاء على الارهاب لا تتم بهذه الطريقة، وإنما تحتاج لتصويب الاختلالات في المنطقة العربية، وردع الأنظمة عن استبدادها وقهرها، والوقوف ضد الانقلابات العسكرية على امتداد الجغرافيا العربية، من أجل إتاحة الفرصة للتغيير السلمي الديمقراطي، لأن النموذج الناجح للتغيير السلمي سوف يعيد الينا آلاف الشباب اليائسين الذين تحولوا من حالمين بالحرية الى ارهابيين.
بالمعطيات التي نراها اليوم على الأرض، نخلص منطقياً الى أن هزيمة «داعش» لا يمكن أن تتم إلا بعد هزيمة الثورات المضادة، وإقناع الأنظمة العربية أو حتى إجبارها على وقف عدوانها ضد شعوبها.
المطلوب هو التوقف عن إنتاج المزيد من الشباب اليائسين المحبطين الذين يمثلون جنوداً مفترضين في جيش البغدادي، والتوقف عن إنتاج المزيد من الأنظمة العسكرية، وهي الأنظمة التي كان العالم المتحضر قد لفظ آخرها خلال عقد السبعينيات من القرن الماضي، بينما لا زالت تتوسع حتى اليوم في عالمنا العربي على حساب الحقوق والحريات والثروات والمقدرات.