الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تفتح أزمة البترول الباب أمام سقوط الأسد؟

هل تفتح أزمة البترول الباب أمام سقوط الأسد؟

31.12.2014
غادة الشاويش



القدس العربي
الثلاثاء 30-12-2014
يواجه الدب الروسي هذا الشتاء ثلاث عواصف سياسية واقتصادية عاتية، هي في الحقيقة جزء من حرب اقتصادية استراتيجية، خطط لها الأمريكيون منذ عشر سنوات، قبل ضم روسيا للقرم، عبر السيطرة المشددة على النظام المصرفي العالمي، بدعم شبكة من الحلفاء، وشن حرب اقتصادية لمنع روسيا من العودة الى الحرب الباردة، كما يقول جوان زارات، الذي ترأس خلية النخبة الامريكية التي شكلت لهذا الغرض.
هذه الحرب قد تفضي الى إعادة تشكيل علاقات روسيا وتحالفاتها، بما يفرض تعديلا وتعاونا مع الاتراك والسعوديين، لانقاذ روسيا من الانهيار، خاصة ان الازمة الاقتصادية التي تمر بها روسيا هي أسوأ من ازمتها زمن الرئيس يلتسين عام 1998، ما قد يفتح ثغرة في جدار الازمة السورية كورقة مقايضة تحل المشاكل الروسية، بحيث يكون عام 2015 هو عام تنحي الاسد. ولعل تعيين بوغدانوف المحسوب على حمائم الكرملين بعد لافروف (صقور)، ليقوم بالتحرك الدبلوماسي، فيه اشارة واضحة الى ليونة جديدة في الموقف الروسي.
تمثلت العواصف الثلاث في انخفاض عائدات الخزينة الروسية من البترول، نتيجة ازمة انخفاض اسعار البترول، وانهيار سعر الروبل الى النصف، وتواصل العقوبات الامريكية الاوروبية على روسيا، بعد ضم القرم، وتشهد المنطقة نشاطا سياسيا ودبلوماسيا محموما بين ثلاث عواصم، هي انقرة وموسكو وطهران ويتوقع دخول القاهرة بقوة على هذا الخط.
الروس في مواجهة العاصفة
يشعر الروس بأنهم قادرون على مواجهة العقوبات الامريكية الاوروبية بعد ضمهم للقرم، ويراهنون على الصمود لاطول فترة ممكنة، لان عامل الوقت سيدفع الاوروبيين الى مراجعة مواقفهم، لان حجم التبادل التجاري الاوروبي الروسي كبير، حيث تعتمد اوروبا بشكل رئيسي على الغاز الروسي، وتعاني من عدم توحد مواقفها حيال روسيا، بسبب الاختلاف في حجم العلاقات التجارية معها. هذه المقاطعة ستضر بعض الدول الاوروبية ضررا كبيرا، سيستحيل معه الاستمرار في تطبيق العقوبات حسب الوتيرة الامريكية، وقد سجلت السنتان الاخيرتان انكماشا ملحوظا في الاقتصاد الاوروبي، وكانت المانيا اكثر الدول تضررا، بوصفها اكبر دولة مستوردة للغاز الروسي في العالم. ولكن مشكلة انهيار سعر الروبل ووصوله الى النصف، ناتج عن سوء تقدير مستشاري بوتين الذين دعموا فكرة ضم القرم، على اساس ان لدى روسيا احتياطي عملات كبيرا، تتحمل معه العقوبات الاقتصادية، الا انه ثبت العكس، ولم يستطع البنك المركزي الروسي، الذي لجأ الى حل يلتسين عبر رفع سعر الفائدة، ان ينقذ تدهور الروبل، الذي بدأ مطلع 2014 ولم يتوقف الى اللحظة، فالاحتياطي الروسي 414 مليار دولار، في حين ان الدين الخارجي الذي تضاعف 70٪ يبلغ 700 مليار، وبلغت ديون الشركات الروسية 500 مليار دولار، خمسها يجب ان يسدد عام 2015 ، ما ادى الى هروب رأس المال، واغلاق شركات كبيرة ووقوف الناس طوابير امام البنوك لسحب أموالهم، ولا يعول الروس على الصين كثيرا في حل هذه المشكلة، رغم ان الاخيرة قالت انها ستدعم ما استطاعت حليفتها، لان الصين مستفيدة من نزوح الشركات الاوروبية نحوها بدلا من روسيا، ولانها منتفعة من انخفاض سعر البترول، ولان تشجيعها الروس في ضم القرم سيدفع الاقاليم الانفصالية، وعلى رأسها تركستان الشرقية الى تعلم الدرس من القرم والانفصال عن الصين، ما سيدفع الروس الى إحداث مزيد من الانهيارات ضد حكومة اوكرانيا والانتقام من الامريكيين عبر الاقليات الروسية في دول البلطيق المتحالفة مع الامريكي والنزوح نحو الاتراك وربما السعوديين.
