الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل الدعم التركي للجيش الحر احتلال لسوريا؟

هل الدعم التركي للجيش الحر احتلال لسوريا؟

04.02.2018
محمد زاهد جول


القدس العربي
السبت 3/2/2018
ينبغي النظر إلى تحذيرات الرئيس الفرنسي ماكرون لتركيا حول عملية "غصن الزيتون" في عفرين على محمل الجد، والبحث عن دلالاتها وآثارها بعد ذلك، فتحذيره ألا يتحول التدخل التركي بمساعدة الجيش السوري الحر لطرد التنظيمات الارهابية من عفرين وغيرها، إلى نوع من الاحتلال التركي لسوريا، فهذا ليس تحذيراً عابراً، لأن التحذير جاء من رئيس دولة كبرى، وبعد عشرة أيام من بدء عملية "غصن الزيتون".
الحكومة التركية أطلعت فرنسا عن فكرة العملية على أعلى المستويات، بما في ذلك اتصال الرئيس أردوغان بماكرون شخصياً، وكذلك تصريحات عديدة من السياسيين والعسكريين الأتراك، بأن أهداف العملية محصورة بتطهير منطقة عفرين من التنظيمات الإرهابية اولاً، وإعادة اللاجئين السوريين من أهل هذه المناطق إليها، وبالأخص المتواجدين في المخيمات في تركيا، بحكم أنهم هم سكانها الأصليون، وليس المحتلين لها من ميليشات قوات حماية الشعب (بيد)، ولا قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ولا تنظيم "داعش" ولا غيرهم، فالعملية هي هدف للشعب السوري أولاً، ثم هي حماية للحدود التركية من تهديدات التنظيمات الارهابية ثانيا، وهذا يعني أن انتهاء التدخل التركي مشروط بتحقيق العملية لأهدافها السابقة، فلن يبقى بعد تحقيق الأهداف عنصر واحد من الجيش التركي إطلاقاً، لأن الجيش السوري الحر وسكان عفرين هما اللذان سيدافعان عن مدينتهما وقراهما، وهما من سيحكمان مدينتهما عبر مجلس منتخب، وهذا الأمر يعلمه ماكرون وتعلمه الحكومة الفرنسية أيضاً، فلماذا جاء التحذير الفرنسي؟ علما بأن مواقف تركيا وفرنسا متطابقة أو متقاربة حول الحل السياسي المقبل في سوريا.
قد يكون أرجح الاحتمالات هو الضغوط التي يتعرض لها الرئيس الفرنسي من لوبيات اليمين الفرنسي داخل فرنسا، وهي التي تعادي السياسة التركية عموماً، سواء كانت داخل تركيا أو خارجها، وقد تظن تلك اللوبيات أنها وجدت ضالتها بتشويه صورة تركيا، من خلال التنديد بعملية "غصن الزيتون" في سوريا، أي أنها ليست تصريحات صادقة، بل تتعارض مع التفاهمات التركية الفرنسية حول سوريا. والجزء الآخر من تصريح الرئيس الفرنسي مهم جداً أيضاً، وهو مطالبته تركيا بأن تنسق مع حلفائها حول عملية "غصن الزيتون" في عفرين، وكأن ماكرون يشير إلى التنسيق مع أمريكا ومع الدول الأوروبية الغربية، وليس مع روسيا فقط، وبما أن تركيا لا تعلن رفضها التنسيق مع أمريكا، ولكنها ترفض التعاون الأمريكي مع التنظيمات الارهابية الكردية لتقسيم سوريا، وترفض دعم أمريكا لهذه التنظيمات الارهابية الكردية بالأسلحة التي تهدد الأمن القومي التركي، وفي هذه الحالة وإذا صح أن تحذير ماكرون جاء بضغوط أمريكية، فإنه بذلك يسيء للعلاقات التركية الفرنسية، وهو ما اعتبره وزير الخارجية التركي جاويش اغلو بمثابة إهانة، كما اعتبره ازدواجية في المعايير، فمن يمثل دول احتلال في سوريا هي روسيا وأمريكا، فالجيش الروسي تجاوز الأربعين ألف جندي بكامل معداتهم وقواعدهم العسكرية في سوريا، وكذلك الجيش الأمريكي تجاوز الخمسة آلاف، وأكثر من عشر قواعد عسكرية في شمال سوريا، فلماذا لا تنظر فرنسا إلى هذه الجيوش والقواعد العسكرية الثابتة على أنها احتلال؟
