الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تملك داعش "سياسة خارجية"؟

هل تملك داعش "سياسة خارجية"؟

11.07.2016
صبحي حديدي


القدس العربي
الاحد 10/7/2016
رغم أن داعش اختارت لنفسها تسمية تقصر الانتشار الجغرافي لـ"الدولة الإسلامية" على العراق والشام، واستقرّ مقدار كبير من وجودها العسكري، ضمن صيغة "التمدد" الشهيرة، على هذين البلدين بالفعل؛ إلا أنّ مفهوم "الخلافة"، أياً كانت عناصر الزيف والتزييف التي تكتنفه، لم يكن لينحصر في أية بقعة أو بلد أو حدود أو جغرافيا. في المنطوق الجهادي البسيط أو التبسيطي، إذا وضع المرء اعتبارات المنطوق السياسي الدنيوي أو الذرائعي جانباً، فإنّ أرض الخلافة هي امتداد المعمورة بأسرها، في أربع رياح الأرض!
وبهذا المعنى فإنّ فرضية وجود "سياسة خارجية" للتنظيم أخذت تترسخ شيئاً فشيئاً، وباتت ملامحها العامة تتضح أكثر فأكثر، منذ أن غادرت داعش النطاقَين الابتدائيين، في العراق وسوريا؛ أو بالأحرى منذ أن انتقل التنظيم من ساحته الأولى، العراقية، ومن نواته التأسيسية هناك، إلى بنية تنظيمية وعقائدية مكّنته من احتلال موقع المحور الفاعل والرئيسي في التنظيمات الجهادية المشرقية. وعلى نحو أشدّ مغزى: منذ أن تحوّل التنظيم إلى منافس للحاضنة الأمّ، منظمة "القاعدة"، أعلى جاذبية منها لجهة التجنيد والتنسيب، وأفضل استثماراً لمشاعر السخط والاحتجاج والرفض، ومزيج الهستيريا والاستيهام، لدى الشباب المسلم على مستويات كونية.
ولعلّ من المتفق عليه، أو هكذا تبدو الحال اليوم عملياً، أنّ تلك "السياسة الخارجية" تنهض على ثلاث ركائز؛ تضم، في الآن ذاته، بعض عناصر "السياسية الداخلية"، إذا جاز القول هكذا. الركيزة الأولى هي زرع الخلايا في دول الجوار، خارج العراق والشام، كما في لبنان والأردن والسعودية واليمن وتركيا؛ والبعض لا يتورع عن الإشارة إلى الضفة الغربية وغزّة وسائر فلسطين! وهذا خيار لا يقتصر على الصفة الكلاسيكية لتلك الخلايا، في أنها تظل "نائمة" حتى ساعة استفاقة، لتنفيذ عملية ما مباغتة؛ وإنما يتسع ويتشعب ليشمل وظائف الدعوة والتبشير والتجنيد والتعبئة، فضلاً عن الأنشطة الاستثمارية التي تسند "بيت مال" التنظيم (ثمة تقارير جادّة عن قرابة 20 مليون دولار تكسبها "الدولة"، شهرياً، من عمليات المضاربة بالعملات والأسهم).
الركيزة الثانية هي التمدد، حتى دون الاضطرار إلى الإعلان، أبعد من جغرافية التسمية الأصلية، العراقية/ الشامية؛ ليس إلى دول الجوار بالضرورة، لأنّ مبدأ الخلايا يتكفل بهذا، بل إلى ميادين مثل ليبيا وصحراء سيناء، الأمر الذي يوفّر ساحة انتشار وحشد، من جهة أولى؛ كما يؤمّن قاعدة تمركز احتياطية إذا اضطرّ التنظيم إلى تقليص وجوده العسكري في العراق والشام، من جهة ثانية. وليس خافياً أنّ هذه الميادين تتكفل بتخفيف الضغط العسكري عن "الدولة"، في الجبهات التي تشهد قتالاً عسكرياً نظامياً، وتخضع لعمليات قصف جوي مكثفة؛ لكنها أيضاً تمنح التنظيم، في المقابل، فرصة إضافية لاستقطاب المزيد من المتطوعين، وإشعال أنماط أخرى من الاحتجاج ضمن سردية الاستهداف العالمي لـ"الخلافة".
الركيزة الثالثة هي تنويع على مبدأ زرع الخلايا، ولكن في النطاق العالمي هذه المرّة، خاصة في الغرب، حيث الآلاف من المتطوعين المنتسبين إلى "الدولة"، والذين يمكن أن يعودوا من ساحاتها الجهادية الخارجية، في العراق والشام تحديداً، لتنفيذ أعمال إرهابية في بلدانهم الأصلية. وليس خافياً حجم التأثير المعنوي، ثمّ السياسي والأمني، الذي تسفر عنه مثل تلك الأعمال الإرهابية؛ وكيف تُحسن "الدولة" استثمار ما تخلّفه من مناخات، سواء لجهة ترهيب الناس أم اجتذاب الأنصار.
ويبقى أنّ عماد هذه "السياسة الخارجية" لا يعتمد على أية سياسة، بأي معنى مألوف للمفردة؛ بقدر ما ينتهج إراقة الدماء والإرهاب المحض والترهيب العشوائي الأعمى، بصرف النظر عن الهدف: الكرادة في بغداد، مثل مطار في اسطنبول؛ ومطعم في دكا، مثل مسجد في المدينة المنورة!