الازمة الحقيقية تكمن في انخفاض اسعار البترول، حيث ان نصف الدخل القومي الروسي هو من عائدات البترول والغاز والضرائب التجارية على معاملاتهما، وقد انخفض هذا الدخل إلى النصف، ويأمل الروس في ألا يطول أمد انهيار السعر، خاصة أنهم الدولة الثانية عالميا في انتاج البترول، الا ان تأثير العربية السعودية على أوبك لا يناقش، لاسيما انها مع دول الخليج لديها احتياطي مالي كبير جدا، وتستطيع إطالة أزمة انخفاض البترول لثلاث سنوات قادمة، بدون اي مشاكل ما يعني كارثة حتمية ستدفع الروس حتما الى التفاهم مع السعوديين، فالمخرج من أزمتهم ليس أوروبيا ولا صينيا، بل أنه سعودي، ولن يقبل السعوديون ذلك الا عبر تنحي الاسد وفرض بعض الشروط على الخصم الايراني بواسطة روسيا، وسيحاولون ما استطاعوا إطالة أمد الازمة حتى يفرض ذلك نفسه على مفاوضات النووي الايراني، ويعمق ازمة طهران وروسيا في تمويل النظام وميليشياته الشيعية، ما يفسر استدعاء موسكو للاسد ورفض الاخير ذلك، ربما بايعاز من الايرانيين الذين يعارضون التوجه الروسي لتنحيته شخصيا.
القيصر والسلطان
في مواجهة الأمريكي
سجلت لقاءات بوتين أردوغان، أرضية مهمة جدا لمحاولة صياغة حل حول سوريا وبناء تعاون اقتصادي استراتيجي، خاصة ان روسيا وتركيا وجدتا نفسيهما فجأة في مواجهة الامريكي، الروس بسبب أزمة أوكرانيا والحرب الاقتصادية، والاتراك لاستيائهم من دعم الامريكيين للاكراد في كوباني، ومحاولتهم توريط تركيا في مواجهة مع "داعش"، ومن دون فرض منطقة حظر طيران، أو ضمان تنحي الاسد، إضافة الى المصالح الاقتصادية، حيث ان تركيا تستورد 60٪ من احتياجاتها من الغاز من روسيا، وتحاول روسيا التقرب من الاتراك في صراعها مع اوروبا على موضوع الغاز، بعد الغاء الاوروبيين لتفعيل خط نقل الغاز الروسي اليهم "ساوث ستريم لاين"، واتخاذهم قرارا باعتماد خط غاز نابوكو، الذي يمر عبر تركيا، ما دفع روسيا الى ابداء استعدادها لبناء مجمع غاز على الحدود اليونانية  التركية لتعويض "ساوث ستريم"، وزيادة ضخ ثلاثة مليارات متر مكعب من الغاز لتركيا، مع تخفيض ستة بالمئة من الاسعار، وزيادة حجم التبادل التجاري مع الاتراك من 30 الى 50 مليار دولار سنويا، خاصة بعد موافقة أنقرة على تولي الشركات الروسية بناء المفاعل النووي التركي. أما في الشق السياسي فتريد موسكو من انقرة ان تتفهم مخاوفها من منظومة الباتريوت المنصوبة بالقرب من الحدود التركية السورية، خاصة ضمن صراع الدرع الصاروخي مع واشنطن والناتو، والتأثير على المعارضة السورية لضمان مصالح روسيا على المتوسط، في ما لو سقط الاسد، أو على الأقل تأسيس أرضية للتفاهم على حل مرض لجميع الأطراف للأزمة السورية، في حين تريد انقرة من موسكو ان تضمن لها عدم امتداد الحرب السورية اليها عبر الاقلية العلوية، التي قد يحركها النظام السوري ( 7 الى 12٪ )، وان تضمن عدم قيام الاسد بضربة كيميائية مجنونة ضد تركيا اذا يئس من البقاء، وألا تدعم موسكو قيام كيان كردي على الحدود التركية السورية.
أما الإيرانيون فيتجهون الى بناء دولة موحدة، أبعد من مجرد التحالف السياسي، وعلى طريقة "داعش" في محو الحدود، ممتدة جغرافيا من ايران الى العراق الى سوريا، ولوعبر القبول بالتقسيم وانشاء دولة علوية على الساحل، "تربط بين العراق ولبنان، خصوصا اذا فرض الروس سقوط الاسد عليها، وأيقنت ان حربا مفتوحة تنتظرها في سوريا"، دولة مترابطة جغرافيا تضمن خطا لوجستيا من طهران الى لبنان وموقعا استراتيجيا ووزنا ديمغرافيا، وتحفظ نفوذ طهران على المتوسط، لذلك المتوقع هو مزيد من الغرق الايراني في سوريا التي اصبحت بالنسبة لايران وميليشياتها تماما مثل فيتنام لامريكا.
٭ كاتبة فلسطينية