إن أعداء تركيا يوهمون البعض بأن الأهداف التركية ليست في عفرين، ولا في منبج فقط، ولا بسبب التهديدات الأمنية لها، وإنما بسبب أحلام تركية قديمة في سوريا بحسب زعمهم، وبادعائهم أن هذه الأهداف ليست خاصة بأردوغان، بل كانت من أيام اتاتورك ومن بعده، ويستدلون على ذلك بموافقة الأحزاب القومية التركية الحالية على دعمهم خطة الجيش التركي بالتدخل في سوريا، متجاهلين أن أحزاب المعارضة التركية تجمع على دعم الجيش التركي والحكومة التركية في هذه العملية، لأنها مقتنعة فعلاً بالتهديدات التي تلحق بالأمن القومي التركي من جراء تمدد الأحزاب الارهابية الكردية على حدود تركيا الجنوبية أولاً، وبسبب بقاء ثلاثة ملايين ونصف مليون لاجئ سوري عبئا على الاقتصاد التركي، مع ما يمثله من تهديد اجتماعي للاستقرار في تركيا أيضاً، والأهم من ذلك أن المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا لم يتعاون مع تركيا لإعادة هؤلاء اللاجئين إلى بلادهم ومدنهم شمال سوريا، بل ساهم في طردهم من شمال سوريا إلى تركيا، لجعلها دولة خاصة بالأكراد، رغما عن إرادة الشعب السوري، وبهدف واضح ولو بعد سنين وهو تقسيم سوريا، ولذلك أغمض الأوروبيون والأمريكيون أعينهم عن عمليات التطهير العرقي، التي تعرض لها العرب السنة من الشعب السوري من هذه الأحزاب الارهابية التابعة لحزب العمال الكردستاني، فالأحزاب التركية المعارضة تؤيد عملية "غصن الزيتون" لاقتناعها بأن الجيش التركي يقوم بواجبه، وأن الحكومة التركية تقوم بواجبها لتصحيح أخطاء من استهانوا بالإرادة التركية الشعبية والسياسية والعسكرية في السنوات القليلة الماضية، وهم يدعون أنهم حلفاء لتركيا.
هذه هي الحقيقة التي ينبغي للرئيس الفرنسي ماكرون التنبه لها، وكذلك ينبغي لأولئك الصحافيين الذين يشوهون عملية "غصن الزيتون" التنبه لها، ونخص منهم بالنصيحة أولئك الصحافيين الذين يظنون أنهم يدافعون عن الشعب الكردي، أو إنهم من أبناء الشعب الكردي العزيز، فهؤلاء نذكرهم بأن عليهم ان يحسنوا قراءة المشهد الحقيقي للأحداث، فامريكا تحمل على عاتقها اليوم مشروعا مشابها للمشروع البريطاني في فلسطين قبل مئة عام، يوم منحت اليهود وطنا قوميا في فلسطين، لم تكن بريطانيا تملكه، وطردت منه سكانه الأصليين ظلما وحقداً على أهلها، ولتبقى منطقة مشتعلة بالصراعات عقودا مقبلة، وهكذا جاءت مخططات البنتاغون لتمنح الأحزاب الكردية الارهابية وطناً ليس لهم، وعلى حساب طرد أهله منه بمن فيهم الأكراد أنفسهم، ظلما وحقدا على أهله أيضاً، وخدمة لمصالح أمريكا وليس مصالح الشعب الكردي، ولا الشعب السوري، فهو مشروع انتهازي يستغل الأزمة السورية لتقسيم سوريا وزراعة كيان هجين تستخدمه أمريكا قاعدة عسكرية لها، لتنافس به روسيا في سوريا والشرق الأوسط، فلماذا يقبل الأخوة الكرد أن يكونوا أدوات عسكرية أو سياسية بأيدي المستعمرين الجدد، ولماذا تكون دماء الشعب الكردي الزكية ثمنا لتقسيم سوريا؟ ولذلك فإن القوات التركية والجيش السوري الحر لا يستهدفون المواطنين المدنيين في عفرين، ولا يستهدفون الشعب الكردي بسبب قوميته إطلاقاً، وإنما يعملون لإحباط مشاريع استعمارية جديدة تسعى إلى تقسيم سوريا إلى عدة كيانات أو دول.
