الرئيسة \  واحة اللقاء  \  هل تهدأ أوضاع المنطقة بعد أفول "داعش"؟

هل تهدأ أوضاع المنطقة بعد أفول "داعش"؟

15.07.2017
د. فايز رشيد


القدس العربي
الخميس 13/7/2017
ثلاث سنوات استمرّت دولة الخلافة الإسلامية في العراق وبلاد الشام، وهي الآن على طريق لفظ أنفاسها الأخيرة. لكن مرحلة ما قبل "داعش"، ليست بالتأكيد ما بعده. نظراً للمتغيرات الكثيرة التي طرأت على المنطقة برمتها، وبالأخص في العراق وسوريا.
المتغيرات تأتي وفقاً للاعبين الكثر الذين تدخّلوا في البلدين، تحت مسمّى "مكافحة الإرهاب" ظاهرياً، وكل طرف يخفي بواعثه وأهدافه الخفيّة. ربما كانت معركة الموصل، وانتصار الجيش العراقي فيها في معركة استمرّت تسعة شهور، المفتاح الأهم للإطلالة على مستقبل المنطقة بعد هزيمة "داعش". لأن جبهة الموصل جرى تسليمها عن عمد لـ"داعش"، بعد انسحاب كل قطعات الجيش العراقي منها. هذا مع العلم، أن كل من قبضت عليهم "داعش" من الجنود العراقيين، قامت فيما بعد بإعدامهم. مع العلم أن أسلحة الجيش العراقي على جبهة الموصل جرى تسليمها لـ"داعش". هذا محدد مهم، لرؤية الوضع في العراق في المدى القريب المنظور. للعلم أيضاً، الولايات المتحدة، وكما تعترف، لها 6000 جندي بالإضافة إلى قواعد ثابتة على الأرض العراقية. إيران لها مناطق نفوذ واسعة في العراق. تركيا أدخلت كتائب من جيشها في الشمال العراقي. مسعود بارزاني قرر إقامة استفتاء على مصير كردستان، وكلّ ذي عقل يدرك ما هي نتائج الاستفتاء، التي تتراوح بين الانفصال عن العراق،أو إعلان الدولة الكردية المستقلّة عن الوطن الأم.
الكيان الصهيوني ليس ببعيد عن العراق بالطبع من خلال قواعد ثابتة له في إقليم كردستان وفي تركيا، وهو يتعامل مع المنطقة العربية (وبضمنها العراق) انطلاقا من مخطط برنارد لويس التفتيتي للأقطار العربية (42 دويلة)، وتاريخ العلاقات الصهيونية مع الأكراد بدأ إبان زعامة مصطفى بارزاني (والد مسعود) للثورة الكردية
لعل المحدّد الثاني هو، أن "داعش" ليس جسما عسكريا فقط، بل أيضاً أيديولوجية معتنقة كعقيدة ومنهج حياة. لو كان الأمر على الشكل الأوّل، لانتهى "داعش" في آخر هزيمة له. لكن الحال ليس كذلك، فـقد وجد له تربة خصبة في الأقطار العربية بلا استثناء، ووجد من يرعاه، ووجد من يمدّه بالمال والعتاد، ووجد انتشارا له بين الشباب الناقمين على أنظمة حكم بلدانهم، ووجد صدىٍ له على منابر الكثير من المساجد العربية والتابعة أيضا للدول الإسلامية، وعلى ألسنة المؤيدين لصورة الإسلام الداعشية وطرائقه كوسيلة رئيسية للتعبير عن النقمة على أنظمة الحكم الحالية وتغييرها عنوة. بالتالي، نشك أن يستقبل "داعش" هزيمته بصدر رحب، ويعلن استسلامه وتفكيك تنظيمه، بدليل هذا الموت الانتحاري الأخير لأعضائه في معركة الحيّ الأخير في الموصل، المدينة التي ستحتاج إلى ما يزيد عن 100 مليار دولار لإعادة إعمارها. "داعش" سيلجأ إلى العمل من تحت الأرض، هذا في ظل انقسامات بينية عراقية، أطرافها حملت السلاح بعضها على بعض، كما تنظيمات مسلحة أخرى لا تعد ولا تحصى، بكلمات أخرى، "داعش" هُزم عسكرياً، لكنه بقي نهجاً وفكراً، وطريقةً لحل التناقضات الكثيرة القائمة مع أنظمة الحكم. هذه التناقضات ستكون في المرحلة المقبلة قادرة على استقطاب تنظيمات مسلحة كبيرة/صغيرة في ساحات عربية كثيرة، وليس في العراق وسوريا، ولا اليمن وليبيا ومصر فحسب، بل غيرها بالطبع.
في سوريا، هناك ملامح عامة مشتركة مع الوضع في العراق، لكن بلاعبين متعددين أكثر من المتدخلين في العراق. في سوريا، روسيا دخلت بقوة على آخر منفذ بحري لها في منطقة المياه الدافئة، وهي تقرّ بالمصالح المشتركة مع دول التحالف الدولي، التي ائتلفت تحت شعار "مكافحة الإرهاب" في سوريا.
