الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تهاجم أمريكا "داعش" في سوريا؟

هل تهاجم أمريكا "داعش" في سوريا؟

26.08.2014
د. عصام نعمان



القدس العربي
25/8/2014
موقف الولايات المتحدة من تنظيم "الدولة الإسلامية – داعش" ما زال حائراً ومحيراً. ازداد غموضاً بعد ذبح الصحافي الامريكي جيمس فولي علناً على يد إرهـابي داعشي يتكـلم اللغـة الانكليزية بلكنة بريطانية. ردُّ اوباما على الجريمة الحدث كان قوياً وحذراً في آن. دعا "الحكومات والشعوب في الشرق الاوسط لاستئصال هذا السرطان لئلا يتفشّى". كيف؟ قال إن الولايات المتحدة تبحث في خيارات مختلفة للرد على هذه "الجريمة الهمجية".
وزير الدفاع تشاك هيغل اعطى، خلال مؤتمر صحافي مشترك مع رئيس هيئة اركان الجيوش الامريكية الجنرال مارتن ديمبسي، جواباً مغايراً. قال إن واشنطن تعمل على "رسم استراتيجية طويلة المدى لمواجهة "داعش"، وان هزيمته لن تحدث فقط عبر الضربات الجوية. جواب ديمبسي جاء مشروطاً ومباشراً: "ثمة امكانية لهزيمة "داعش" اذا تمّت مهاجمته في سوريا وليس فقط في العراق".
هل جواب ديمبسي يشكّل موقفاً امريكياً جديداً في التعامل مع سوريا، أم انه مجرد رأي؟
يبدو انه رأي… حتى إشعار آخر. ذلك ان مصدراً في الخارجية الامريكية فسر حديث هيغل وديمبسي عن "تعاون او تنسيق" بين الولايات المتحدة وايران في العراق ضد "داعش" بأنه غير وارد، كما انه غير وارد في سوريا بين واشنطن ودمشق، كون الرئيس بشار الاسد "جزءأً من المشكلة وليس جزءاً من الحل"، كما يقول اوباما.
التعاون والتنسيق بين امريكا وسوريا غير وارد لا بالنسبة لواشنطن ولا بالنسبة لدمشق. لكن ذلك لا يعني بالضرورة ان قيام الولايات المتحدة بمهاجمة "داعش" داخل سوريا غير وارد. اذا ورد، فذلك يعني ان تدخلها العسكري، بأي شكل يحدث، انما يتّم من دون موافقة سوريا. ولعل التبرير الذي ستقدمه واشنطن لتدخلها هو التذرع بضرب "داعش" بالاستناد الى قرار مجلس الأمن 2170 الصادر مؤخراً في ظل الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. صحيح ان القرار المذكور لا يولي احداً حق استخدام القوة ضد "داعش" داخل سوريا، دونما اجازة صريحة من مجلس الامن، غير ان الولايات المتحدة لن تتوقف امام هذا الاعتبار. ألم تباشر في ضرب "داعش" داخل العراق دونما ترخيص من الامم المتحدة وحتى قبل صدور قرار مجلس الامن 2170؟
لا صعوبة في تفسير سياسة امريكا الراهنة في الشرق الاوسط عموماً وحيال سوريا والعراق وحرب "داعش" عليهما خصوصاً. فهي ما زالت ممعنة في تنفيذ سياستها المعتمدة في عهدي بوش الاب والابن، القائمة على اساس الهيمنة على دول المنطقة، ومنع غيرها من الحلول محلها اذا ما تعذّر عليها ذلك. هذه السياسة المعروفة باسم "الفوضى الخلاّقة" تنطوي في الواقع على اجراءات ميدانية لتفكيك دول المنطقة كما مجتمعاتها. لذا هي لا تعادي مخططات الحركات الإسلامية المتطرفة، شأن تنظيم "داعش"، التي ترمي الى الاغراض نفسها وإن لدوافع مغايرة، بل تتعاون معها احياناً لتحقيق اغراض ومصالح مشتركة. ألم تتعاون وكالة الاستخبارات المركزية مع "داعش" عبر تركيا لتوريد الرجال والسلاح الى كلٍ من سوريا والعراق، واستمر ذلك الى ان اعلن ابو بكر البغدادي نفسه خليفة للمسلمين في شهر حزيران/يونيو الماضي وباشر "داعش" بعد ذلك توسعه في العراق وصولاً الى تهديد اربيل، عاصمة اقليم كردستان، والتلويح باجتياح بغداد العاصمة ايضاً؟
توسّع "داعش" هدد مصالح الولايات المتحدة، السياسية والنفطية، فكان لا بد من فسخ عقود تأجير الخدمات التي ابرمتها معه، ودعوة دول المنطقة الى الامتناع عن تمويله وتسليحه، بل قامت بمهاجمته بغارات جوية متلاحقة داخل العراق لمنعه من التوغل في اقليم كردستان وتهديد مصالح امريكا فيه.
من الواضح ان الولايـات المتحدة ما زالت متمسكة بترتيبات اتفاق سايكس- بيكو، لكنها لا تمانع في إجراء تغييرات داخل حدود خريطته السياسية القائمة. هي لا تمانع في تفكيك العراق الى ثلاثة اقاليم متمايزة، شريطة ان تبقى كلها داخل دولة عراقية لامركزية او كونفيدرالية، وان تبقى المصالح النفطية لامريكا واوروبا وغيرهما من دول الغرب مصونة ومزدهرة. هي لا تمانع في تطبيق المخطط نفسه في سوريا وللاغراض نفسها، خاصةً انه يتطابق مع مخطط "اسرائيل" الرامي الى تزنير نفسها بمجموعة من "جمهوريات الموز" القائمة على اسس قبلية او مذهبية او اثنية، فلا تستطيع بحكم تعدديتها وتشرذمها وعداء بعضها لبعضها الآخر ان تشكّل قوة قومية متجانسة في مواجهة الغير، ولاسيما الكيان الصهيوني.
"داعش" يخدم بسياسته وأنشطته العسكرية مخططات التفكيك والتقسيم والشرذمة في المنطقة، فلا مصلحة للولايات المتحدة في ان تستأصله، لأن المستفيد من ذلك سيكون بالتأكيد سوريا وايران. قد تتدخل ضده اذا ما شعرت بأنه تجاوز حدوده، بمعنى حدود مصالح امريكا واوروبا و"اسرائيل"، فتعمل على صده وحتى تحجيمه. لكنها لن تصل الى حد ضربه بغية تصفيته.
تختلف سياسة الولايات المتحدة مع ايران في العراق عنها في سوريا. فهي لا تمانع في التعاون مع طهران بما يخدم مصالحها ومصالح حلفائها، ولا سيما في المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية بشأن برنامجها النووي. في هذا المجال، لا تمانع واشنطن في دعم طهران لبغداد في كل ما من شأنه اقامة حكومة وفاق وطني جامعة تراعي مصالح "مكوّنات" العراق السياسية والمذهبية من جهة وتساعد في رد هجمة "داعش" على اقليم كردستان من جهة اخرى.
يبقى التنبيه الى قاعدة ذهبية تراعيها الولايات المتحدة دائماً في سياستها الشرق اوسطية هي التزامها الثابت "أمن اسرائيل" ومصالحها تجاه اعدائها واصدقائها على السواء.
٭ كاتب لبناني