الشعب السوري تحرك في بداية ثورته 2011 من أجل الإصلاح وليس تدمير بلاده ولا قتل أبنائه، ولكن القوى الاستعمارية الطامعة في سوريا استغلت ضعفه وسعت لإحلال جيوشها فيه، سواء كانت إيران أو روسيا او أمريكا، وأمريكا أعطت الضوء الأخضر لإيران لتخريب سوريا لخلط الأوراق فيها ولمنع سقوط الأسد، وأمريكا دعت روسيا للتدخل العسكري في سوريا، لأنها تريد تبرير إرسال جيشها إليه أيضاً، ومن ثم تبرير بناء قواعد عسكرية فيه، وبقيت تركيا تعترض على كل ذلك لسنوات، ولكنها لم تتحرك حتى أصبح الخطر داخل حدودها، ويقتل شعبها بالعمليات الارهابية التي يتبناها حزب العمال الكردستاني، وتأخرها أكثر من ذلك يعني زيادة الخطر عليها، ورغم تحالف تركيا الاستراتيجي مع أمريكا، ولكن أمريكا لم تسمع التحذيرات التركية، بل خالفتها، فالتحرك التركي ليس لاحتلال سوريا ولا لأخذ جزء من أراضيها، وإنما لمساعدة الشعب السوري والجيش السوري الحر للسيطرة على أراضيه ومدنه وقراه أولاً، ومنع بناء أوكار إرهاب على حدوده ولو بعد سنين، وهذا الأمر، سواء أرضى أمريكا أو فرنسا أو لم يرضهما فلن تتراجع تركيا عن حماية نفسها، فهذا قرار الدفاع عن النفس من الدرجة الأولى، بغض النظر عن مواقف أمريكا أو عواصم الدول الأوروبية، التي من مصلحتها أن تبقى الأراضي التركية آمنة ومستقرة ومزدهرة، وإلا فإن التهديد ليس بعيدا عن الأراضي الأوروبية أيضا.
أما مساعي أمريكا لحصر العملية في عفرين، فسببه أن أمريكا لا تريد أن تفقد الأمل بإمكانية نجاح مشروعها بتقسيم سوريا، ولا بتحقيق أطماعها بإقامة قواعد عسكرية دائمة لها في شمال سوريا، ولذلك ستضع في طريق تركيا والجيش السوري الحر الكثير من العراقيل، وستكون هذه العراقيل في منبج أكبر منها في عفرين، ولذلك يأتي تصريح ماكرون للدلالة على خطورة المراحل المقبلة، وتحمل نوعاً من التحذير الذي يصل حد التهديد من العواقب، ففرنسا كدولة مستعمرة لسوريا سابقاً تعتبر نفسها وصية عليها، وما يهمها أن تبقى سوريا تحت الوصاية الغربية، وليس تحت الوصاية الايرانية ولا الروسية، وتريد من تركيا ان تأخذ ذلك بعين الاعتبار وهي تدعم احد أطراف الصراع في سوريا.
كاتب تركي