الولايات المتحدة في سنوات الصراع السورية، انتقلت من شكل تدخل مباشر محدود عبر قيادتها لضربات التحالف الدولي في عهد أوباما، إلى شكل أكثر تطورا من التواجد الفعلي المباشر المحدود في عهد الرئيس أوباما، وإلى المشاركة المباشرة في ضرب أهداف عسكرية سورية تحت حجة، استعمال النظام السوري للسلاح الكيماوي، هذا في عهد الرئيس الجديد ترامب، واشنطن تتواجد عسكريا في الشرق السوري على الحدود العراقية – السورية.
إسرائيل تدخلت في الأحداث السورية منذ يومها الأول، وأجرت بعض تفاهمات مع روسيا حول تحليق طائراتها في الأجواء السورية، من أجل ضرب ما تدّعيه "وصول أسلحة متطورة إلى حزب الله". إيران وحزب الله يضعان كل إمكانياتهما في سبيل إسقاط الهدف الغربي، الهادف إلى إزاحة النظام السوري برئاسة الرئيس بشار الأسد. تركيا حرصت على إدخال جيشها أيضا إلى الشمال السوري تحت اسم حملة "درع الفرات"، وسط ادّعات بأن هذه المناطق أيضا تتبع لها، انطلاقا من ترتيبات العهد العثماني. المهم بالنسبة لروسيا هو حكم علماني في سوريا. وهي خلصت إلى مقولة مهمة، أن شكل نظام الحكم في سوريا هو من مهمات الشعب السوري.
كافة الأطراف اللاعبة في سوريا تدّعي الحرص على وحدة الأراضي السورية، وهذا ما يجافي الحقائق والواقع. الولايات المتحدة والكيان وتركيا تسعى إلى تقسيم سوريا، وما الاتفاق الأحير على إقامة منطقة خفض التوتر في جبهة درعا سوى للمحافظة على أوراق تلعب بها في سلسلة مؤتمرات جنيف وأستانا. بالنسبة للصين فهي عمليا لا تتناقض مع الموقف الروسي حول سوريا، بل الأصح القول، إنها تقترب منه كثيرا، ظهر ذلك بوضوح في التصويت على مشاريع القرارات في مجلس الأمن حول تشديد العقوبات على سوريا (المقصود منها بالطبع هو النظام السوري). أوروبا الغربية لا يمكنها اتخاذ مواقف بعيدا عن التبعية والإلحاق بالموقف الأمريكي.
من زاوية ثانية، فإن الأوضاع في ليبيا بعيدة عن إمكانية رسم صورة تقريبية لها، فمتغيرات كثيرة طرأت على الوضع فيها، لجوء الكثير من الداعشيين في سوريا والعراق إليها، وتبعات ذلك. وجود حكومات متناحرة مختلفة، تحرير سيف الإسلام القذافي وتداعياته، كذلك ما كشفت عنه رسائل هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الامريكية السابقة، الالكترونية من اسرار حول هذا الملف، ونشرته مجلة "الفورين بوليسي" الامريكية قبل عشرة أيام تحت عنوان "لماذا سعى حلف الناتو للإطاحة بالزعيم الليبي"، وكذلك مجلة "بوليتيشيسكويه أبزرينييه" الروسية، وإجابتها بالقول إن الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي قاد الحرب على ليبيا وجنّد دولا عربية وشخصيات ليبية، وجامعة الدول العربية، ومحطات تلفزة عربية وغربية عملاقة، لتحقيق أهداف كثيرة: الاستيلاء على النفط الليبي، منع توسع نفوذ الزعيم الليبي معمر القذافي في افريقيا، بقاء النفوذ الفرنسي في منطقة شمال افريقيا، تأكيد القوة العسكرية الفرنسية في القارة الافريقية ودول الاتحاد المغاربي العربي، والتمهيد للتدخل في مالي ومنطقة الساحل، وتعزيز شعبية الرئيس ساركوزي في داخل فرنسا وفوزه لولاية رئاسية ثانية. منع القذافي من إصدار عملة افريقية تعتمد على خزين الذهب الليبي، وتفكيك ارتباط العملة الأفريقية بالعملة الأوروبية، والفرنك الفرنسي تحديدا.
بالنسبة لليمن، فنتائج الوقائع لم تأت وفقا للحسابات، نظرا لتعقيد الصراعات المتعددة في اليمن، الذي امتاز بطول مدة كل حروبه، إضافة إلى الكوليرا والمجاعة التي تفتك بأطفاله. نعم الحرب والكوليرا حولتا اليمن السعيد إلى اليمن التعيس! أيضا يتوجب الأخذ بعين الاعتبار بعد اندحار "داعش"، الصراعات البينية العربية والاستقطاب الحالي القائم وتداعياته على المنطقة.
جملة القول: إنّ باباً أغلِقْ، لكن أبوابا كثيرة أخرى ما تزال مفتوحة، وأخرى قد تفتح، ستفاقم من حدة المعارك والصراعات في المنطقة بأكملها.
كاتب فلسطيني